2024 © - أشكاين جميع الحقوق محفوظة - [email protected]

انغير بوبكر
واظبت طيلة هذا الشهر الفضيل رمضان 2025 على متابعة حلقات برنامج الشاهد، على موقع آشكاين الاعلامي المغربي، التي يقوم بتنشيطها وتسييرها الإعلامي والصحفي المتميز المقتدر هشام العمراني، كان ضيف هذه الحلقات هو الأستاذ والوزير السابق مصطفى الرميد، أحد الوجوه السياسية البارزة في الحقل السياسي المغربي وأحد صناع القرار الحكومي بعد سنة 2011 م والوسيط الرئيسي بين مجموعة من الفعاليات السياسية والنشطاء الإعلاميين والقصر الملكي في ملفات العفو و المصالحة، كانت هذه الحلقات بكل موضوعية وبالصراحة المطلوبة دروس من التاريخ السياسي المغربي الراهن خصوصا وأن الضيف الشاهد مصطفى الرميد، شاهد على مراحل مفصلية من تاريخ تطور الحركة الاسلامية المغربية وواكب تموجاتها و تضاريس فعلها السياسي منذ أن كان تلميذا فطالبا فمحاميا مرموقا ثم وزيرا في حكومة العدالة والتنمية التي أتى بها الربيع المغربي سنة 2011م . وكان الرميد أحد مناصريها و أحد المتمردين على قرارات قيادة العدالة والتنمية التي وجهت أعضائها بعدم المشاركة ولا الانخراط في فعالياتها الاحتجاجية رغم طابعها السلمي الديموقراطي.
الحلقات الخمسة عشر التي تتبعتها بشغف كبير و تقدير اكبر للضيف و للاعلامي هشام العمراني اعطتني فرصة لاغناء بعض معلوماتي السياسية عن الحركة الاسلامية المغربية من حيث الفاعلين والخطاب والممارسة الميدانية وكيف استطاع الاسلام السياسي المغربي أن ينتقل بخطاباته وممارساته من الفكر الشمولي الاقصائي ذو الخلفية النظرية التي ترفض الجميع و تعتبر الدولة ظالة مظللة والمجتمع وقواه السياسية الأخرى خارجة عن جادة الصواب في أحسن تقدير، وأن الحركة الإسلامية هي البديل الموضوعي الأوحد لانقاذ المجتمع من الانحلال والتفسخ واستشراء الفساد الذي ينخر هياكل وبنى المجتمع ، إلى الانتقال الصعب إلى باحة العمل السياسي المباشر بإكراهاته وتنازلاته السياسية والايديولوجية بل أكثر من ذلك انتقل جزء مهم من الحركة الإسلامية إلى دفة التسيير الحكومي وباشر السياسات العمومية التي تمتح من القوانين الوضعية مرجعية لها. وكان وزراء الحركة الإسلامية المغربية أمام امتحانات تدبيرية صعبة وأمام وضعيات سياسية مربكة، ليس أقلها توقيع حكومة العدالة والتنمية على اتفاقات أبراهام للتطبيع مع إسرائيل التي شكلت أقصى تجليات المرونة السياسية في التعامل مع موضوع حساس وهو رفض التطبيع مع إسرائيل الذي كان دائما ولايزال من ثوابت الخطاب السياسي الإسلامي بالمغرب .
كانت أجوبة مصطفى الرميد دليلا قاطعا على أن جزء كبير من الحركة الاسلامية المغربية استوعب درس الحداثة بل الأحرى تكيف مع مقتضيات الحداثة السياسية المنتوجة غربيا وفي أكبر تجلياتها العمل الحزبي الذي انخرطت فيه أجزاء من الحركة الاسلامية المغربية تحت مظلة شخصية سياسية مغربية مقربة من دوائر القرار في عهد الحسن الثاني، ونقصد بذلك الدكتور عبد الكريم الخطيب، الذي عبد الطريق لاخوان الرميد إلى ركوب مغامرة العمل السياسي الحزبي المباشر و الاسهام الفعلي في الاحتكاك بقضايا عملية شائكة تتطلب مراجعات سياسية وفكرية ضرورية للتكيف مع متطلبات المشاركة السياسية في ظل تراكم تاريخي وقوى مجتمعية لها سبق نضالي و تواجد تاريخي فيما سبق، وهذا ما يبرر صعوبة تقبل النخبة السياسية المغربية التقليدية للاسلاميين في بداية بزوغهم الميداني، الذي لا شك أنه تأثر بالخارج و بالالتقاء الموضوعي مع رغبة الفاعلين الدوليين في الإجهاز على ما تبقى من البؤر الاشتراكية عالميا عبر التحالف مع الاسلاميين وتشجيعهم أمريكيا وأوروبيا لمحاصرة الاتحاد السوفياتي في أفغانستان.
هذا الطلب العالمي على الإسلام السياسي كان له صدى في المغرب وتأثر بذلك المغاربة وتشكلت الحركة الاسلامية التلاميذية والطلابية في الجامعات و أنشئت التنسيقيات والائتلافات الطلابية التي تم تشجيعها لمواجهة اليسار السبعيني الذي جعل الجامعة منطلقه الميداني و معسكره التأطيري وبالطبع تغافلت أجهزة الدولة عن أسلمة الجامعات في السبعينات من القرن الماضي لمواجهة المد اليساري بكل أصنافه وتلاوينه، وهذا ما لم ينكره الوزير مصطفى الرميد، وإن استطاع بحنكة وذكاء أن يعتبر الحركة الاسلامية المغربية نتاج موضوعي خالص للبنية السياسية المغربية دون أن ينفي تأثره شخصيا هو بالذات بأحداث دولية ومنها مجزرة حماة 1982 م والاجتياح الإسرائيلي للبنان ومنشورات قادة الاخوان السوريين مثل عصام العطار المتوفى أخيرا وقبلها الثورة الاسلامية الايرانية وإن بشكل أقل بالنسبة له. .
خرجت بخلاصات وملاحظات مهمة من هذه الحلقات الاستثنائية لشخصية استثنائية استطاع الجمع بين المتناقضات من حيث الجمع بين تقدير قيادات العدل والإحسان والحفاظ على علاقة الود بينهم و بين الدولة وأجهزتها التي تعتبر العدل والإحسان جماعة غير مرغوب فيها، كما أن مصطفى الرميد استطاع الحفاظ على علاقة وطيدة مع رجل الدولة فؤاد عالي الهمة وفي نفس الوقت انتقاد الحزب الذي أشرف علي الهمة شخصيا على تأسيسه، أي الاصالة والمعاصر ، لذلك يمكن القول بدون تفكير كبير أن الرميد استطاع أن يجمع في علاقاته ما يصعب التوفيق بينها .
اقسمها الى ثلاث ملاحظات شكلية و أربع ملاحظات في المحتوى .
على مستوى الشكل :
1- استطاع مصطفى الرميد أن يعطي شهادة تلقائية عفوية بدون برتوكولات ولا مواد حافظة، أي أنه يظهر تواضعا جما يوحي بثقة كبيرة في معلوماته و صدقية الأحداث التي يرويها من وجهة نظره بطبيعة الحال.
2-الصحفي هشام، الذي قدم هذه الحلقات استعد لها جيدا من حيث المعلومات التي يواجه بها الضيف ومن حيث ضبطه للسياقات السياسية المغربية بكل تشعباته، لذلك يصح اطلاق صفة اللبيب عليه لانه من الاشارة يفهم .
3- تبنى الرميد النسبية و تجنب الاحكام الاطلاقية؛ بل أصر على احترام كل الذين تحدث عنهم سواء تعلق الأمر بنظرائه من التيار الإسلامي أو من فصائل اليسار أو من الدولة، لذلك نراه يثني على المستشار الملكي فؤاد عالي الهمة واعتبره رجل دولة بامتياز وإنسان التواصل الفعال و الرجل الذي لا يتعامل بخلفيات سياسوية، كما أثنى على علاقاته السابقة بادريس البصري .. كما أن ذكره للمخالفين معه من اليساريين كان بأدب جم وخلق فاضل.
على مستوى المضمون استخلصت بعض العناصر الأساسية التي هي في الحقيقة تأملات أكثر منها أفكار مرتبة ومدروسة.
1- هناك لازمة في حديث الرميد أو للدقة خلفية وجهت كل الحلقات وهي حرصه على عدم اثارة اوجه الاختلاف والتقاطب بين جزء من الحركة الاسلامية المغربية التي أراد ترسيخ فكرة أنها إصلاحية معتدلة متشبتة بالثوابت الوطنية وبين الدولة، حيث كان هدف الرميد من هذه الحلقات إعطاء رسائل للاجيال المقبلة، وإن كانت رسائل مبطنة، على أن أي عمل سياسي في المغرب بدون المؤسسة الملكية ومباركتها والتنسيق معها محكوم بالفشل، وأن الحركة الاسلامية المغربية في صيغتها السابقة أي الشبيبة الإسلامية و غيرها، فشلت لأنها واجهت النظام السياسي وتبنت طرحا جذريا كما هو حال العدل والاحسان اليوم التي لا يخفي الوزير الرميد التأثر بأخلاق و طيبوبة مؤسسها عبد السلام ياسين، رغم اختلافه معه من حيث المنهج و الطريقة وهذا ما يفسر حضوره لجنازته رغم صفته الوزارية، الرميد يوجه رسائل في كل الاتجاهات وخصوصا للحركات الإسلامية المغربية التي لم تدخل للصف بعد، مفادها أن الالتقاء مع الملكية و التحالف معها لا مناص منه لتحقيق بعض برامجها وأهدافها.
2-الوزير الرميد في حواراته استطاع فهم التأثيرات الاقليمية والدولية جيدا على السياق المغربي، خصوصا في حديثه عن التنازلات الضرورية التي قدمها حزب العدالة والتنمية بعيد الاحداث الإرهابية الاليمة بالولايات المتحدة الأمريكية سنة 2001 والتي كانت تدشين لحالة التحول الدولي اتجاه الإسلام السياسي من حيث فرض الإدارة الامريكية لمنظور جديد يقوم على محاصرة المد الاسلامي وأعلان انتهاء زواج المصلحة الذي ربط الإخوان بالأمريكان، فكانت استجابة العدالة والتنمية سريعة بالمغرب من حيث انخراطها في قوانين تجريم الإرهاب و في الانحناء للعاصفة ، هذا الدرس التاريخي الذي استخلصته القوى الإسلامية من علاقات الغرب بالشرق بعد أحداث 11 شتنبر2001 لم تسوعبه بعض القوى المجتمعية والسياسية المغربية الأخرى التي أعطت تضحيات كبيرة في السبعينات والثمانينات وناضلت وكافحت من أجل مغرب الديموقراطية وحقوق الإنسان؛ لكن لم تستطع ان تبلور هذه التضحيات الجسيمة لصالح قيادة قوة إصلاحية حقيقية قادرة على التحالف مع الدولة واستثمار المعطيات الدولية الجديدة التي استدعت طلبا ملحا على قوى التنوير والحداثة وان بمقادير وحدود معينة . فبراغماتية وذكاء الحركة الاسلامية المغربية يقابله في المقابل نوع من الجمود والستاتيكية السياسية لدى الأطراف اليسارية و الحداثية التي ازداد تهميشها وبعدها عن التأثير في السياق المغربي .
3-حديث الرميد عن أصدقائه و شيعته من الحركة الاتسلامية المغربية ومن العدالة والتنمية تحديدا كان باحترام شديد و عدم الايغال في الاختلاف والمجافاة وهذا ذكاء سياسي و احتفاظ بأسرار وتقدير لملح العشرة الطويلة و أخذ بالاعتبار للسنوات الكثيرة التي تم قضاؤها في اتون الحركة الاسلامية فرغم انتقاداته العابرة الطفيفة لبعض اخوانه امثال بنكيران في محطات مختلفة الا أن ذلك لم يمنع من القول بأن الرميد استطاع تكريس تعامل أخلاقي نموذجي مع المخالفين معه من نفس التوجه وفي نفس التجربة السياسية فيما بالمقابل ترى لدى حركات سياسية أخرى غير ذلك فعندما يختلف زعيمان أو قائدان أو مناضلان في وجهة نظر بسيطة نرى التراشق الاعلامي و التخوين المتبادل و التكسير المتبادل للاضلع وهذا مأدى إلى إفشال معظم أحزاب الكتلة الديموقراطية واليسارية كذلك، وأدى إلى انشقاقات كثيرة أدت إلى ولادة أحزاب ميكرو سكوبية لا تؤثر بتاتا في المشهد السياسي المغربي ، فالاختلاف السياسي و الايديولوجي مع الحركة الاسلامية المغربية لا يجب أن يمنعنا من الاعتراف بأن مرجعيتهم الدينية التي تقوم على الاطلاقيات لم تمنعهم من الاحترام المتبادل للاختلاف و تقديسه في الممارسة العملية في الوقت الذي يبنى فيه الفكر التقدمي الحداثي الديموقراطي على مذاهب فلسفية ورؤى نظرية مبنية على الشك المنهجي وتقدير الاختلاف نظريا فيما تكون الممارسة العملية كلها اطلاقيات والزعامات مقدسة ولا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها .
4-مارس الرميد السياسة من مواقع مسؤوليات مختلفة لو استغلها بمفهوم الاستغلال و الانتهازية لراكم ثروات طائلة و تحصل على فوائد بطرق مختلفة ستمنعه كما تمنع الكثيرين من السياسيين المخضرمين اليوم من الكلام و الحديث مخافة العواقب من الدولة أو من بعض أفراد المجتمع الذي يعرفونهم جيدا، لذلك لابد أن نفهم درسا عميقا من حوارات الرميد، أن النزاهة والمصداقية و تحمل المسؤولية الوطنية باقتدار، لا بشماتة في الوطن وانتهاز الفرصة لافتراس ممتلكاته وثرواته، هي المعيار الأساسي الذي يجعل السياسي مهابا مسموعا و حواراته تؤخذ على محمل الجد فيما بعض السياسيين الاخرين في مختلف المستويات ما أن يصلوا إلى سدة الوزارة والبرلمان إلا وتراهم عاجزين عن الكلام وأن تكلموا فهم يتحدثون لغة خشبية لا يثق بها أحد، لذلك من أراد أن تعيش سمعته طويلة وأن تحترمه قيادات البلاد و فئات المجتمع المختلفة لابد أن يكف أياديه عن ثروات البلاد ومقدراتها.
هذه قراءة سريعة لما استخلصته من محاورات الرميد مع الاعلامي هشام العمراني الذي يجسد برنامجه ضمن برامج أخرى لإعلاميين قليليين أخر قلاع البرامج الاعلامية الهادفة الملتزمة بتثقيف جمهورها وفتح ملفات التاريخ السياسي مع شهود عاشوا التجارب السياسية المغربية واستطاعوا الاسهام من زاوية نظرهم في التاريخ السياسي المغرب المشترك وإيصال بعض الشذرات المنيرة في تاريخ الشخصيات المغربية التي اعطت الشيئ الكثير للمشهد المغربي.