2024 © - أشكاين جميع الحقوق محفوظة - [email protected]

هشام حنوز*
أصبحت المدرسة المغربية تعيش على إيقاع متصاعد من العنف وتعاطي المخدرات، وهي ظواهر لم تعد مقتصرة على بعض الأفراد، بل باتت تأخذ طابعًا بنيويًا يعكس تحولات اجتماعية عميقة. فالعنف لم يعد سلوكًا فرديًا منعزلًا، بل تحول إلى وسيلة يعبر بها بعض التلاميذ عن إحباطهم وصراعاتهم الداخلية، في حين أصبح تعاطي المخدرات مهربًا من ضغوط الدراسة والمجتمع. فهل يتعلق الأمر بأزمة تربوية فقط، أم أن العوامل الاجتماعية والنفسية تلعب دورًا حاسمًا في تفاقم هذه الظواهر؟
البعد السوسيولوجي: تأثير المحيط الاجتماعي
يؤكد علماء الاجتماع أن المدرسة ليست فضاءً منفصلًا عن المجتمع، بل تعكس التحولات التي يعيشها. فإيميل دوركايم يعتبر أن فقدان المدرسة لدورها التأطيري يحدث خللا في عملية التنشئة الاجتماعية، مما يعزز ظهور السلوكيات المنحرفة. أما بيير بورديو، فيؤكد أن التفاوتات الاجتماعية تساهم في تعزيز العنف داخل المؤسسات التعليمية، حيث يلجأ التلاميذ المحرومون إلى العنف أو المخدرات كوسيلة للتعبير عن رفضهم للوضع القائم.
بالإضافة إلى ذلك، يؤثر المحيط الأسري بشكل مباشر على السلوكيات المدرسية، فالتفكك الأسري، وضعف الرقابة الأبوية، وانتشار البطالة كلها عوامل تدفع التلميذ إلى البحث عن بدائل تُشعره بالقوة والانتماء، حتى لو كان ذلك عبر العنف أو تجربة المخدرات.
البعد النفسي: الإحباط والتقليد والانحراف السلوكي
حسب المختصين النفسيين، يرتبط العنف المدرسي وتعاطي المخدرات بمشاعر الإحباط والتوتر التي يعيشها التلميذ. واستنادا لنظرية “الإحباط – العدوان” التي طرحها جون دولارد، فإن الأفراد الذين يعانون من صعوبات في تحقيق أهدافهم يلجؤون إلى العدوانية كوسيلة للتنفيس. في السياق المدرسي، يسبب الفشل الدراسي أو الإقصاء الاجتماعي إلى تصاعد مستويات العنف بين التلاميذ.
من جهة أخرى، يوضح ألبرت باندورا أن العنف والتعاطي للمخدرات هما سلوكان مكتسبان، حيث يتعلم التلميذ من بيئته كيفية التصرف عبر التقليد، فإذا كانت النماذج المحيطة به، سواء في الأسرة أو في الشارع أو حتى في وسائل التواصل الاجتماعي، تروج لسلوكيات عنيفة أو ممارسات إدمانية، فإنه يكون أكثر عرضة لتبنيها.
البعد التربوي: اختلالات النظام التعليمي
أصدرت وزارة التربية الوطنية في المغرب دراسة في أبريل 2019 حول ظاهرة تعاطي المخدرات في الوسط المدرسي. أشارت الدراسة إلى أن نسبة تعاطي المخدرات بين التلاميذ بلغت 9.2%، مع وجود 1.7% منهم وصلوا إلى مرحلة الإدمان. شملت الدراسة عينة من 12,500 تلميذ في 188 مؤسسة تربوية، وأظهرت النتائج أن 77% من المتعاطين تتراوح أعمارهم بين 16 و18 سنة، و78% منهم من الذكور. كما بينت أن 90% من هؤلاء التلاميذ ينحدرون من أوساط اجتماعية متوسطة وميسورة. بالإضافة إلى ذلك، تعرض 45% من المتعاطين للعنف اللفظي والمادي داخل المؤسسات التعليمية، و86.3% منهم تغيبوا عن الدراسة أكثر من مرة، بينما 77.6% لا يشاركون في أي أنشطة ثقافية أو رياضية خلال أوقات فراغهم. (جريدة “الصحافة اليوم” بتاريخ 1 نوفمبر 2019)
أما العنف، فعدم فاعلية العقوبات البديلة “مذكرة البستنة” يعود إلى غياب التوجيه والمتابعة الكافية، بالإضافة إلى عدم ارتباط هذه الأنشطة بشكل مباشر بتعديل سلوك التلميذ.، كما تعاني المؤسسات التعليمية من نقص في أطر الدعم الاجتماعي والنفسي، وفي حال وجود هؤلاء المختصين، يتم تكليفهم بمهام إدارية، مما يقلل من قدرتهم على مساعدة التلاميذ في مواجهة التحديات النفسية والاجتماعية.
لا يمكن النظر إلى العنف المدرسي وتعاطي المخدرات بمعزل عن السياق الاجتماعي والتربوي الذي يعيشه التلميذ، فالأمر يتجاوز مجرد تصرفات فردية ليعكس أزمة تربوية واجتماعية تحتاج إلى حلول شاملة تعيد الاعتبار لدور المدرسة كفضاء للتنشئة السليمة، وتعزز حضور أطر التوجيه والدعم النفسي، وتوفر بدائل حقيقية تساهم في الحد من هذه الظواهر. فإلى متى ستظل المؤسسات التعليمية مسرحًا لهذا العنف المتزايد؟
*أستاذ التعليم الابتدائي، مجاز في العلوم القانونية وعلم الاجتماع
إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبر بالضرورة عن رأي آشكاين وإنما عن رأي صاحبها