2024 © - أشكاين جميع الحقوق محفوظة - [email protected]

أساطير طنجة، سلسلة يعدها الصحافي عبد الله الغول، تستكشف أغرب الحكايات الشعبية والأساطير التاريخية المتداولة حول مدينة طنجة… حلقاتها تجمع بين السرد الأسطوري والمعطيات التاريخية… تلتقون معها طيلة شهر رمضان في حلقات يومية مثيرة ومشوقة.
الحلقة 4 :
على مدى قرون وإلى غاية سنين مضت، تناقل الصيادون في طنجة رواية غريبة عن جزيرة غامضة تظهر في البحر عند الفجر، حيث كانت تنعم بوفرة من الأشجار المثمرة. وكان الصيادون المحليون يبحرون نحوها في الصباح الباكر، يجمعون منها التين والرمان والتمر، قبل أن يعودوا محملين بخيراتها.
لم يكن أحد يسكنها، لكنها كانت بمثابة كنز سري لأولئك الذين يعرفون طريقها. كانت الجزيرة تبدو وكأنها تخرج من الضباب مع طلوع الشمس، ثم تختفي تدريجياً عند المساء، وكأنها لا تريد أن يراها أحد لساعات طويلة.
لكن في أحد الأيام، وقع ما لم يكن في الحسبان. أبحر مجموعة من الصيادين نحو الجزيرة مع شروق الشمس، كما اعتادوا، لكن هذه المرة لم يجدوا أي أثر لها. بدت المياه هادئة، والبحر بلا جزيرة.
بحثوا في المكان الذي كانت تظهر فيه، لكن دون جدوى، فلم يكن هناك سوى أمواج تتلاطم. ومنذ ذلك اليوم، لم يرَ أحد الجزيرة مرة أخرى. وانتشرت القصة بين سكان طنجة، وتحولت إلى أسطورة عن “الجزيرة الشبح” أو “أطلانتس طنجة” التي تظهر حيناً ثم تختفي إلى الأبد.
عبر الأجيال، بدأ البعض يعتقد أن هذه الجزيرة لم تكن سوى جزء من أرض قديمة غمرها البحر، وأخذت قصتها تتشابك مع أساطير أخرى، منها أسطورة جزيرة أطلانتس المفقودة.
ووفقاً للعالم الفرنسي جاك كولينا جيرار (Jacques Collina-Girard)، فإن هناك دلائل جيولوجية تشير إلى أن موقع ضفاف سبارتيل (Spartel Bank) كان في الماضي جزيرة حقيقية، لكنها غُمرت بالمياه منذ حوالي 12,000 عام بسبب ارتفاع مستوى البحر في نهاية العصر الجليدي الأخير.
هذا الاكتشاف منشور في مقال إيليونور كومينز على مجلة “Popular Science” بعنوان “أطلانتس ليست حقيقية، ولكن هذه هي جميع الأماكن التي يُحتمل أن تكون قد وُجدت فيها”، أعاد إحياء الفكرة القائلة بأن الجزيرة التي اختفت فجأة من قصص الصيادين قد تكون جزءاً من تلك الأرض القديمة التي غمرتها المياه عبر آلاف السنين. بل تشير أيضا إلى احتمال أن تكون سبارتيل هي الأصل الحقيقي لأسطورة أطلانتس التي رواها الفيلسوف اليوناني أفلاطون، حيث تحدث عن مدينة عظيمة اختفت تحت الماء بسبب كارثة طبيعية.
ورغم غياب دليل مادي يثبت أن الصيادين في طنجة زاروا بالفعل بقايا جزيرة سبارتيل القديمة، فإن الأسطورة تظل حية في الذاكرة الشعبية. وكلما غطى الضباب مياه المضيق أو شاهد البحارة ظلالاً غريبة على سطح البحر، تعود الحكاية إلى الأذهان، ويهمس البحارة وخصوصا البحارة القدماء عن تلك الجزيرة التي كانت تمنح البحارة ثمارها ذات يوم، قبل أن تختفي بلا أثر، تاركة وراءها لغزاً غامضاً في أعماق المحيط.
وهكذا، يظل بحر طنجة حاملاً لذكريات الجزيرة الضائعة، بين أساطير البحارة وحقائق الجيولوجيا، حيث يلتقي الخيال بالعلم في قصة أسطورية ضاعت بين ثنايا التاريخ، لكنها لا زالت هناك تصارع الاندثار.