لماذا وإلى أين ؟

أساطير طنجة.. سر بركة الريسوني الخارقة (ح 17)

أساطير طنجة، سلسلة يعدها الصحافي عبد الله الغول، تستكشف أغرب الحكايات الشعبية والأساطير التاريخية التي تدور في فلك مدينة طنجة… حلقاتها تجمع بين السرد الأسطوري والمعطيات التاريخية… تلتقون معها طيلة شهر رمضان في حلقات يومية مثيرة ومشوقة.

الحلقة 17 :

لا يمكن الحديث عن أساطير طنجة دون التعريج على مولاي أحمد الريسوني، الذي ارتبط اسمه بالمدينة، سواء بمساعدته للفقراء ونصرهم على الأغنياء، أو باختطافه للصحفي الأمريكي إيون بيرديكاريس من قلب طنجة، أو بكل القصص الأسطورية التي نُسجت حوله. لم يكن مجرد زعيم قبلي أو قاطع طريق، بل شخصية غامضة جمعت بين الكرم والبطش، وبين البركة والخوف. كان يُروى عنه أنه لا يُمس بسوء، وأن الرصاص لا يخترق جسده، وأن من يقاتل بجانبه يسقط بينما يبقى هو سالمًا، مما زاد من هيبته وجعل الناس يهابونه كما لو كان محصنًا بقوى خارقة.

كانت تُروى عنه قصص مذهلة كما ورد في كتاب سلطان الجبال عن حياة الريسوني، منها أن الرصاص العادي لا يستطيع اختراق جسده، وأنه لا يُصاب في المعركة بينما يسقط كل من على يمينه ويساره. قيل إن أحد أعدائه، في محاولة يائسة لقتله، صنع رصاصة من الذهب، معتقدًا أن المعدن النفيس قادر على اختراق بركته. لكنه، حين ضغط على الزناد، طاشت الرصاصة بعيدًا وكأنها ترفض المساس به، وهكذا ضاع ماله سدى.

أما أتباعه، فكانوا يؤمنون إيمانًا قاطعًا بقدراته الخارقة. في معركة وادي راس، أصر جندي إسباني على القتال إلى جانبه، رغم تحذيرات الريسوني. لم تمضِ سوى لحظات حتى خرّ الجندي صريعًا، بينما ظل الشريف واقفًا، كأن الموت يختار ضحاياه بعناية ليتركه سالمًا.

ومع ذلك، لم يكن الريسوني يعزو قوته لنفسه، بل لما يصفه بـ”البركة”. وحينما سئل عن سر نجاته الدائمة، أخرج من جيبه شيئين صغيرين، حافظ عليهما كأنهما أثمن ما يملك: قطعة صغيرة من داخل أذن غزال، ما زالت الشعيرات البيضاء الناعمة تكسوها، وقطعة من العنبر الأسود اللزج، مربوطة بخيوط حرير مأخوذة من ثوب أحد أجداده الصالحين. كانت هذه التمائم بمثابة درعه الخفي، تحميه من كل سوء، وفقًا لما كان يعتقد.

لكن قوة الريسوني لم تكن تقتصر على المعارك والتمائم، بل امتدت إلى عالم اللعنات والأسحار. فقبل أشهر، زاره فقيه قادم من فاس، وقد أنهكته الرحلة الطويلة حتى تآكلت نعلاه تمامًا. حينها طلب من الريسوني زوجًا من الأحذية، لكن ما حدث بعد ذلك ظل لغزًا لم يفصح عنه الشريف بسهولة، إذ بدا أن هذا اللقاء لم يكن مجرد صدفة، بل حمل في طياته شيئًا غامضًا ظل يطارده لفترة طويلة.

وهكذا، ظل الريسوني رمزًا للقوة التي لا تُهزم، والرجل الذي تحدى الزمن والموت، ليس ببندقيته فحسب، بل ببركته، وأساطيره، وأسراره التي لم يكشفها لأحد.

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

1 تعليق
Inline Feedbacks
View all comments
احمد
المعلق(ة)
18 مارس 2025 20:05

اسلوب حكي جميل ينم عن براعة في السرد وتمكن من تطويع اللغة لملكة الخيال والوصف.

1
0
أضف تعليقكx
()
x