لماذا وإلى أين ؟

أساطير طنجة.. المرأة العربية (ح 15)

 أساطير طنجة، سلسلة يعدها الصحافي عبد الله الغول، تستكشف أغرب الحكايات الشعبية والأساطير التاريخية التي تدور في فلك مدينة طنجة… حلقاتها تجمع بين السرد الأسطوري والمعطيات التاريخية… تلتقون معها طيلة شهر رمضان في حلقات يومية مثيرة ومشوقة.

الحلقة 15 :

في أحياء طنجة قديما، حيث تتشابك الأزقة الضيقة كأنها شرايين مدينة تنبض بالحكايات، كانت أسطورة “المرأة العربية” تعيش في أذهان الأطفال ككابوس لا مهرب منه. لم يكن أحد يعرف أصلها على وجه التحديد، لكنها كانت حاضرة في كل تهديد للأمهات، في كل قصة يرويها كبار السن، وفي كل همسة تتردد مع الريح في ليالي الشتاء الطويلة.

كانت تظهر فجأة، لا يُعرف متى ولا كيف. امرأة بملامح غامضة، ترتدي لباس الرحل من جبال الأطلس، لا يغطي جسدها إلا الضروري، تمشي بخطى ثابتة بين الأزقة، تحمل على كتفها شالاً قديماً، وتطلق صوتاً يصعب تمييزه بين النحيب والغناء، صوتاً يحمل بين طياته حزناً عميقاً كأنه قادم من عوالم أخرى. لم تكن تتحدث إلى أحد، ولم يجرؤ أحد على سؤالها عن وجهتها، لكنها كانت تقف للحظات عند بعض الأبواب، وكأنها تتحقق من شيء خفي، قبل أن تكمل طريقها وتختفي بين الظلال.

الأمهات كنّ يذكرنها كلما أبدى الأطفال شقاوة زائدة، “سأعطيك للمرأة العربية إذا لم تهدأ!”، وكان وقع هذه الكلمات كالسحر، فيتجمد الطفل في مكانه، وكأنما شعر بيدٍ خفية تلامس كتفه، أو بظلٍ طويل يمتد خلفه. لم يكن أحد قد رآها وهي تأخذ طفلاً بالفعل، لكن الجميع كان مقتنعاً بأنها تفعل ذلك، وأنها تضع المشاغبين في كيس قديم تحمله معها، وتذهب بهم إلى حيث لا يعودون أبداً.

ويحكي الدكتور حمزة المساري في مروياته “أحاديث من باب مرشان”، عن نشأة أسطورة “المرأة العربية”، فيقول؛ “وقتها كانت تفد على الحي لِماماً، نسوة بلباس الرحل من جبال الأطلس، والذي لا يستر إلا الحميمي من أجسامهن. لا تستطيع أن تجزم هل أنها تتغنى أو تنتحب، فالطابع الغالب على صوتها هو الحزن والحزن، وكن يكتفين ببعض الألبسة المستعملة والأسمال البالية. حتى إذا زاغ الطفل، وطغت شقاوته، هددته الأم وتوعدته أنها ستودعه المرأة ‘العربية’ حين تفد على الحي. ليكون وقع ذاك عليه كحقنة ناجعة من المسكنات”.

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

0
أضف تعليقكx
()
x