لماذا وإلى أين ؟

“حموضة” الإنتاجات الرمضانية تسائل المسؤولين على تدبير أموال القنوات العمومية

ككل سنة، يجد المغاربة الذين يتابعون الأعمال التلفزية المغربية في رمضان أمام إنتاجات في أغلبها لا تروق لهم ولا تشبههم ولا تعبر عنهم وعن ثقافتهم، ما يدفعهم للتذمر منها والتنكر لها وهجر القنوات المغربية بحثا عن أعمال تستحق المشاهدة في قنوات عربية أو عالمية أخرى أو التوجه صوب “اليوتيوب”.

فئة واسعة من المغاربة عبر مواقع التواصل الإجتماعي عن سخطها من رداءة الإنتاجات التلفزية الرمضانية، في ما اختار البعض الأخر تناول الموضوع بسخرية وتهكم و”طنز” نظرا إلى أن الأعمال التلفزية التي تقدم خلال أوقات الذروة، بحسبهم، هي “استخفاف” بعقولهم واستصغار لمكانة المتلقي المغربي.

وبالرغم من أن مثل هذا الإنتقادات توجه كل سنة للقائمين على بث هذه الإنتاجات الرمضانية المغربية “المحامضة” وفق تعبيرهم، إلا أن الوضع لم يتغير، وأصبح المغاربة يعصرون ويشربون “حموضة” الأعمال التلفزية كل يوم على مائدة الإفطار. ما دفع البعض لتوجيه انتقادات جديدة حادة للمسؤولين على “التلفزة المغربية”؛ خاصة في ما يتعلق بتدبير الشق المالي، حيث يرون أن القنوات العمومية تبذر الملايين من الدراهم في أعمال لا تنجح إلا في إشعال السخط الشعبي واندلاع الإنتقادات كل سنة.

تفاعلا مع هذا النقاش، يقول الناقد الفني والسينمائي؛ مصطفى الطالب، إن الانتقادات الموجهة للانتاجات الرمضانية (في مجملها وليس كلها) كثرت في السنوات الأخيرة، سواء تعلق الأمر بالاعمال الكوميدية التي وصفها المغاربة بـ”الحامضة” أو بالاعمال الدرامية التي تحاول تناول قضايا اجتماعية؛ لكن بطريقة سطحية وغالبا ما تقع في التكرار مع استحضار نفس الوجوه الفنية “الشعبية” التي سئمها المتفرج.

ويرى الطالب الذي كان يتحدث لصحيفة “آشكاين” الرقمية، أن هذه الانتقادات وجدت لها صدى في مواقع التواصل الاجتماعي التي أصبحت بمثابة “ترموميتر” لنجاح أو فشل أي عمل فني تلفزيوني أو سينمائي، مضيفا أن هذا يعني أن للجمهور سلطته وسطوته ورأيه الذي يجب أن يأخذ بعين الاعتبار؛ لكن يبدو أن قنواتنا لا يهمها ذلك بقدر ما يهمها الربح الذي تجنيه (مع المستشهرين وشركات الانتاج المحتكرة للميدان)، وفرض أعمال تصرف عليها الملايين من الدراهم في موسم قصير لتختفي في ما بعد أو يعاد بثها خلال السنة.

وبحسب الناقد الفني، فإن الأموال التي تصرف على ما يسمى “الانتاجات الرمضانية”، “كان بالامكان أن تصرف في عمل واحد تاريخي أو ديني أو تراثي متميز يبصم الذاكرة البصرية والفنية المغربية ويرتفع بالمستوى الفكري والفني لدى المشاهد المغربي الذي تطورت ثقافته البصرية والفنية وقدراته التقنية بفضل الثورة الرقمية وبفضل مشاهدته لأعمال درامية وسينمائية توفرها له المنصات الرقمية”، مشددا على أن هذا النضج هو الذي يدفعه بأن لا يقبل بأي عمل كان.

مصطفى الطالب ـ ناقد فني وسينمائي

ويعتبر المتحدث، أن النقاش المثار على مواقع التواصل الإجتماعي حول “حموضة الإنتاجات الرمضانية”، صحي لأنه يعبر عن نضج المشاهد المغربي وعن وعيه بأهمية الفن، مبرزا أن للمغاربة الحق في الإنتقاد لأنهم يدفعون ضرائبا لكنهم يرون أنها تصرف سدى على أعمال لا ترقى إلى تطلعاته ولا تلامس قضاياه المعيشية الحقيقية؛ خاصة في وقتنا الراهن حيث ارتفاع مستوى المعيشة وتدني القدرة الشرائية.

“أحيانا هذا النقاش يكون معقولا حينما يكون العمل كله بمستوى ضعيف، وأحيانا أخرى يكون مبالغا فيها”، يسترسل الناقد السينمائي، مستدركا “ذلك أن أي عمل يجب أن يخصع لمعايير فنية نقيمه من خلالها على مستوى الفكرة، السيناريو، الإخراج، الأداء، المعالجة الفنية. فما يقع هو أن العديد من الأعمال قد تكون فكرتها مهمة؛ لكن على مستوى الكتابة هناك خلل، أو أن السيناريو غير متماسك، أو غياب معالجة فنية قوية، وأضف إلى ذلك مشكل “الكاستينغ” أحيانا عدة.

وسلط الطالب الضوء على كتابة السيناريو في الإنتاجات التي تعرض في رمضان، مؤكدا أن “هذا يشكل مشكلا حقيقيا في المغرب؛ سواء في الدراما أو السينما، لكن هذا لا يعني أننا نفتقد إلى كتاب سيناريو متميزين، ولكن يتم تهميشهم على حساب سيناريوهات تجد قنواتنا ضالتها فيها”.

وخلص متحدث “آشكاين”، بالإشارة إلى أن “ما ينقصنا هو الجودة الفنية والمواضيع الجادة ذات عمق ومغزى فكري واجتماعي عوض تراكم سلبي، وعوض دغدغة المشاعر بمشاهد وحوارات فارغة، كما تنقصنا الإرادة لتغيير هذا الواقع الفني الرمضاني الذي لا علاقة له لا برمضان ولا بأجوائه الروحانية والتأملية وبقيمه الاجتماعية”، لافتا إلى أن هذه تحديات تفرض نفسها على قنواتنا الوطنية إضافة إلى المنافسة العربية والدولية.

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

0
أضف تعليقكx
()
x