”كتاب أَثَار جدلا”.. حِينَ صَرخ مُحَمَّد شُكْرِي فِي وَجه الْفَقْر وَالظُّلْم بِرِوَايَة ”فاضِحة” (ح05)

” كتاب أثار جدلا” رحلة في عالم الأفكار الممنوعة، سلسة تنشر على شكل حلقات طيلة شهر رمضان في ”آشكاين”، تتناول مؤلفات خلقت ضجة كبيرة، في السياسة، في الدين، كما في قضايا اجتماعية.

هذه الكتب دفعت مؤلفيها أثمانًا باهظة، بلغت حد التكفير والتهديد بالقتل وتنفيذه أحيانا، وتارة أخرى تدخلت الرقابة وبقيت هذه المؤلفات ممنوعة من التداول لسنوات.

لكنها في المقابل أحدثت ثورة فكرية وخلخلت مفاهيم كانت بمثابة طابوهات لفرات طويلة.

سيكون قراء ومتابعو جريدة “آشكاين” على موعد مع هذه السلسلة طوال أيام شهر رمضان.

الحلقة الخامسة: الخبر الحافي

تُعتبر رواية “الخبز الحافي” للكاتب المغربي محمد شكري (1935- 2003) واحدة من أكثر الأعمال الأدبية جرأة في الأدب العربي الحديث. نُشرت الرواية لأول مرة سنة 1973 باللغة الإنجليزية، ثم تُرجمت إلى العربية عام 1982، وأثارت منذ ذلك الحين جدلًا واسعًا بسبب موضوعاتها الصريحة والواقعية التي تتناول الفقر المدقع، العنف، والبحث عن الذات في مجتمع مهمش.

سيرة ذاتية قاسية

“الخبز الحافي” هي سيرة ذاتية لمحمد شكري، يروي فيها تفاصيل طفولته وشبابه في مدينة طنجة بالمغرب خلال فترة الاستعمار وما بعدها. يصف شكري حياة قاسية مليئة بالمعاناة، حيث يكافح من أجل البقاء على قيد الحياة في عالم يسوده الفقر، الجهل، والعنف. يروي كيف اضطر إلى السرقة، التسول، والعمل في مهن وضيعة لتأمين لقمة العيش.

واقعية صادمة

يتميز أسلوب شكري بالواقعية الصادمة، حيث لا يتردد في وصف التفاصيل الأكثر قسوة في حياته. يستخدم لغة بسيطة ومباشرة، ولكنه في الوقت نفسه قادر على نقل المشاعر والأحاسيس الإنسانية بعمق وصدق. من خلال شخصياته الواقعية، يرسم شكري صورة حية للمجتمع المغربي في تلك الفترة، ويكشف عن الظروف الاجتماعية والاقتصادية التي أدت إلى تهميش قطاعات واسعة من السكان.

بحث عن الهوية والكرامة

على الرغم من قسوة الظروف التي يمر بها، يظل شكري مصممًا على البحث عن هويته وكرامته. يرفض أن يكون مجرد ضحية للظروف، ويسعى إلى التغلب على التحديات التي تواجهه. من خلال تعليمه الذاتي، يتمكن شكري من اكتشاف عالم الأدب والفكر، ويجد فيه ملاذًا ووسيلة للتعبير عن ذاته.

نقد اجتماعي وسياسي

“الخبز الحافي” ليست مجرد سيرة ذاتية، بل هي أيضًا نقد اجتماعي وسياسي لاذع. ينتقد شكري الظلم الاجتماعي والسياسي الذي شهده في طفولته وشبابه، ويدعو إلى التغيير والعدالة. يرى أن الفقر والجهل ليسا قدرًا محتومًا، بل هما نتيجة لسياسات خاطئة وظروف اجتماعية غير عادلة.

شخصيات ”الخبز الحافي”

تبدأ الرواية بشخصية محمد، التي تجسد الكاتب نفسه، حيث يتتبع شكري من خلالها رحلة الإنسان الذي يحاول النجاة رغم الظروف القاسية. يعاني محمد من صراع داخلي ما بين التمسك بالأمل وغلبة اليأس في عالم ينهشه الفقر والعنف الأسري. تمثل شخصيته الإصرار على البقاء بالرغم من انعدام الخيارات، مما يجعلها نموذجاً إنسانياً ينقل التحديات التي يواجهها العديد ممن نشأوا في بيئات مشابهة.

إلى جانب شخصية محمد الرئيسية، نجد الأب الذي يظهر كرمز للسلطة القمعية والمجتمع الذكوري الصارم. تنبع قسوة الأب من واقع الفقر والجهل الذي ينخر العلاقات الأسرية ويزيد من حدة معاناة الأفراد داخل الأسرة الواحدة. في المقابل، تأتي شخصية الأم لتكون بمثابة واحة الأمل وسط عاصفة الفقر والبؤس. رغم كل المعاناة، تجسد الأم القوة والحنان، وذلك من خلال تمسكها بمحاولة حماية أبنائها وبث بصيص من الأمل في حياتهم المظللة بالمعاناة. هذا التعارض بين الأب والأم يكشف خطوطاً دقيقة تبني توازناً متناقضاً يجسد حياة الكاتب.

الشخصيات الثانوية الأخرى تُكمل هذه اللوحة، حيث تعكس كل منها جانباً مختلفاً من التحديات التي يواجهها محمد في رحلته نحو النضج. سواء كانوا أصدقاء أو معلمين، تساهم هذه الشخصيات في تشكيل إدراكه للحياة والمجتمع. من خلالها، يظهر جانب دقيق من واقع الطبقة المحرومة التي عاش فيها الكاتب.

تظهر شخصيات إضافية تشارك في مظاهر الجريمة والانحراف الأخلاقي الفاضح، حيث تداخل البطل معها خلال فترة وجوده في طنجة. تعكس هذه الشخصيات الجانب المظلم للحياة، مسلطةً الضوء على التحديات التي تواجه المجتمع.