2024 © - أشكاين جميع الحقوق محفوظة - [email protected]

حينما تولّت نزيهة بلقزيز منصب الرئيسة المديرة العامة لمجموعة البنك الشعبي في نونبر 2024، كان واضحًا أن المؤسسة لم تكن بحاجة إلى مجرد قيادة جديدة، بل إلى عملية إصلاح جذرية تعيد الاعتبار للكفاءة والشفافية، بعد سنوات من التدبير المرتبك والولاءات المشبوهة.
لم تنتظر بلقزيز طويلًا قبل أن تشرع في تفكيك إرث المرحلة السابقة، حيث أطلقت عملية افتحاص داخلي واسعة استهدفت عددًا من المسؤولين الذين شكّلوا شبكة نفوذ داخل البنك، مستغلين مواقعهم لضمان امتيازات شخصية بدلًا من تحقيق المصلحة العامة. وجاءت أولى خطواتها الحاسمة يوم 27 فبراير 2025، بإقالة وتعويض ثلاثة مدراء مركزيين كانوا في قلب هرم المؤسسة، في إشارة واضحة إلى أن العهد السابق قد انتهى.
لكن طريق الإصلاح لن يكون مفروشًا بالورود، فما زالت فلول العهد القديم، أو ما يُعرف بـ”حراس المعبد”، متغلغلة في مفاصل المجموعة، محاوِلة عرقلة أي تغيير حقيقي. هؤلاء، الذين استفادوا لسنوات من تعيينات مشبوهة صُمّمت على مقاسهم، يسابقون الزمن اليوم لإعادة هيكلة نفوذهم وتحصين مواقعهم، أملًا في الحفاظ على امتيازاتهم، التي شُيّدت على حساب كفاءة المؤسسة وحقوق المستخدمين والمستخدمات.
ويتركّز وجود هذه التكتلات، خصوصًا في الجهات الاستراتيجية الكبرى مثل الدار البيضاء، الرباط-القنيطرة، طنجة-تطوان، والعيون…، حيث احتلوا مواقع حساسة تتيح لهم التحكم في دواليب القرار، مما يجعل مهمة الرئيسة الجديدة معركة مفتوحة ضد جيوب المقاومة داخل البنك الشعبي.
وفي بلاغ رسمي صدر يوم الثلاثاء 27 فبراير 2025، أعلنت المجموعة أن تعيين ثلاثة مدراء عامين يندرج ضمن إستراتيجية إصلاحية شاملة تهدف إلى إعادة ترتيب البيت الداخلي، وإرساء الحوكمة الرشيدة، وربط المسؤولية بالمحاسبة، وهي الشعارات التي طالما ظلت حبيسة البلاغات الرسمية دون أن تجد طريقها إلى التطبيق.
لكن السؤال الأهم الذي يطرحه المتتبعون اليوم: هل ستحظى بلقزيز بالدعم الكافي لاستكمال هذه العملية الجراحية داخل المؤسسة، أم أن “التماسيح” والعقليات المتكلسة ستنجح في عرقلة مسار الإصلاح عبر بناء شبكة موازية داخل البنك؟ هذه الشبكة قد تعمل على إعادة تدوير الوجوه القديمة في مراكز حساسة مثل الفروع والوكالات، مما يمكنها من تشكيل لوبي لمواجهة أي إصلاح مرتقب.
الأيام القادمة كفيلة بالكشف عن مدى قدرة القيادة الجديدة على فرض منطق الكفاءة فوق كل الاعتبارات، وإغلاق صفحة من التدبير العشوائي الذي ظل سائدًا لسنوات طويلة.