2024 © - أشكاين جميع الحقوق محفوظة - [email protected]
كِتَاب أَثار جَدَلا.. ”الأَمِير” الوَجْه القَذِر لِلسِّيَاسَة (ح16)

” كتاب أثار جدلا” رحلة في عالم الأفكار الممنوعة، سلسة تنشر على شكل حلقات طيلة شهر رمضان في ”آشكاين”، تتناول مؤلفات خلقت ضجة كبيرة، في السياسة، في الدين، كما في قضايا اجتماعية.
هذه الكتب دفعت مؤلفيها أثمانًا باهظة، بلغت حد التكفير والتهديد بالقتل وتنفيذه أحيانا، وتارة أخرى تدخلت الرقابة وبقيت هذه المؤلفات ممنوعة من التداول لسنوات.
لكنها في المقابل أحدثت ثورة فكرية وخلخلت مفاهيم كانت بمثابة طابوهات لفترات طويلة.
سيكون قراء ومتابعو جريدة “آشكاين” على موعد مع هذه السلسلة طوال أيام شهر رمضان.
الحلقة 16: الأمير

يُعد كتاب “الأمير” لنيكولو مكيافيلي، الذي نُشر عام 1532، أحد أكثر الأعمال السياسية إثارة للجدل في التاريخ. فقد صدمت أفكاره الجريئة والمباشرة القراء لقرون، ولا تزال تثير النقاش حتى اليوم.
أثار الكتاب ضجة واسعة عند صدوره الأول في أوروبا، حيث تناول ميكيافيلي الأخلاقيات السياسية بأسلوب لم يكن مألوفاً من قبل، بل يمكن القول إنه أزاح الستار عن الأوجه الخفية للسياسة.
واعتبر العديد من النقاد أن الكتاب مجرد دليل للأخلاقيات السوداء في السياسة، مشيرين إلى أنه لا يناسب سوى الطغاة والمستبدين. وقد كان لهذه السمعة تأثير كبير، حيث تعرف قراء القرن السادس عشر والسابع عشر على كتاب ”الأمير” واسم مؤلفه ميكيافيللي، مما جعل سمعته تمتد حتى زمننا الحالي.
وبات يضرب المثل بميكيافيلي كرمز للشر والخداع والانتهازية، حتى أصبحت الجملة الشائعة “هذا مبدأ ميكيافيلي” تعبيراً عن النفاق والتلاعب السياسي.
عند المجتمعات العربية، ربما أكثر ما عرفوا به ميكيافيلي هو عبارته الشهيرة “الغاية تبرر الوسيلة”، التي تحمل في مضمونها فلسفة سياسية مباشرة تدعو لتحقيق الأهداف مهما كانت الوسائل المستخدمة بشعة أو غير شريفة. هذه العبارة ترسخ صورة الانتهازية بأدنى أشكالها.
ورغم الطابع السلبي الذي سيطر على سمعة المؤلف، يرى البعض أن الكتاب كان ناتجاً عن حب عميق لوطنه، إذ سعى ميكيافيلي إلى تقديم نصائحه للأمير بهدف توحيد إيطاليا وجعلها قوية. في هذا السياق، يبدو أن الكاتب عرض خلاصة تجاربه السياسية لتمكين الحكام من الحفاظ على سلطتهم بأي ثمن.
إحدى الأفكار المركزية التي شدد عليها ميكيافيلي هي أن الحاكم يجب أن يظهر الصدق بينما يمارس الكذب، وأن يبرز الوفاء رغم اعتماده على الخيانة، وأن يبدو شجاعاً ونبيلاً رغم كونه جباناً في جوهره.
هذه الأفكار، التي صاغها الكاتب قبل خمسة قرون تبدو، وفق مراقبين، متماهية مع ما يمارسه بعض الساسة في زمننا الحاضر. وعلى سبيل المثال، يكفي أن نعلم بأن موسوليني استند إلى هذا الكتاب خلال دراسته الأكاديمية، بينما يُشاع أن ستالين ولينين تأثرا بفكر ميكيافيلي أيضًا، وأن هتلر كان يقرأ منه يومياً قبل النوم.
وفي حين يدافع البعض عن ميكيافيلي بأنه وصف العالم كما هو وليس كما يجب أن يكون، نجد في مقدمة كتابه دعوة الأمير إلى التحلي بالفضائل علانية ليكسب إعجاب الرعية، مع حثه في الوقت ذاته على التخلي عن هذه الفضائل دون تردد حينما تقتضي الظروف ذلك لضمان قوته وسلطته.
وفيما يلي بعض النقاط الجوهرية التي قدمها ميكيافيلي للأمراء والتي يبدو أنها ما زالت تمثل منهجاً سياسياً متبعاً:
1- السيطرة على الحكم بوصف أمير جديد: الأمير الجديد يكون محاطاً بالعديد من المخاطر التي تنبع من أعدائه وحتى من أصدقائه ومقربيه. لذا يشدد ميكيافيلي على ضرورة القضاء على أي تهديد أو منافس قد يعترض طريق الحاكم. هذا الأسلوب يتجلى في العديد من الممارسات السياسية الحديثة مثل الاغتيالات والانقلابات لتأمين السلطة.
2- فصل السياسة عن الأخلاق: يؤكد ميكيافيلي أن السياسة لا علاقة لها بالفضيلة والأخلاق، فالهدف الأساسي للحاكم يجب أن يكون الحفاظ على قوته وتعزيزها بأي وسيلة ممكنة، سواء كانت عادلة أو غير مشروعة. كما يشير إلى ضرورة أن يستخدم الحاكم القسوة بذكاء عندما تتطلب الحاجة لضمان الاستقرار ومنع الفوضى.
3. الخداع والنفاق لتسيير أمور الحكم: يرى ميكيافيلي أن الحاكم غير ملزم بالوفاء بوعوده إذا كانت هذه الوعود تضر بمصلحته لاحقاً. ويعتقد بأن استخدام النفاق والخداع هو جزء أساسي من اللعبة السياسية، مشيراً إلى أن “الناس أشرار بطبيعتهم ولا يراعون عهودهم، لذا لا يجب على الحاكم الالتزام بوعوده إلا إذا خدمته بشكل مباشر”.
بالرغم من الجدل الدائر حول الكتاب، لا يزال يعتبر من أهم الكتب في مجال العلوم السياسية، حيث تميز بأسلوب واقعي وعملي في تحليل السياسة، مما جعله مرجعًا هامًا للعديد من القادة والباحثين.