2024 © - أشكاين جميع الحقوق محفوظة - [email protected]

أساطير طنجة، سلسلة يعدها الصحافي عبد الله الغول، تستكشف أغرب الحكايات الشعبية والأساطير التاريخية التي تدور في فلك مدينة طنجة… حلقاتها تجمع بين السرد الأسطوري والمعطيات التاريخية… تلتقون معها طيلة شهر رمضان في حلقات يومية مثيرة ومشوقة.
الحلقة 9 :
على وقع الأمواج المتلاطمة والمياه المالحة التي كانت تلسع وجوههم، شقت سفن الفايكنج طريقها عبر مضيق جبل طارق، حيث كانت الرياح تملأ أشرعتهم برائحة المجهول. كان على متنها سيغورد الأول الصليبي، ملك النرويج، أول ملك فايكنج يخوض رحلة بحرية نحو “الأراضي المقدسة”، لكنه لم يكن يعلم أن رحلته ستقوده إلى طنجة الأسطورية، حيث سيواجه تحديًا لم يكن في حسبانه.
ومع أنه ليس هناك الكثير من المراجع التاريخية التي تؤكد بلوغ محاربي الفايكينغ المغرب، إلا أن جورج هيلز في كتابه “Rock of Contention”، يقول إنه في عام 1107 ميلادية، انطلق سيغورد من النرويج على رأس أسطول ضخم، ليعبر بحر الشمال ومنه إلى سواحل فرنسا وإسبانيا.
على طول الطريق، اشتبك جيش الملك سيغورد مع المسلمين في الأندلس، حيث هاجموا عدة مدن ساحلية، ثم واصلوا رحلتهم حتى وصلوا إلى مضيق جبل طارق، تلك البوابة الفاصلة بين العالمين، حيث كانت طنجة تقف شامخة على الضفة الجنوبية، تُراقب هذا التدفق المستمر من الغزاة والتجار والملوك.
السر المظلم لكهوف هرقل
بينما كانت سفن سيغورد تقترب من الشاطئ، سمع حكايات غريبة عن كهفٍ غامض في أطراف طنجة، حيث يختبئ “السراسنة” (كما كان يسمي الأوروبيون المسلمين آنذاك). قيل له إن هذا الكهف ليس مجرد مأوى للرجال، بل بوابة إلى أعماق الأرض، وأنه المكان الذي استراح فيه هرقل الأسطوري بعد شقّه للجبال وتكوين المضيق.
توقفت سفن الفايكنج عند الساحل، ونزل المحاربون المدرعون، تسللوا نحو مدخل الكهف، حيث سمعوا أصواتاً غامضة تتردد بين جدرانه الحجرية العتيقة. كان الهواء في الداخل ثقيلاً، وكأن القرون الماضية ما زالت تحوم في أرجائه. لم يكن الفايكنج غرباء عن الأساطير، لكن هذه المرة، كان عليهم مواجهة الحقيقة.
المعركة داخل الكهف
انطلقت صيحة الحرب عندما هاجم رجال سيغورد مدخل الكهف. اندلعت معركة دامية في الظلام، حيث لم تكن السيوف وحدها هي السلاح، بل كانت الصخور والجدران الضيقة عائقًا أمام الفايكنج، فيما استغل المدافعون معرفتهم بالمكان لمباغتتهم. اشتد القتال، وامتزج صدى صرخات الموتى بصوت الأمواج التي كانت تضرب الصخور القاسية.
أخيرًا، وبعد معركة شرسة، تمكن الفايكنج من اقتحام الكهف، ونهبوا ما وجدوه من ذهب ومواد ثمينة، قبل أن يشعلوا النيران في مداخله ويدمروا ما تبقى منه. خرجوا إلى النور مرة أخرى، لكنهم لم يكونوا كما دخلوا – كان الكهف قد كشف لهم عن شيء لم يعرفوه من قبل: رعبًا قديمًا مدفونًا في ظلام الأساطير.
سيغورد يغادر طنجة… لكن الأسطورة تبقى
بعد هذه المواجهة، لم يمكث سيغورد طويلًا في طنجة. أبحر مع رجاله نحو صقلية، ومن هناك إلى القسطنطينية، حيث حظي باستقبال الملوك، ثم أكمل رحلته نحو الأرض المقدسة. لكن، على الرغم من أنه لم يذكر طنجة كثيرًا في رواياته، فإن المدينة لم تنسَ تلك الليلة التي دُوّن فيها اسمها في تاريخ الفايكنج.
كانت هذه هي المرة الأولى – وربما الوحيدة – التي تطأ فيها أقدام ملك فايكنج أسطوري أرض طنجة، لكن ما حدث داخل كهوف هرقل بقي سرًا لم يفصح عنه أحد. هل كان مجرد قتالٍ آخر في سجل الحروب، أم أن الفايكنج واجهوا في ذلك المكان شيئًا يتجاوز حدود الفهم البشري؟