2024 © - أشكاين جميع الحقوق محفوظة - [email protected]

تضع جريدة “آشكاين” الرقمية بين يدي قرائها الأعزاء سلسلة رمضانية جديدة حول تاريخ الأقاليم الجنوبية للمملكة، من خلال سلسلة ثقافية تغوص في تاريخ الزوايا والرباطات والمساجد التاريخية العتيقة في الصحراء المغربية، عبر بوابة برنامجكم “زوايا من الصحراء”، الذي يعده ويقدمه الصحافي أحمد الهيبة صمداني.
وسنحاول خلال هذه السلسلة الثقافية الرمضانية نفض الغبار عن تاريخ التصوف وتمظهراته في الزوايا والمساجد و”المَحاظر” وارتباطاتها القبلية وخصوصياتها في الصحراء المغربية، علاوة على أدوارها الدينية والتاريخية والاجتماعية بالمنطقة على مر التاريخ، عبر بثها للأمن الروحي في المنطقة، وفض المنازعات القبلية وتكوين الطلبة والمردين، دون أن ننسى أدوارها في مكافحة المستعمر.
وسنتطرق في هذه الحلقة (14) إلى الجزء الثاني في حديثنا عن الزاوية اللمطية في أسرير، وما حظيت به من توقير واحترام من طرف السلاطين، ونجاحها في تأسيسي دار تجارية امتدت بوكلائها إلى السودان.
تطور أدوار الزاوية اللمطية
وفي تتمة حديثنا عن الزاوية اللمطية، التي خصصنا لها الحلقة السابقة(13) للحديث أدوارها في نزع فتيل الاقتتال بين القبائل، أفاد الباحث فيالتاريخ، عبد الهادي المدن، أنها “ورثة الولي محمد بن عمرو اللمطي من رأس ماله الرمزي والمادي في واحة وادنون، نتيجة لدوره التعليمي، كما جاء في كتاب “التشوف إلى رجال تصوف” للتادلي، أنه كان من كبار العباد والمربين في المنطقة، وشهد له بعد التادلي، البعقلي والحضيكي، إضافة إلى دوره التعليمي التربوي”.
وتابع أن “الشيخ محمد عمرو اللمطي مارس دورا تأطيريا وتحكيميا، من خلال تقسيم ماء ساقية تغمرت وأسرير، كما ذكرنا في الحلقة السابقة”، مشيرا إلى أن “هذه “المكانة الاعتبارية والرأسمال الذي كان للشيخ انعكس على الزاوية، أولا من خلال استمرار لعبها أدوارا داخل المجتمع، حيث كان حفدته يحظون بتقدير وتبجيل في واحة تغمرت”.

وأكد المدن، في حكيه لـ”آشكاين”، أن “اللمطيين كانوا يمارسون دور الزاوي في مجتمع حربي، لأن قبائل تكنا، كانت من القبائل المحاربة، او القبائل ذات الشوكة في المجتمع الصحراوي الذي يعرف أنه كان مجتمعا فئويا على الهرم السكاني، حيث نجد حسان، وبعدهم، الزْوَايَا، ومن بعدهم زناكا، إلى غير ذلك من فئات المجتمع”.
“وقد مارس اللمطيون مارسوا دور الزْوَايا كدور اعتباري، خاصة فيما كان يتعلق بتقريب وجهات النظر بين فصائل المجتمع واللفوفية المعروفة في مجال تكنا، كما استثمرت الزاوية اللمطية ضريح سيدي عمر بن عمرو اللمطي لإقامة أحد أكبر المواسم في الصحراء، وهو موسم سيدي محمد بن عمرو اللمطي، الذي كان ينعقد فيما يسمى بحرم الضريح”، يقول المدن.
حرمة القتال ببركة الولي
وأبرز أن “هذا المكان يحرم فيه القتال ما بين القبائل، احتراما لما يسمى ببركة الشيخ التي كانت تؤثر على النفوس”، مستدلا بما “قاله الحضيكي، أن الانسان قد يجد قاتل أبيه ولا ينتقم منه في هذا المكان، نظرا لما كان يسود يفه من تأثير للولي”.
وحسب المتحدث فقد “كانت تنعقد في هذا الموسم اجتماعات وفق الأعراف القبلية، وكان فرصة للتداول في شؤون الاتحادية القبلية التكنية، إذ ينعقد بالقرب من ضريح الولي والزاوية اللمطية”، مشيرا إلى أن الموسم “شكل محجا للقبائل الصحراوية التي تمارس الترحال، والقبائل المستقرة في الشمال، خلال مرتين في السنة، أولها لحضور الموسم الأول سيدي محمد بن عمرو اللمطي، والتاني لما يسمى بالمعيليل”.
واعتبر المدن أن حجيج القبائل الصحراوية في هذين الموسمين “يؤكد أن الزاوية قد لعبت دورا هاما في تحريك عجلة التجارة الصحراوية في الدفة الشمالية للصحراء، حيث كان ينعقد الموسم وفق رزنامة، كما يتحدث عن ذلك، “بول باس كونور”، منظمة تبتدئ من موسم سيد محمد بن عمرو اللمطي في أسرير، وموسم سيدي الغازي في كليميم، وصولا إلى موسم سيد أحمد اوموسى في تازروالت”.
دار تجارية امتدت إلى السودان
لم يتوقف الأمر عند لعب أدوار ثانوية، بل “استثمر أفراد الزاوية اللمطية هذه الوضعية لتطوير ما يمكن تسميته بدار تجارية، والمعروف أن الدور التجارية لعبت أدوارا هامة في الجنوب المغربي، منها دار أهل بيروك ودار أهل البركة، ودار أهل كريسان، ودار أهل عبابا، وغيرها من الدور التجارية، بالإضافة إلى الدار الكبرى التي انبعثت من مجال من الزاوية اللمطية، وهي دار عبد الواسع، نسبة لعبد الواسع أحد حفدة الشيخ محمد بن عمرو اللمطي، والحفيد الثاني الهام هو احمد العربي، لذلك تطق عليها أحيانا في الوثائق التاريخية التي اشتغل عليها شخصيا(المدن)، اسم دار أهل عبد الواسع أو دار أهل العربي”.
وأضاف أن “هذه الدار معروفة جدا في شمال المغرب، ووصل تأثيرها ووكلاءها حتى الصويرة”، مشيرا إلى أنه “قد درس(المدن) جزء من هذه الوثائق أيضا لدى الباحث “داميا شروتر”، في كتابه “تجار الصويرة” و”ميشيل ابيت بول” في كتابه تجار السلطان”.
ويرى المدن أن “الأرشيف الوثائقي الذي خلفته الدار التجارية والزاوية اللمطية، ساهم في تكوين صورة عن التجارة الصحراوية التي لعبت فيها منطقة وادنون والصحراء دورا هاما، وامتداد الزاوية أو الدار التجارية اللمطية شمال المغرب، حتى حدود الصويرة، وفي مجال سوس، في تامراغت والعديد من المحطات التي كانت تعرف استقرار ووكلاء تجاريين للدار التي بلغ امتدادها إلى الصحراء جنوبا وصولا إلى بلاد السودان ومدينة تمبكتو، والتي ضمت وكلاء تجاريين المنتمين لدار أهل العربي، وهم ينتمون للزاوية اللمطية التي استثمرت الرأسمال الرمزي للشيخ المؤسس”.
وأشار المتحدث إلى أن “الزاوية اللمطية تخصصت في لعب دور اقتصادي أكبر من دورها الديني، رغم أن أدوارها الدينية معروفة في مجال وادنون، إلا أنها قد اتجهت صوب الجانب الاقتصادي، بخلاف الزوايا الأخرى التي اتجهت للعب أدوار سياسية، حيث تتقاطع مع الدورة الذي لعبته زاوية تزروالت، أو زاوية سيد احمد موسى وحفدته ابو حسون السملالي والحسين وهاشم، الذين كانت لهم مكانة في لعب دور سياسي واجتماعي، لكن دورها الاقتصادي كان الأبرز”.
ظهائر توقير واحترام ونوبة ماء
وكشف المدن، بناء على ما توفر لديه من أرشيف، أن “الزاوية اللمطية حظيت بظهائر توقير واحترام، منحت للزاوية من السلطة المخزنية ومن سلاطين الدول العلوية الذين أقروا بمكانة هذه الزاوية ودورها في مجال واد نون، خاصة ما تعلق بانعقاد العديد من المواسم التجارية والأسواق، لذلك كانت الزاوية اللمطية ذات مكانة لما تشيعه من جو الأمن والتسامح في هذا المجتمع الذي يمكن في أي لحظة أن تنشب فيه صراعات حول الموارد الاقتصادية، وحول السلطة”.
واسترسل أن “من بين الإشارات التي تعكس هذا الاحترام، هي منح قبيلة ازوافيط للزاوية ولموسم سيد محمد ابن عمرو اللمطي، نوبة ماء خلال انعقاد الموسم، كما تعطى نوبة المسجد ونوبة، نظرا لأن يوم الموسم هو يوم مشهود ومحج، وكان يجب توفير الماء للسقي وتوريد الإبل، وتموين هذا الموسم بالأمور اللازمة لكي يمر في جو أفضل”.
وخلص إلى أن “موسم سيد محمد ابن عمرو اللمطي مازال ينعقد في أسرير، وتحاول جماعة أسرير استثمار هذا الموسم وعصرنته، من خلال إقامة بعض التظاهرات الثقافية الموازية ليوم انعقاد الموسم”.
الحلقات السابقة
زوايا الصحراء: خصوصيات تصوفية وتاريخ وأثر
زوايا الصحراء: الوجه الآخر للزوايا..مراكز علم وصلح وفن وكفاح ضد المستعمر
زوايا الصحراء.. أقدم منارة روحية في واد نون
زوايا الصحراء..قصر آسا: ظاهرة البناء بالحجر الغامق وجدل تحويل قبلة المساجد
زوايا الصحراء.. المسجد العتيق بكلميم: خلاف قبيلة مع السلطة على مكان إقامة صلاة الجمعة
زوايا الصحراء .. الزاوية العروسية: زاوية “شيخ الوقت” أذابت خلاف قبائل في عبدة وجنبتهم الاقتتال
زوايا الصحراء.. الزاوية السالمية: تصوف نقشبندي من الصحراء المغربية إلى موريتانيا
زوايا الصحراء.. زاوية أهل الليلي: علم وصلاح وحماية المستجير وامتداد من الصويرة إلى شنقيط
زوايا الصحراء .. زاوية الشيخ الولي: وَجَاهَة ورصيد ثقافي وحشد لمقاومة المستعمر الأجنبي
زوايا الصحراء..زاوية أهل لبصير: سياحة صوفية وتفجير حركة تحرير الصحراء من احتلال الإسبان
زوايا الصحراء.. زاوية الشيخ المامي: أمن روحي بين القبائل ونَظْمٌ للسلطان
زوايا الصحراء.. زاوية الشيخ السباعي: وساطة بين العرب والأمازيغ بالصحراء ومقاومة نابليون بمصر
زوايا الصحراء.. الزاوية اللمطية: صاحب “ميزان الماء” الذي جنب قبائل بواد نون الاقتتال