2024 © - أشكاين جميع الحقوق محفوظة - [email protected]

حسن قديم
بتسريحة شعره المميزة وجلسته المعهودة، وبخطاباته غير المتوقعة، تجعل حتى بعض المحيطين لا يتوقعون نوياه بسهولة، إذ بقدر ما يبدو بسيطا وواضحا بقدر ما هو غاية في التعقيد والغموض. حتى أقرب حلفائه وأصدقائه لا يستطيعون أن يكتشفوا ما يدور برأسه، إذ كثيرا ما تفاجئهم تصرفاته وردود فعله، إنه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
ودون الدخول في أي تفاصيل، لابد من التأكيد أن له طبائع غريبة وغامضة وغير مسبوقة، وهكذا تحول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى حديث للعالم، ومحط جدال دائم، بسبب تصرفاته التي تبدو أحيانا غير منطقية، لرجل يتربع على رئاسة كرسي أقوى دولة في العالم، وما يتطلبه هذا الأمر من حنكة ديبلوماسية كبيرة، في سياق دولي يمر بفترة أزمات قد تعيدسيناريوهات الحرب إلى الواجهة.
تمرس دونالد ي عالم المال والأعمال من بوابة الاستثمار في العقار وتعقيداته ، بعد أن تلقى تعليمه في مدرسة وارتون للمحاسبة في جامعة بنسلفانيا، وامتلك براعة التاجر الناجح في التفاوض وتمكن جيدا من لغة المال، وأصبحت علاقاته تبنى على معادلة الربح والخسارة، مستفيدا من العمل رفقة والده ترامب، قبل أن يستقيل بنفسه ليؤسس مشروعه الخاص.
أسس دونالد ترامب مشاريع ضخمة من كازينوهات وفنادق وشقق سكنية وملاعب غولف داخل الولايات المتحدة الأمريكية وخارجها، خاصة في الهند وتركيا والفلبين.
استطاع الرئيس الأمريكي تخطي عدة مصاعب، وكان قاب قوسين من إعلان إفلاسه خلال أزمة العقارات في 1990 نتيجة ارتفاع قيمة ديونه، ثم جنب إمبراطوريته المالية الانهيار في 2005 .
عرف ترامب بمشاكسته وحبه للنساء وزيجاته المتعددة، إذ تزوج ثلاث مرات، الأولى في 1977 من عارضة الأزياء والرياضية التشيكية الأصل إيفانا زلينكوفا، لينفصل عنها في 1992، ويتزوج من الممثلة ومقدمة التلفزيون الأمريكية مارلا آن مابلس في 1993 ، لينفصل عنها أيضا في 1999، ويعود ويتزوج في 2005 من السلوفانية وعارضة الأزياء ميلانيا كنوس، فنال عن جدارة لقب الرجل المزواج.
ظل ترامب بعيدا عن السياسة، ما عدا دعمه بين الفينة والأخرى لمرشحين للرئاسيات، دون أن يتقلد أي منصب سياسي، إلا في عام 2015، حيث سيدخل عالم السياسة من أوسع أبوابه، حين أعلن ترشحه للانتخابات الرئاسية الأمريكية، تحت شعار “اجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى”.
وتمكن الرئيس الأمريكي بعد حملة انتخابية ملفتة للنظر، أطلق خلالها التصريحات كل تجاه، في مواجهة المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون، من الوصول إلى البيت الأبيض، ليصبح الرئيس الـ 45 للولايات المتحدة في سنة 2017، لتبدأ مرحلة جديدة من حياة ترامب.
تميزت الفترة الرئاسية الأولى للرئيس الأمريكي بهجومه العلني حتى على حلفائه، إضافة إلى الانسحاب من اتفاقيات المناخ والتجارة الرئيسية، ليتختم ولايته بالجدل، بعدما اتهم بإدارته السيئة لفيروس كورنا، ورفضه الاعتراف بهزيمته أمام الرئيس السابق جو بايدن، واقتحام أنصاره لمبنى الكابيتول الأميركي في السادس من يناير2021، تعطيل التصديق على نتائج انتخابات 2020.
لاحقته تهم جنائية وصلت 94 تهمة، قبيل دخوله غمار التنافس من جديد على رئاسة الولايات المتحدة من جديد، ورغم ذلك توعد الجميع بأن يعود للبيت الأبيض، كما نجا بأعجوبة من محاولة اغتيال، استثمرها لصالحه بشكل جيد، وصور نفسه كبطل سينقذ الولايات المتحدة الأمريكية ويعيد عصرها الذهبي.
وبمجرد عودته إلى البيت الابيض، في 20 يناير 2025، أصدر ترامب مجموعة من القرارات تخص السياسة الخارجية والأمن والهجرة والاقتصاد، وكشف عن نيته التعاطي بشكل مغاير لسابقيه مع ملفات بالغة التعقيد، في مقدمتها حرب أوكرانيا وحرب غزة والوضع في الشرق الأوسط والسياسة التجارية العالمية.
بلغت هيستيريا دونالد ترامب مداها، فبعد أن أعلن عن عزمه فرض رسوم جمركية على الدول الأوروبية، أو زيادة صادرات الطاقة الأمريكية أكثر، بدعوى تعويض العجز في الميزان التجاري مع الاتحادالأوروربي، توعد بتهجير الفلسطينيين قسرا، وعبر عننيته ضم كندا وشراء جزيرة غرينلاند.
وجه ترامب انتقادات حادة للرئيس الأكراني للضغط عليه للتفاوض على إنهاء الحرب الروسية ضد بلاده، “وإلا فإنه قد يخاطر بعدم امتلاك دولة ليحكمها، بحسب الرئيس الأمريكي، ليتخم هجومه باللقاء الشهير بالبيض الأبيض الذي تحول إلى جلسة استنطاق للرئيس الأكراني.
ولم ينج الرئيس الفرنسي من إذلال ترامب لقادة الدول بالمكتب البيضاوي، والذي تحول إلى ما يشبه مسلخا للرؤساء، فترامب لم يستقبل ماكرون، وتجاهله خلال حديثهما عن الملف الأكراني، متحدثا بيقين عن إنهاء الحرب دون استشارة أو الالتفات إلى حلفائه الأوروبيين، وهكذا عاد ماكرون بخفي حنين إلى باريس.
وقبل ماكرون، استقبل الرئيس الأمريكي الملك عبد الله الثاني للضغط عليه من أجل استقبال الفلسطينيين وتنفيذ خطته بإفراغ غزة من شعبها، لكن الملك الأردني بدا هادئا ونقل الموضوع إلى الجامعة العربية، وخرج سالما من معركة أراد لها ترامب أن تكون لصالحه ولو إعلاميا، ليضيفها إلى نجاحاته الإعلامية التي يهواها.
تحت قيادة ترامب، تحول البيت الأبيض من رمز للديبلوماسية العالمية إلى مكان لإذلال القادة. فبين الضغط على الحلفاء، وتجاهل المصالح المشتركة، والتفاوض مع الخصوم دون استشارة الحلفاء، أصبح ترامب نموذجًا للرئيس المتهور الذي يدير الدولة بمنطق المقاولة. إن تصرفاته ليست سوى تعبير عن طبيعة رجل أعمال اعتاد على التعامل مع العالم بلغة المال، دون مراعاة للتعقيدات السياسية أو الديبلوماسية.
إن الضغط على الرئيس الاكراني لإنهاء الحرب هو بمثابة جرس إنذار للدول الأوروبية، وضوء أخضر لروسيا في معركتها مع الأوربيين، وهكذا وجدت القارة العجوز نفسها في مواجهة الدب الروسي، دون دعم حليفها القوي الولايات الأمريكية، مما يؤكد أن العالم يتجه نحو اصطفافات جديدة وتحولات عميقة.
القادم من مجال العقار والاستثمار لا يؤمن بمنطق الديبلوماسية وتعقيداتها وحقول ألغامها، بل يؤمن بمنطق التاجر الحذق وحيث توجد الأرباح فتلك وجهته، ولا مجال للتحالفات الكلاسيكية ولا التكتلات ، وبعد أن تيقن الرئيس الامريكي أن حرب أكرانيا بميزان التاجر العابر للحدود مجرد أتعاب تثقل كاهله وكاهل الناتو، فاتجه دون تفكير نحو روسيا ودخل في مفاوضات معها، دون حتى الاستشارة مع حلفائه الأوروبيين، في إهانة ما بعدها إهانة لحلفاء الأمس.
الآراء الواردة في هذاالمقال لا تعبر عن رأي آشكاين ونما عن رأي صاحبها.