2024 © - أشكاين جميع الحقوق محفوظة - [email protected]
أساطير طنجة.. الرجل الذي فتح أبواب الأندلس لطارق ابن زياد (ح 14)

أساطير طنجة، سلسلة يعدها الصحافي عبد الله الغول، تستكشف أغرب الحكايات الشعبية والأساطير التاريخية التي تدور في فلك مدينة طنجة… حلقاتها تجمع بين السرد الأسطوري والمعطيات التاريخية… تلتقون معها طيلة شهر رمضان في حلقات يومية مثيرة ومشوقة.
الحلقة 14 :
في زحمة تاريخ طنجة، عند ملتقى الأسطورة والواقع، يقف رجل واحد غيّر مجرى الأحداث إلى الأبد— الكونت جوليان، حاكم سبتة الغامض، وحارس البوابة التي تفصل بين إفريقيا وإسبانيا.
اختلفت الروايات حول أصله؛ لكن الكاتب الإسباني خوان غويتسولو يحكي في كتابه “Reivindicación del Conde don Julián”، أنه كان قوطياً موالياً لعرش طليطلة في القرن الثامن، أو ربما أنه كان بربرياً من قبيلة “غوميرا” الكاثوليكية، جذوره ممتدة في أراضي المغرب الأقصى أكثر من ولائه لملوك القوط. لكن اسمه لم يُخلَّد لأصله، بل لانتقامه الذي هزّ عرش إسبانيا.
كان جوليان يسيطر على سبتة وطنجة، آخر معاقل الحكم القوطي في شمال إفريقيا وحارسا لمعبر جبل طارق. من أسوار قلعته، كان يرى إسبانيا تلوح في الأفق، أرضاً مترامية الأطراف تزخر بالثروة، لكنها أيضاً كانت متهالكة، تعصف بها الصراعات الداخلية والمؤامرات. تحت حكم الملك رودريك، كان العرش القوطي يتهاوى، غارقاً في الفساد والاقتتال. جوليان، الرجل الذي فهم أن السياسة ليست ولاءً بل لعبة فرص، أدرك أن لحظة حاسمة تلوح في الأفق، لحظة ستغير وجه الأندلس إلى الأبد.
لكن هذه اللحظة لم تأتِ من دهاء سياسي أو تحالف مدروس، بل من انتقام شخصي، نابع من جرح عميق لن يندمل. تقول الروايات إن ابنة جوليان، فتاة نبيلة أرسِلت إلى بلاط طليطلة لتنهل من العلم وتنشأ في حضن النبلاء، لكن مصيرها كان مختلفاً تماماً. هناك، وقعت فريسة لملكها رودريك، الذي استباح شرفها بالقوة. عادت إلى أبيها لا تحمل جروحاً ظاهرة، لكن الألم في عينيها كان كافياً ليشعل نار الغضب في قلب والدها، خاصة بعدما علم بحملها.
في تلك الليلة، وقف جوليان على أسوار قلعته في طنجة، ينظر إلى البحر المتلاطم، وأقسم أن يُسقط الملك الذي أهان شرفه. لم يكن ليواجه رودريك بجيش صغير من حاميات سبتة وطنجة، بل كان بحاجة إلى قوة أكبر، قوة قادرة على قلب الموازين. وهكذا، التفت إلى الجنوب، إلى القوى الصاعدة في المغرب، إلى القائد الشاب الذي كانت أقدامه على وشك أن تترك بصمتها في التاريخ—طارق بن زياد.
بعث جوليان برسائل إلى والي إفريقية، موسى بن نصير، يعرض عليه اتفاقاً مغرياً: المساعدة في عبور الجيوش الإسلامية إلى الضفة الأخرى، مقابل الانتقام من الملك القوطي. رأى موسى الفرصة سانحة، فأرسل قائده المخلص طارق بن زياد مع سبعة آلاف مقاتل، وفتح له جوليان الموانئ والسفن، ليعبر جيش المسلمين نحو جبل طارق في عام 711 م.
كانت تلك اللحظة بداية نهاية حكم القوط في إسبانيا، ولم يكن من الممكن أن تحدث لولا جوليان. الرجل الذي خان أمته، أو ربما الرجل الذي انتقم لشرف ابنته، ففتح باب الأندلس للمسلمين، ليحكموا إسبانيا لقرون قادمة.
لكن ماذا حل بجوليان بعد ذلك؟ بعض الروايات تقول إنه لقي مصيراً مأساوياً، إما قتل خلال محاربته في صفوف جيش طارق ابن زياد، أو مات وحيداً بعد عودته إلى طنجة، منبوذاً من كلا الجانبين، طريداً في التاريخ كما كان في الحياة. لكن اسمه ظل محفوراً في صفحات الزمن، الرجل الغامض الذي سلّم مفتاح الأندلس بيديه، سواء كان ذلك خيانةً، انتقاماً أو قدراً محتوماً.