لماذا وإلى أين ؟

أساطير طنجة.. لعنة الغرباء (ح 16)

أساطير طنجة، سلسلة يعدها الصحافي عبد الله الغول، تستكشف أغرب الحكايات الشعبية والأساطير التاريخية التي تدور في فلك مدينة طنجة… حلقاتها تجمع بين السرد الأسطوري والمعطيات التاريخية… تلتقون معها طيلة شهر رمضان في حلقات يومية مثيرة ومشوقة.

الحلقة 16 :

في إحدى الليالي العاصفة من عام 1683، وقف صامويل بيبس عند نافذة إقامته المطلة على بحر طنجة، يراقب الأمواج العاتية وهي تضرب الصخور أسفل الأسوار. كان صوت الريح يملأ الغرفة كأنها أرواح غاضبة، فشعر بقشعريرة تسري في جسده. أمسك بقلمه ودوّن في مذكراته:

“إنها أرض ملعونة، حيث لا يمر يوم دون كارثة أو وباء، وكأن الطبيعة نفسها تتآمر ضدنا.”

يحكي سامويل بيبس الذي كان مسؤولًا عن إدارة طنجة خلال القرن السادس عشر كجزء من مهامه في البحرية الملكية البريطانية. وكان يتلقى يوميًا تقارير عن حالة المستعمرة، تلك المدينة التي بدت وكأنها ترفض كل محاولات السيطرة عليها، كما دوّن بيبس في مذكراته.

لعنة الأرض

عندما استولى الإنجليز على طنجة كمهر زواج للملك تشارلز الثاني من كاثرين من البرتغال، كانت التوقعات عالية بتحويلها إلى ميناء مزدهر ينافس الموانئ العظيمة في المتوسط. لكن سرعان ما بدأت الشكاوى تصل إلى بيبس:

“الجنود يسقطون كأوراق الخريف، والموت يتسلل إلى كل ركن… حتى الهواء هنا يبدو مسمومًا.”

كانت الأمراض الغامضة تفتك بالجنود دون تفسير، بينما تكررت التقارير عن أصوات غريبة في الليل، وضوء خافت يُرى فوق البحر. حتى السفن التي تحمل الإمدادات كانت تغرق أو تتأخر، وكأن البحر نفسه يرفضهم.

في أحد التقارير التي وصلته، كتب أحد القادة العسكريين:

“حاولنا بناء سور جديد حول المدينة، لكن الرمال تبتلع أساساته. كأن الأرض تأبى أن يحكمها الغرباء.”

الهمسات انتشرت بين الجنود: “هذه أرض ملعونة… لا أحد يغزوها وينجو بحياته.”

الأشباح التي تسكن طنجة

في إحدى الليالي، أُيقظ المعسكر على صراخ جندي مذعور، كان جسده يرتجف وعيناه تحملان رعبًا لا يوصف. قال بصوت متحشرج: “رأيتهم… رأيتهم يخرجون من البحر!”

عندما سأله القائد عمن يقصد، همس بصوت مرتجف: “أشباح طنجة… أولئك الذين حاولوا السيطرة عليها من قبل، وعوقبوا للأبد.”

لم تكن هذه الحكايات غريبة عن المدينة، فقد قيل إن المستعمرين البرتغاليين قبلاً سمعوا أصواتًا غريبة في الليل، ورأوا رجالًا بملابس قديمة يختفون في الأزقة المظلمة. البعض قال إنها مجرد خرافات، لكن عندما بدأ الجنود يرفضون الخروج ليلاً، قرر القادة الحدّ من دوريات المساء.

الرحيل تحت جنح الظلام

بحلول عام 1684، قررت إنجلترا أخيرًا التخلي عن طنجة. لم يكن السبب فقط المقاومة الشرسة من المغاربة بقيادة السلطان مولاي إسماعيل، ولا التكاليف الباهظة للحفاظ على المستعمرة، بل كان هناك شعور خفي بين الإنجليز أن هذه المدينة ببساطة لا تريدهم.

في آخر ليلة للإنجليز في طنجة، رُكبت المتفجرات على أسوار المدينة وتم تدمير الحصون التي بُنيت بدماء لا حصر لها. كان الهدف ألا تترك إنجلترا شيئًا خلفها ليستفيد منه المغاربة، لكن حتى أثناء عملية الهدم، سمع الجنود أصواتًا غريبة تأتي من الأنقاض، وكأن الجدران تهمس لهم بوداع ساخر.

في لندن، عندما عاد بيبس بعد الانسحاب البريطاني من طنجة، أمسك بقلمه للمرة الأخيرة وكتب في مذكراته:

“لا أعلم إن كانت طنجة مدينة ملعونة، أم أننا نحن الملعونون الذين حاولنا امتلاكها.”

وهكذا، أُطفئت الأضواء، وأبحرت السفن تحت جنح الظلام، تاركةً طنجة لأهلها، كما كانت دومًا… مدينة لا تقبل الغرباء.

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

0
أضف تعليقكx
()
x