2024 © - أشكاين جميع الحقوق محفوظة - [email protected]
كِتَاب أَثَار جَدَلا: ”مِنْ هُنَا نَبْدَأ”.. دَعْوة إِلَى الاِشْتِرَاكِية وَالعلْمَانِية مِنْ دَاخِل الأزْهَر (ح19)

” كتاب أثار جدلا” رحلة في عالم الأفكار الممنوعة، سلسة تنشر على شكل حلقات طيلة شهر رمضان في ”آشكاين”، تتناول مؤلفات خلقت ضجة كبيرة، في السياسة، في الدين، كما في قضايا اجتماعية.
هذه الكتب دفعت مؤلفيها أثمانًا باهظة، بلغت حد التكفير والتهديد بالقتل وتنفيذه أحيانا، وتارة أخرى تدخلت الرقابة وبقيت هذه المؤلفات ممنوعة من التداول لسنوات.
لكنها في المقابل أحدثت ثورة فكرية وخلخلت مفاهيم كانت بمثابة طابوهات لفترات طويلة.
سيكون قراء ومتابعو جريدة “آشكاين” على موعد مع هذه السلسلة طوال أيام شهر رمضان.
الحلقة19: من هنا نبدأ

يُعد كتاب “من هنا نبدأ” لخالد محمد خالد (1920-1996)، الذي صدر سنة 1950، علامة فارقة في تاريخ الفكر العربي الحديث. لم يقتصر تأثير الكتاب على إثارة جدل واسع النطاق فحسب، بل تجاوزه إلى إعادة تشكيل النقاشات حول الدين، والدولة، والمجتمع في مصر والعالم العربي.
واجه مؤلفه خالد محمد خالد، وهو شاب أزهري، هجوماً حاداً من قبل الأزهر وعدد من الهيئات والشخصيات الإسلامية. اعتبر هؤلاء أن الكتاب يمثل تعدياً على الإسلام وثوابته. ومع ذلك، قضت محكمة القاهرة بالسماح بنشر الكتاب، مبرّئة مؤلفه بدعوى أن محتواه يندرج ضمن إطار حرية التعبير.
ضم كتاب “من هنا نبدأ” أربعة فصول تناول فيها الكاتب رؤيته حول العلاقة بين الدين والدولة، متطرقًا إلى القضايا الاجتماعية في مصر آنذاك ومدى تأثرها بدور المؤسسة الدينية ورجالها.
استُهل الكتاب بفصل بعنوان “الدين لا الكهانة”، حيث وجه الكاتب نقدًا لما وصفه بالكهنوت الديني في المجتمع المصري، مسلطًا الضوء على دور بعض رجال الدين في تبرير سياسات الإفقار ودعم أصحاب النفوذ المالي والسياسي تحت غطاء الدين.
يحمل الفصل الثاني عنوان “الخبز هو السلام”، وفيه يستعرض الكاتب رؤيته حول الأوضاع الاجتماعية، مشيرًا إلى أن الإسلام يميل إلى تحقيق أهداف اشتراكية تدعو إلى التوزيع العادل للثروات. كما يسلط الضوء على سلبيات الإقطاع والاحتكار، سواء كان احتكار الأراضي أو رؤوس الأموال، موضحًا كيف يشكل ذلك خطرًا على حياة الشعب ويهدد استقراره في الحاضر والمستقبل.
الفصل الثالث من الكتاب، الذي يحمل عنوان “قومية الحكم”، يعرض رؤية الكاتب المتعلقة بالصلة بين الدين والدولة. يوضح الكاتب أن الحكومات ذات الطابع الديني تؤدي إلى الإضرار بكلا الطرفين، حيث يرى أن الفصل بينهما يساهم في الحفاظ على قدسية الدين وتأثيره الإيجابي على الأفراد، بالإضافة إلى تمهيد الطريق لإقامة دولة مدنية حديثة.
صدر الكتاب في فترة شهدت تحولات سياسية واجتماعية كبيرة في مصر، حيث كانت البلاد على أعتاب ثورة يوليوز 1952. وقد عكس الكتاب تطلعات الكثير من المثقفين المصريين إلى بناء مجتمع أكثر عدالة وحرية.
يدعو الكتاب إلى التمييز بين الدين والكهانة، وينتقد استغلال بعض رجال الدين للدين لتحقيق مصالحهم الشخصية. كما يدعو إلى تحقيق العدالة الاجتماعية، ويطرح رؤية جديدة للعلاقة بين الدين والدولة، تقوم على أساس الدولة المدنية التي تستلهم القيم الأخلاقية من الدين.
أثار الكتاب ردود فعل متباينة، حيث أشاد به البعض واعتبروه دعوة إلى التجديد والإصلاح، بينما انتقده البعض الآخر واعتبروه خروجًا عن الدين وتقاليد المجتمع. وقد اتُّهم الكتاب بازدراء الدين والرأسمالية، مما أدى إلى مصادرته ومحاكمة مؤلفه.
شهدت محاكمة الكتاب جدلًا واسعًا، حيث دافع المؤلف عن أفكاره بحرية الرأي والتعبير. وفي نهاية المطاف، أصدرت محكمة مصرية حكمًا ببراءة المؤلف وإلغاء مصادرة الكتاب، مما اعتبر انتصارًا لحرية الرأي.