لماذا وإلى أين ؟

أساطير طنجة.. الحصن البريطاني المهترئ (ح 11) 

أساطير طنجة، سلسلة يعدها الصحافي عبد الله الغول، تستكشف أغرب الحكايات الشعبية والأساطير التاريخية التي تدور في فلك مدينة طنجة… حلقاتها تجمع بين السرد الأسطوري والمعطيات التاريخية… تلتقون معها طيلة شهر رمضان في حلقات يومية مثيرة ومشوقة.

الحلقة 11 :

رغم كل ما كتب في روايات التاريخ عن التحصينات الأسطورية المتينة للجيش البريطاني الذي استعمر مدينة طنجة خلال القرن السادس عشر، والوجود الكبير للبحرية الملكية البريطانية التي أحكمت قبضتها على عروس الشمال، إلا أن مذكرات مسؤول كبير في البحرية الملكية البريطانية تكشف غير ذلك تماما.

ففي صيف عام 1664، وصل صامويل بيبز، الإداري البحري في البحرية البريطانية خلال القرن السادس عشر، الذي لا يعرف المهادنة، إلى مدينة طنجة. كان هذا المكان، الذي استعمرته بريطانيا حديثًا كجزء من معاهدة مع البرتغال، يمثل حصنًا استراتيجيًا على ساحل البحر الأبيض المتوسط. وكانت المدينة ذات طابع غريب، وطقس رطب، وشوارع ضيقة، لكن الأهم من ذلك كله كان الحصن الذي كان يجب أن يحمي المصالح البريطانية من أي تهديدات.

كان بيبز رجلًا يقيّم الأمور بشكل دقيق، وكان يعلم أن قوة أي مستعمرة لا تعتمد فقط على الأرض أو العدد، بل على التحصينات التي تقيها من الأعداء. وفي يوم مشؤوم، قرر أن يذهب بنفسه لفحص هذه التحصينات التي كانت على الورق درعًا لا يمكن اختراقه.

بينما كان يقترب من الأسوار، بدأ إحساسه بالقلق يتسارع. كانت الجدران شاهقة ومرتفعة، ولكنها بدت وكأنها أسنان عجوز مهترئة. كانت هناك ثقوب في الجدران، وفجوات تكشف عن هشاشة واضحة. كلما خطا بيبز خطوة، زاد شعوره بأن الجدران تتنفس، تنذر بأن السقوط قادم لا محالة.

“ألم يكن من المفترض أن تكون هذه الأسوار أكثر وأعظم من مجرد جدران؟” فكر بيبز وهو يفحص الحجارة المتهالكة التي تم استخدامها في بناء هذا الحصن. “هذه ليست تحصينات، إنها مجرد قطع مكسورة أُلصقت معًا، وكأننا نعيش على أمل ألا يحدث شيء سيء.”

بينما كان يمر بالقرب من إحدى الأبراج المتهدمة، أطلق بيبز تنهيدة طويلة. كان قد رأى العديد من الحصون في حياته، وكان يعرف جيدًا كيف يمكن أن تؤدي جدران ضعيفة إلى كارثة. “إذا حاول أي عدو اقتحام هذه الأسوار، لن يستغرق الأمر أكثر من دقائق قبل أن يسقط كل شيء. أين هو الخطر القادم؟ نحن هنا محاصرون في ظل هياكل مهدمّة!”

لم يكتفِ بيبز بالنظر إلى الأسوار فحسب، بل قرر تفحص حال الجنود الذين يقع على عاتقهم حماية هذا الحصن الضعيف. وعندما اقترب منهم، اكتشف أن معظمهم ارتسم على ملامحهم الارهاق والكلل، لا حافز لهم، وأحيانًا غارقين في النوم تحت أشعة الشمس الحارقة. كانت مشاعر الإحباط واضحة على وجوههم. كان بعضهم من البرتغاليين، وآخرون من المغاربة، وكانوا يفتقرون إلى التدريب البريطاني الدقيق. بدا أنهم لا يعرفون حتى كيفية حمل أسلحتهم بشكل صحيح.

“هل هؤلاء هم جنودنا؟” تساءل بيبز، بينما كان ينظر إلى مجموعة الجنود التي كانت تتنقل بأقدام ثقيلة في فناء الحصن. “إذا كانت هذه هي قوتنا، فلا أستطيع أن أتخيل كيف سنواجه أي هجوم. هؤلاء الرجال بحاجة إلى تدريب وعناية، وإلا ستسقط هذه المدينة في أيدٍ معادية في غضون لحظات.”

بينما كانت الشمس تغرب على الأفق، وتصبغ سماء طنجة بلون أحمر قانٍ، شعر بيبز بحالة من اليأس تتسلل إلى قلبه. كانت الأسوار المدمرة والجنود الغارقون في الإهمال بمثابة شهادة على أن بريطانيا على وشك فقدان هذا الموقع الاستراتيجي التي بذلت في سبيل حيازته الكثير من الجهد.

في مذكراته، كتب بيبز بتفاصيل دقيقة عن اكتشافاته الكئيبة :“الحصن هنا في حالة يرثى لها، والشجاعة وحدها لا تكفي لحمايته. إذا لم تُتخذ خطوات عاجلة لإصلاح الأسوار، وإذا لم نُدرب قواتنا على أسس علمية صحيحة، فإننا سنخسر هذا المكان في القريب العاجل، ولن يكون لدينا أي وسيلة للاحتفاظ به.”

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

0
أضف تعليقكx
()
x