لماذا وإلى أين ؟

زوايا الصحراء.. مسجد تيغمرت العتيق: مطامر “ذكية” ضمنت الاستقلال والتموين لعقود  

تضع جريدة “آشكاين” الرقمية بين يدي قرائها الأعزاء سلسلة رمضانية جديدة  حول تاريخ الأقاليم الجنوبية للمملكة، من خلال سلسلة ثقافية تغوص في تاريخ الزوايا والرباطات والمساجد التاريخية العتيقة في الصحراء المغربية، عبر بوابة برنامجكم “زوايا من الصحراء”، الذي يعده ويقدمه الصحافي أحمد الهيبة صمداني.

وسنحاول خلال هذه السلسلة الثقافية الرمضانية نفض الغبار عن تاريخ التصوف وتمظهراته في الزوايا والمساجد و”المَحاظر” وارتباطاتها القبلية وخصوصياتها في الصحراء المغربية، علاوة على أدوارها الدينية والتاريخية والاجتماعية بالمنطقة على مر التاريخ، عبر بثها للأمن الروحي في المنطقة، وفض المنازعات القبلية وتكوين الطلبة والمردين، دون أن ننسى أدوارها في مكافحة المستعمر.

وسنتطرق في هذه الحلقة (19) إلى الحديث عن مسجد تغمرت العتيق، كأحد المعالم الرئيسية في مجال واد نون بأكمله، والدور الذي لعبه تاريخيا، علاوة على اعتماده على تقنية المخازن لتحصيل الاكتفاء الذاتي للطلبة الدارسين، وضمان استمرارية المسجد وماليته.

وأكد الباحث في التاريخ، عبد الهادي المدن، أنه “ليس لديهم معطيات دقيقة حول تاريخ بناء هذا المسجد، ولكن يمكن الاعتماد على إحدى المعلومات التاريخية الواردة في المصادر لمحاولة الوصول إلى أقرب أو أقدم ذكر له في المصادر التاريخية”.

الباحث في التاريخ،عبد الهادي المدن

وأضاف المدن في حديثه لـ”آشكاين”، أنه “ورد ذكر المسجد في كتاب “مناقب الباعقيلي”، لحسن الباقيلي، الذي قضى حوالي أربع سنوات “مشارطا”(إمامًا وخطيبًا) لهذا المسجد ومعروف أن الباعقيلي عاش في النصف الثاني من القرن الخامس عشر إلى النصف الأول من القرن السادس عشر،  ما يعني أن أقدم إشارة لهذا المسجد تعود إلى القرن الخامس عشر، وهي فترة قديمة جدًا”.

وأبرز الباحث أن “موقع بناء المسجد، يقع في منطقة مهمة في واحة تغمرت، ويمكن اعتبارها مركز الواحة، حيث يقع سوق الخميس الشهير بتغمرت، الذي كان يعقد كسوق أسبوعي، بالإضافة إلى وجود سوق يومي أو ما يسمى حاليًا بـ”تامسقت”، وهو حي من الأحياء التي يمكن أن نرجعها إلى الفترة القديمة، أي فترة “نون لمطا”، حين كانت هذه المدينة أحد المراكز التجارية الهامة على الطريق الساحلي أو الطريق اللمتوني، الذي كان يصل المغرب بالسودان الغربي عبر مجال أدرار، مرورًا بملاحة أوليل، وصولًا إلى تمبكتو.

واعتبر المدن أن “موقع تأسيس هذا المسجد يعطينا فكرة عن أهميته وعن الأدوار التي مارسها، ليس فقط كمسجد لأداء الصلاة وإلقاء خطبة الجمعة، بل أيضًا كمؤسسة تعليمية.

حديثنا مع المدن عن التأسيس وأهمية موقع البناء قاده للحديث عن “المدرسة المسجد” أو “المدرسة العتيقة”، والتي تُعرف أيضًا باسم “المسجد المخزن الجماعي”.

وبسط المدن الرواية الشفوية التي جمعها من بعض المطلعين، والتي تشير حسبه إلى أن “المسجد كان يحتوي على مدرسة لتعليم القرآن والعلوم الدينية الأخرى، مثل الفقه والحديث وغيرها من العلوم”.

 وأضاف أن “هذه المدرسة، التي بُنيت داخل المسجد، كانت تحتوي أيضًا على ما يُسمى بـ”المرس”، وهو مجموعة من المطامير المحيطة بالمسجد، حيث كانت كل قبيلة من قبائل تكنة تملأ هذه المخازن الجماعية الأرضية بالحبوب لتزويد طلبة المدرسة، وهذا يُعتبر تعهدًا من قبائل تكنة لضمان استمرارية هذا المسجد في لعب أدواره”.

ولفت الانتباه إلى  أن “هناك مخازن جماعية تحت أرضية، ومخازن جماعية مبنية على السطح، أو ما يُعرف بـ”إيقودار” في بعض مناطق سوس، لكن بالنسبة لمسجد تغمرت، كانت هناك ما يُسمى بـ”المرس”، وهي مجموعة من الحفر التي كانت تُملأ بالحبوب لدعم طلبة المدرسة”.

نظرا لما “طال المسجد، فقد تم مؤخرًا ترميمه وإعادة بنائه بالكامل”، يضيف المتحدث، متسائلا “عما إن قام المشرفون على البناء ببعض الأبحاث للتأكد من هذه المعلومات التي وردت في الرواية الشفوية، خاصة ما يتعلق بالمطامير”.

ورجح أن “الرواية الشفوية التي استقاها من شخصية عارفة بالمجال، والتي عملت بالقرب من هذا المسجد، تشير أيضًا إلى وجود مجموعة من المرافق الأخرى، مثل معصرة، والدكاكين، بالإضافة إلى الحقول التي كانت تُحبس على هذا المسجد كمؤسسة، مما يضمن توفر بعض الموارد المالية التي تضمن استمراريته”.

وخلص إلى أن “مسجد تغمرت هو من المعالم التاريخية، وموقعه في منطقة مرتفعة أو ربوة يعطيه تميزًا في سمات البناء للمجال الواحي، لأن بناء المساجد في مجال الواحات يخضع لشروط أهمها البناء في منطقة مشرفة أو مرتفعة لتجنب مياه السيول أو الفيضانات التي قد تحدث، خاصة أن المسجد بُني غير بعيد عن واد نون المعروف، بالإضافة إلى واد صياد الذي يقع في جهة الجنوب”.

زوايا الصحراء: خصوصيات تصوفية وتاريخ وأثر

زوايا الصحراء: الوجه الآخر للزوايا..مراكز علم وصلح وفن وكفاح ضد المستعمر

زوايا الصحراء.. أقدم منارة روحية في واد نون

زوايا الصحراء..قصر آسا: ظاهرة البناء بالحجر الغامق وجدل تحويل قبلة المساجد

زوايا الصحراء.. المسجد العتيق بكلميم: خلاف قبيلة مع السلطة على مكان إقامة صلاة الجمعة

زوايا الصحراء .. الزاوية العروسية: زاوية “شيخ الوقت” أذابت خلاف قبائل في عبدة وجنبتهم الاقتتال

زوايا الصحراء.. الزاوية السالمية: تصوف نقشبندي من الصحراء المغربية إلى موريتانيا  

زوايا الصحراء.. زاوية أهل الليلي: علم وصلاح وحماية المستجير وامتداد من الصويرة إلى شنقيط

زوايا الصحراء .. زاوية الشيخ الولي: وَجَاهَة ورصيد ثقافي وحشد لمقاومة المستعمر الأجنبي

زوايا الصحراء..زاوية أهل لبصير: سياحة صوفية  وتفجير حركة تحرير الصحراء من احتلال الإسبان

زوايا الصحراء.. زاوية الشيخ المامي: أمن روحي بين القبائل ونَظْمٌ للسلطان

زوايا الصحراء.. زاوية الشيخ السباعي: وساطة بين العرب والأمازيغ بالصحراء ومقاومة نابليون بمصر

زوايا الصحراء.. الزاوية اللمطية(1): صاحب “ميزان الماء” الذي جنب قبائل بواد نون الاقتتال

زوايا الصحراء ..الزاوية اللمطية (2): ظهائر توقير سلطانية ودار تجارية امتدت إلى السودان

زوايا الصحراء.. زاوية  صفية الباركية: علم وفقه وتخريج الطلاب من المغرب إلى موريتانيا

زوايا الصحراء.. الزاوية المعينية(1): نواة بناء السمارة وقاعدة لصد المستعمر الإسباني والفرنسي

زوايا الصحراء .. الزاوية المعينية (2): توحيد قبائل متناحرة ومبايعة السلطان

زوايا الصحراء .. الزاوية المعينية (3): خصوصيات تصوفية حولت الساقية الحمراء إلى مركز تجاري وسياسي

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

0
أضف تعليقكx
()
x