لماذا وإلى أين ؟

أساطير طنجة.. نبوءة ابن بطوطة وديلشاد (ح 5)

أساطير طنجة، سلسلة يعدها الصحافي عبد الله الغول، تستكشف أغرب الحكايات الشعبية والأساطير التاريخية التي تدور في فلك مدينة طنجة… حلقاتها تجمع بين السرد الأسطوري والمعطيات التاريخية… تلتقون معها طيلة شهر رمضان في حلقات يومية مثيرة ومشوقة.

الحلقة 5 :

لا يمكن الحديث عن أساطير مدينة طنجة دون المرور بالرحالة الشهير ابن المدينة، عبد الله محمد بن عبد الله اللواتي الطنجي بن بطوطة، والذي لا تخلو رحلاته من قصص غريبة ومثيرة. ففي رحلته الطويلة التي دونها في كتابه تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار، يروي الرحالة الطنجاوي ابن بطوطة قصة لقائه الغريب برجل يُدعى ديلشاد، والذي أنقذه من موت محقق بعد أن كان قد تاه في أراضٍ معادية بالهند.

المثير في الأمر أن ابن بطوطة كان قد سمع باسم هذا الرجل قبل ستة عشر عامًا، عندما كان لا يزال في بداية رحلته، خلال زيارته للولي الصالح أبي عبد الله المرشدي في مدينة المحلة بمصر.

كان ذلك في العام 1325م، حين أخبره المرشدي بنبوءة غامضة مفادها أنه سيلتقي برجل يُدعى ديلشاد في المستقبل، وسيكون لهذا اللقاء دور محوري في نجاته. حينها، لم يعر ابن بطوطة الأمر اهتمامًا كبيرًا، واعتبره جزءًا من حديث الأولياء. لكن بعد أكثر من عقد ونصف، وجد نفسه في موقف جعل هذه النبوءة تعود إلى ذهنه بقوة.

في الأول من غشت عام 1341م، كان ابن بطوطة في الهند يعمل سفيرًا لسلطان دلهي، أبي المجاهد محمد، حين وقعت أحداث درامية لم يكن يتوقعها. أثناء سفره مع قافلته، وصلت إليهم أخبار عن بلدة مسلمة تُدعى جلالي تتعرض لحصار من قبل الوثنيين الهنود. وبدافع من واجبه الإسلامي، قرر ابن بطوطة وأصحابه تقديم العون للمحاصَرين، لكنهم تعرضوا لهجوم عنيف تفرق على إثره عن رفاقه، ليجد نفسه وحيدًا في أرض غريبة، يطارده أربعون مقاتلًا هنديًا انتهى به المطاف أسيرًا لديهم.

بعد فترة من الأسر، تمكن ابن بطوطة من الهرب، إلا أن ذلك لم يكن نهاية معاناته، إذ تاه في الأدغال، جائعًا وعطشانًا، حتى سقط منهكًا على حافة الموت. في تلك اللحظة، ظهر أمامه رجل أسود البشرة، نظر إليه بعينين حانيتين وقال له بالفارسية: “السلام عليكم”. عرّف نفسه باسم “القلب الفرح”، وأطعمه وسقاه ثم حمله على كتفيه وسار به لمسافة طويلة، حتى أوصله إلى قرية مسلمة حيث تلقى الرعاية اللازمة.

عندما استعاد ابن بطوطة وعيه بالكامل، تفقد المكان بحثًا عن منقذه، لكنه لم يجد له أثرًا، وكأنه اختفى فجأة كما ظهر. حينها، تذكر كلمات الولي المرشدي في المحلة قبل ستة عشر عامًا، وأدرك أن اللقاء لم يكن مجرد مصادفة، بل كان تحققًا لنبوءة لم يكن يؤمن بها يومًا، فاسم “القلب الفرح” كما يقول بن بطوطة يعني بالفارسية “ديلشاد”.

دوّن ابن بطوطة هذه القصة في كتابه، متعجبًا من المصادفات الغامضة التي ميزت رحلته، وتساءل: هل كان ديلشاد مجرد رجل عابر، أم أن هناك قوة غيبية أرادت أن يكون هو المنقذ الذي قُدِّر له أن يلتقي به منذ زمن بعيد؟

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

0
أضف تعليقكx
()
x