2024 © - أشكاين جميع الحقوق محفوظة - [email protected]
كِتَاب أَثَار جَدَلا.. ”وَليمة لِأَعشَاب البَحر” أَشَهْر المعَارِك الشيُوعِيَّة فِي الأدَب الْعَرَبِيّ الحَديث (ح14)

” كتاب أثار جدلا” رحلة في عالم الأفكار الممنوعة، سلسة تنشر على شكل حلقات طيلة شهر رمضان في ”آشكاين”، تتناول مؤلفات خلقت ضجة كبيرة، في السياسة، في الدين، كما في قضايا اجتماعية.
هذه الكتب دفعت مؤلفيها أثمانًا باهظة، بلغت حد التكفير والتهديد بالقتل وتنفيذه أحيانا، وتارة أخرى تدخلت الرقابة وبقيت هذه المؤلفات ممنوعة من التداول لسنوات.
لكنها في المقابل أحدثت ثورة فكرية وخلخلت مفاهيم كانت بمثابة طابوهات لفترات طويلة.
سيكون قراء ومتابعو جريدة “آشكاين” على موعد مع هذه السلسلة طوال أيام شهر رمضان.
الحلقة 14: وليمة لأعشاب البحر

رواية “وليمة لأعشاب البحر” للروائي السوري حيدر حيدر (1936- 2023)، عمل أدبي جريء أثار ضجة واسعة منذ صدورها عام 1983، وتسببت في منعها في العديد من الدول العربية. كما طالت حملة تكفير كاتبها.
تدور أحداث الرواية في مدينة البصرة العراقية، وتتناول قصة حب عاصفة بين شاب شيوعي عراقي هرب إلى الجزائر وفتاة لبنانية مسيحية، في ظل أجواء سياسية واجتماعية متوترة. تتطرق الرواية إلى قضايا حساسة مثل الصراع السياسي، والحب والجنس، والدين والطائفية، مما أثار حفيظة البعض.
تناقش الرواية الأبعاد السياسية والاجتماعية للعراق والجزائر في النصف الثاني من القرن العشرين، حيث تستعرض القواسم المشتركة بين هذين البلدين رغم الاختلافات الجغرافية والتاريخية. إذ يوحدهما شعور العصبية وصراع الثورة والآيديولوجيات، فكأنهما يشتركان في ذات القالب بالرغم من تباينات المظاهر الخارجية.
وتشترك تجربتاهما في تمحورها حول الثورة، الإخفاقات، الضياع، والأوجاع التي تتخلل مسيرتهما. تدور أجواء الرواية حول مقارنة بين الحركة الثورية العراقية، تحديدًا الحزب الشيوعي العراقي وما آلت إليه البلاد بعد انتفاضة الأهوار وتعاقب القوى القومية بين عام 1963 وكارثة الأهوار في 1968، وبين المصير الذي شهدته الجزائر بعد حرب الاستقلال (ثورة المليون شهيد) والانقلاب الذي قام به بومدين على بن بللا، مرورًا بالتغيرات التي طالت الروح الوطنية.
تُظهر الرواية هذه التحولات من خلال شخصيتين مركزيتين، هما مهدي جواد ومهيار الباهلي بالنسبة للعراق، وآسيا الأخضر وفلة بوعناب بالنسبة للجزائر. بالإضافة إلى ذلك، تتناول الرواية قضايا متشابكة كحرية المرأة، التدين الظاهري، التعصب الأيديولوجي، والعلاقات بين العالم العربي والغرب.
يتجسد مهدي جواد في صورة معلم للغة العربية عراقي الأصل، قدم إلى الجزائر للمشاركة في حركة التعريب بعد زوال الاستعمار الفرنسي. ويمكن القول إن هذه الشخصية تمثل انعكاسًا للكاتب نفسه. فرغم الاسم الذي يوحي بانتمائه لخلفية دينية، يتضح أنه لا ديني وشيوعي الفكر. هرب مهدي من العراق نتيجة فشل الثورة الشيوعية ولفراره من الخوف والملاحقة، ليحط رحاله في عنابة بالجزائر (سماها الكاتب باسمها القديم “بونة”) محملًا بذكريات وثورته الشخصية. هناك يقع في حب آسيا الأخضر، ويصارع بين ذكريات أحداث العراق وتناقضات الواقع الجديد، بينما يحاول البحث عن التوزان الداخلي في منفاه الاختياري.
أما مهيار الباهلي فهو شخصية مثالية نسبياً تتشابه أفكارها الثورية إلى حد كبير مع أفكار مهدي. شارك مهيار في انتفاضة جنوب العراق المسلحة لكنه يختلف عن مهدي في كونه محافظًا على استقامته العملية والأخلاقية. رغم المواقف المغرية التي تعرض لها على يد فلة بوعناب، صاحبة البنسيون حيث يسكن، لم يستسلم سوى في لحظة ضعف شديدة حين اجتمع المرض والهيستيريا مع اقتراب نهاية الرواية. مهيار يظهر أيضًا كصديق مخلص ومتفانٍ مدافعًا عن مهدي في أوقات الخطر، حيث تحمل الأذى دفاعًا عنه أمام أجهزة الأمن التي ألمحت الرواية إلى العلاقة بها، ما أدى إلى تعرّضه للطرد من الجزائر مع صديقه لأسباب مختلفة. بينما تمّ طرد مهدي بسبب ارتباطه بآسيا التي كانت ما زالت طالبة جامعية، طُرد مهيار بسبب توجهاته المعلنة ودفاعه العلني عن الماركسية والاشتراكية حتى أثناء عمله كمدرس.
تمثل فلة بوعناب شخصية جدلية أخرى ضمن الرواية. هي امرأة ثائرة تحولت لاحقًا إلى ما يمكن اعتباره ضحيةً لخيبات الثورة. عكست شخصيتها شعور الإحباط والتناقضات المجتمعية والسياسية التي سادت الجزائر ما بعد التحرر من الاستعمار. لعبت دورًا محوريًا في نقل آرائها الجريئة حول الماضي والحاضر وطرحت تساؤلات مهمة عن التحولات الاجتماعية والثقافية.
أما آسيا الأخضر، فهي الشخصية النسائية الأبرز في الرواية. ابنة المقاوم العربي الأخضر، تمثل عمق الأفكار الثورية وقيمها النبيلة بالمقارنة مع شخصية زوج أمها، يزيد ولد الحاج، الليبرالي المادي الذي يبدو تجسيدًا لكل ما تخلى عن تلك القيم السامية.
يعكس الحوار العميق بين آسيا ومهدي الصراع الداخلي بين الأجيال والتناقض الثقافي الذي تمر به الجزائر بعد الثورة. اختيار اسم “آسيا” لهذه البطلة يجسد تناغم الهوية العربية بين آسيا وأفريقيا وما يوحي بأن العربي يظل عربي
وتعددت الأسباب التي دفعت إلى منع الرواية في العديد من الدول العربية، ومن أبرزها المحتوى الجنسي الصريح، والانتقادات السياسية، والمسائل الدينية، والخلافات الطائفية.
وتسببت الرواية ردود فعل متباينة، فبينما اعتبرها البعض عملاً أدبياً جريئاً يستحق التقدير، اعتبرها البعض الآخر عملاً فاضحاً ومسيئاً. وقد دافع حيدر حيدر عن روايته، مؤكداً أنها تعبر عن الواقع الاجتماعي والسياسي في المنطقة العربية.
خلال سنة 2000، أعادت وزارة الثقافة المصرية طباعة رواية “وليمة لأعشاب البحر”، وما إن صدرت الرواية حتى أثارت جدلاً واسعاً، مما أدى إلى مطالبات من بعض الأطراف بمنعها، استناداً إلى مزاعم بأنها “تسيء إلى الإسلام”.
ووصلت التوترات إلى حد خروج مظاهرات طلابية من جامعة الأزهر نادت بمنعها، مما أسفر عن وقوع إصابات بين الطلاب وعناصر الأمن. كما تصاعدت القضية إلى قبة مجلس الشعب، حيث أصدرت جماعات دينية متشددة بيانات تعارض محتواها، فيما قابلها على الجانب الآخر أصوات المثقفين والمفكرين دفاعاً عن حرية الإبداع والتعبير.
رواية رائعة تحياتي لكم لفتح هذه النافذة على المنتجات الأدبية الجديرة بالقراءة
حيدر حيدر (الله يجدد عليه الرحمات غاديات رائحات دائمات يارب .)شكري سوريا ،نص صريح وجريء وقوي بناءا واسلوبا.