لماذا وإلى أين ؟

الغرب في مواجهة أقلياته: هل المسلمون في خطر؟

على مدى السنوات الأخيرة، يشعر المسلمون الذين يعيشون في الغرب، وخاصة في أوروبا، بضغط متزايد. فمع تصاعد الأحزاب اليمينية المتطرفة، وانتشار الخطابات المعادية للإسلام، وتفاقم التوترات الجيوسياسية، أصبحت الأوضاع أكثر هشاشة. وإذا كان التاريخ قد علمنا شيئًا، فهو أن فترات الأزمات تؤدي إلى تصاعد التمييز ضد الأقليات. واليوم، يبدو أن المسلمين هم الهدف الأساسي لعداء متزايد قد يتحول، في نهاية المطاف، إلى تهديد وجودي.

تصاعد مقلق للشعبوية ولليمين المتطرف المعاديي للإسلام

تشهد أوروبا تصاعدًا في نفوذ الأحزاب اليمينية المتطرفة. ففي فرنسا وألمانيا وإيطاليا والدول الإسكندنافية وإسبانيا، تزداد قوة هذه الحركات، مدعومة بخطابات تحذر من الهجرة و”أسلمة” الغرب. أما في الولايات المتحدة، فقد كشفت “الترامبية” عن قومية بيضاء متطرفة تميل إلى رفض الأقليات، وخاصة المسلمين، الذين يُقدمون في كثير من الأحيان على أنهم تهديد للقيم الغربية.

هذه الخطابات لا تبقى مجرد نقاشات سياسية، بل إنها تؤثر على تصورات الناس وتغذي مناخًا من الشك والعداء. فعندما يُقدَّم المسلمون على أنهم غزاة، أو طابور خامس يهدد هوية الغرب، يتحولون بسرعة إلى “عدو داخلي”. وهذه ليست المرة الأولى التي يتم فيها استخدام هذا الأسلوب في التاريخ ضد الأقليات، وكانت نتائجه دائمًا مأساوية.

من اضطهاد اليهود إلى احتجاز اليابانيين. ما هو المصير الذي ينتظر المسلمين؟

لطالما كان عدم التسامح الديني جزءًا من التاريخ الأوروبي. فقد شهدت القارة حروبًا طويلة بين الكاثوليك والبروتستانت، كما قامت محاكم التفتيش الإسبانية باضطهاد اليهود والمسلمين وأجبرتهم على التحول إلى المسيحية تحت تهديد القتل.

أما القرن العشرون، فقد أظهر مدى خطورة هذا التعصب. فإبادة اليهود على يد النظام النازي، واحتجاز اليابانيين في معسكرات بأمريكا خلال الحرب العالمية الثانية بحجة أنهم “خطر داخلي”، هما مثالان واضحان على ما يمكن أن يحدث عندما يتم استغلال الخوف سياسيًا.

اليوم، الخطاب المعادي للإسلام يتبع نفس النمط. يتم تصوير أقلية معينة على أنها مسؤولة عن مشاكل المجتمع، وكتهديد ثقافي أو أمني، مما يؤدي إلى تهميشها وعزلها، ومن ثم اضطهادها.

دور المتطرفين الإسلاميين

على الرغم من أن تصاعد الإسلاموفوبيا هو أمر مقلق، إلا أنه سيكون من غير المنصف عدم الإشارة إلى دور المتطرفين الإسلاميين في تأجيج هذا العداء. فمنذ عقود، تنفذ جماعات إرهابية مثل القاعدة وداعش هجمات في الغرب، ليس فقط لاستهداف المدنيين، ولكن أيضًا لتعزيز الاستقطاب ودفع المسلمين إلى المواجهة مع المجتمعات الغربية.

هدفهم واضح: خلق حرب بين الغرب والإسلام، وزرع الشك تجاه المسلمين لدفعهم نحو الإنغلاق عن أنفسهم أو إلى التطرف. هذا النهج الخطير يعزز حلقة مفرغة من الكراهية والقمع، حيث أن كل هجوم إرهابي إسلاموي يقوي خطاب المتطرفين في المعسكر الآخر، سواء كانوا شعبويين أو قوميين غربيين.

اليوم، يشعر العديد من المسلمين في أوروبا، سواء كانوا من الجيل الأول أو الثاني أو الثالث، بعدم الأمان. فمعدلات الشك تجاههم تزداد، والقوانين تفرض قيودًا على بعض ممارساتهم الدينية، والاعتداءات المعادية للإسلام تتزايد. وهناك من يرى أن ما يحدث هو نوع من “الفصل العنصري الاجتماعي”، حيث يتم تهميش المسلمين في أحياء فقيرة، وحرمانهم من الفرص الاقتصادية، واستبعادهم سياسيًا.

نحن أمام خطر حقيقي، إذ يكفي حدث واحد، أزمة اقتصادية، أو هجوم إرهابي كبير، أو وصول زعيم شعبوي إلى السلطة، لكي تتدهور الأوضاع بشكل كارثي. لقد علمنا التاريخ أن الأقليات غالبًا ما تصبح كبش فداء في أوقات الأزمات. وإذا استمرت هذه الديناميكيات، فقد نشهد تصعيدًا للعنف ضد المسلمين، وربما حتى ما يمكن وصفه بـ”هولوكوست جديد يستهدف المسلمين”، وهو سيناريو ليس مستبعدا.

في مواجهة هذا الوضع، على الجميع أن يتحمل مسؤوليته. فيجب على المجتمعات الغربية أن تدرك مخاطر تصاعد الإسلاموفوبيا وخطابات الكراهية، التي لطالما أدت إلى كوارث تاريخية. وفي المقابل، ينبغي على المسلمين أيضًا أن ينددوا بالمتطرفين الذين يسعون إلى إشعال فتيل المواجهة، مع التمسك بالدفاع عن القيم الإنسانية، وفي طليعتها الحرية والمساواة والتعايش الإيجابي.

مستقبل المسلمين في الغرب يعتمد على قدرة المجتمعات على مقاومة دوامة الاستقطاب والكراهية. فالتاريخ يعلمنا أن الخوف عندما يتغلب على العقل، تكون العواقب دائمًا مدمرة.

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

2 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
الحر
المعلق(ة)
21 مارس 2025 00:08

لا يمكن ان نطالب بحرية التدين لما نكون اقلية في بلاد المهجر ثم اذا تعلق الامر ببلادنا الذي غالبية مواطنيه مسلمون نرفض ان يكون بيننا من هو مغربي غير مسلم يريد ان يعيش حرا كما يعيش المسلمون احرارا في بلدان غير مسلمة

ma liberté de penser
المعلق(ة)
18 مارس 2025 23:02

Respect à vous mon très cher Tijini Comme le savez que trop bien, l’Europe est un continent Chrétien non? Donc les Européens ils ont réagi aux conduites et aux tenues et comportements de L’immigration Arabo-Musulman rentrées en Europe pour trouver la dignité et la vie Meilleure Au fait L’effet contraire s’est produit , à savoir la haine et le mépris envers les Arabo-Musulmans

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

2
0
أضف تعليقكx
()
x