لماذا وإلى أين ؟

زوايا الصحراء.. زاوية آسا.. إشعاع علمي استقطب طلابا أمازيغ وأفارقة من الصحراء وموريتانيا وتونس

تضع جريدة “آشكاين” الرقمية بين يدي قرائها الأعزاء سلسلة رمضانية جديدة  حول تاريخ الأقاليم الجنوبية للمملكة، من خلال سلسلة ثقافية تغوص في تاريخ الزوايا والرباطات والمساجد التاريخية العتيقة في الصحراء المغربية، عبر بوابة برنامجكم “زوايا من الصحراء”، الذي يعده ويقدمه الصحافي أحمد الهيبة صمداني.

وسنحاول خلال هذه السلسلة الثقافية الرمضانية نفض الغبار عن تاريخ التصوف وتمظهراته في الزوايا والمساجد و”المَحاظر” وارتباطاتها القبلية وخصوصياتها في الصحراء المغربية، علاوة على أدوارها الدينية والتاريخية والاجتماعية بالمنطقة على مر التاريخ، عبر بثها للأمن الروحي في المنطقة، وفض المنازعات القبلية وتكوين الطلبة والمردين، دون أن ننسى أدوارها في مكافحة المستعمر.

سنتطرق في هذه الحلقة (20) إلى الدور العلمي لزاوية آسا، في صحوة الضمير الجمعي لأهل المنطقة بمجال وادنون، وكيف استطاعت أن تستقطب الطلاب من مختلف الحساسات ومن مناطق مختلفة بما فيها تونس.

وفي هذا الصدد، يرى الباحث في التراث الحساني، بوزيد لغلى، أن “كشف النقاب عن الدور العلمي الذي اضطلعت به زاوية “أسا”، يتطلب منا استنطاق التراث المكتوب عن الزاوية ونبش دفائنه”، منبها إلى أن قلة هذا التراث يدفعنا إلى الجنوح إلى استثارة مكنونات الذاكرة الجماعية عبر الرواية الشفوية على اعتبار أنها تمثل أهم مصدر يختزن المخزون الثقافي للمنطقة بشكل عام و للزاوية بشكل خاص”.

وأبرز لغلى، في حديثه لـ”آشكاين، أن “مختلف المصادر المكتوبة والشفوية تدل على أن زاوية أسا قد شهدت إشعاعاً علميا جعل منها  محجا لعدد كبير من الطلبة من مختلف المناطق”.

الباحث في التراث اللامادي الحساني، بوزيد لغلى

وأكد المتحدث أن الزاوية  “كانت تستقطب تلاميذ من الأمازيغ وأهل معقل وأفارقة من الصحراء والأطلس ومراكش ودرعة العليا وتوات وحتى من بلاد تونس”.

  ويرى المتحدث أن “اتساع دائرة استقطاب الزاوية لتلاميذ وشمولها لمناطق مترامية الأطراف ينم عن أهميتها العلمية، غير أننا لا نجد بيانا كافيا عن المواد التي كان يتلقاها الطلبة ولا عن عددهم ولا عن الفقهاء الذين كانوا يتولون مهمة تدريسهم”.

وعاد لغلى ليستدل بما تجمع لديه من “الرواية الشفوية”، الذي قال إنها “عجزت عن تقديم أية معلومات دقيقة بهذا الشأن حيث اكتفى الرواة الذين تم استجوابهم بالتأكيد على أن الزاوية شكلت مدرسة علمية قرآنية، وعرفت إقبالا من الطلبة من نواحي ومناطق متعددة من الصحراء والأطلس وموريتانيا وتونس”.

 ولم يرشح في التراث المكتوب عن الزاوية سوى شذرات يسيرة تضمنتها مستندات المختار السوسي في المعسول، يسترسل لغلى، ويضيف أنه “يفهم منها أن جزءا كبيرا من تراث وتاريخ الزاوية قد انطمس أو بقي طي النسيان والإهمال، كما هو الحال بالنسبة لتراث كثير من المدارس والزوايا بالمغرب”.

وتفيد بعض الروايات الشفوية، التي استقاها الباحث بوزيد لغلى ونقلها لجريدة “آشكاين”، أن “الطلبة كانوا يتلقون بالزاوية القرآن وبعض الأمور الفقهية، حتى إذا علا كعبهم ورسخت أقدامهم في حفظ القرآن انتقلوا إلى إحدى المدارس العلمية العتيقة المنتشرة في البوادي السوسية لاستكمال ثقافتهم الشرعية، وهذا يتسق مع ما أورده صاحب المعسول في تراجم بعض الفقهاء الذين تلقوا تعليمهم الأولي بزاوية أسا واستكملوا تكوينهم العلمي ببعض المدارس الفقهية المنتشرة بالبوادي السوسية”.

ومن هذه الفقهاء الذين تخرجوا من زاوية آسا، يذكر لغلى “الفقيه محمد بن أحمد الأساوي، الذي قال عنه المختار السوسي، إنه “تلقى بعض القرآن أولا في مسقط رأسه “زاوية أسا” عند الأستاذ علي بن العربي الأساوي، المتوفي عام 1338 هـ، إلا أن الشدة التي كان يلاقيها في التعليم من أهله حملته حتى فارق مسقط رأسه إلى قبيلة “أيت صواب””.

وتابع أن “هذا الفقيه جال بعد ذلك قليلا إلى أن استقر به القرار في قرية ” اسكن” عند الفقيه سيدي علي بن الحاج داود، فألقى هناك عصاه إلى أن استتم حفظ القرآن وأخد عنه بعض المبادئ، وكان أثيرا عنده…فغادر إلى مدرسة “ايمزي”، وقد طالت سنون رحلته هذه في تلك الجبال إلى اثني عشرة سنة ولم يكن يرى خبرا لأهله، إلى أن وردت عليه رسالة من والده في موسم(المولود) الذي يقام في أسا، فلما ذهب تلقاه والداه معا بكل فرح، ثم استأذن والده لمراجعة إتمام دروسه وأذن له ثم صار يتعهد زيارة بلده أسا فينة بعد فينة”.

 واستشف لغلى من قصة الفقيه التي دامت سنوات لطلب العلم، أنها “دليل على شغفه  في طلب العلم وبذل الجهد والتفاني في سبيله، إذ أن الرجل رحمه الله قد اغترب طويلا في سبيل تحصيل العلم، حيث كان للمدارس العلمية العتيقة بأرجاء سوس الفضل في تكوين شخصيته العلمية التي تحدث عنها المختار السوسي في المعسول مليا”.

فضل المدارس العلمية السوسية في تكوين هذا الفيه، يقول لغلى لا يحجب “ما كان لزاوية أسا من الفضل في إنارة طريق العلم له وهو لا يزال غضا طري العود، إذ أنه تلقى تعليمه الأولي، حسب ما ذكر النص أعلاه، على يد فقهاء زاوية أسا وخاصة سيدي علي بن العربي والحسن بن ابراهيم الأساوي”.

 وجرنا الحديث مع لغلى عن هذين الفقيهين للحديث عن “ما أسماءهم  “بعض أقطاب هيئة التدريس بزاوية أسا، الذين وردت الإشارة إليهم في المعسول، الذي يعتبر بحق المرجع الوحيد الفريد الذي تضمن ومضات اعتبرها معالم تنير مسالك طريق الباحث في طوايا تاريخ تليد لزاوية يملأ صيتها سمع سكان الجنوب المغربي، ولا يعرف عنها الناس إلا قليلا مما راكمته واختزنته الذاكرة الشعبية، أو احتوته بعض الوثائق  والمستندات النادرة”.

  ونقل بوزيد لغلى ما جملة ما ذكره المعسول من “الفقهاء الأساتذة الذين أسهموا في تكوين أجيال كثيرة تكوينا إسلاميا يمتح من معين القرآن الكريم والسنة المطهرة، ومنهم على سبيل المثال، الأستاذ علي بن العربي الاساوي، الذي كان يتقن القراءات السبع، وكان مباركا معتقدا، خرج الكثيرين في القراءات، والأستاذ الحسن بن ابراهيم الأساوي، الذي  كان يجتهد في التعليم، ويحمل التلاميذ على الجد”.

كما ذكر المعسول، يضيف الباحث في التراث الحساني، بوزيد لغلى، الذي يتحدث لـ”آشكاين”، كلا من “الأستاذ محمد بن ابراهيم، الذي  رجل صالح لا تفوته صلاة الجماعة في المسجد فيما تواتر عنه، والأستاذ محمد أوتو، الذي كان فقيها من فخذة أيت تيكا، واغترب مدة طويلة لطلب العلم وعاد إلى مسقط رأسه أسا حيث تولى التدريس بها”.

وخلص المتحدث إلى أن “ذكره لهؤلاء الفقهاء ليس لمجرد الفضول والترف المعرفي، بل لأنهم يمثلون أهم مؤشر حقيقي يدل على أن زاوية أسا قد شهدت نشاطا علميا متميزا، لم تقتصر ثماره على مجرد تلقين الناشئة لمبادئ الدين، بل تجسدت قطوفه فيما خلفه من أثار إيجابية تجلت في المساهمة في صحوة الضمير، وتنمية الشعور الديني الذي يشكل الطاقة الدافعة لفعل الخير”.

يتبع..

زوايا الصحراء: خصوصيات تصوفية وتاريخ وأثر

زوايا الصحراء: الوجه الآخر للزوايا..مراكز علم وصلح وفن وكفاح ضد المستعمر

زوايا الصحراء.. أقدم منارة روحية في واد نون

زوايا الصحراء..قصر آسا: ظاهرة البناء بالحجر الغامق وجدل تحويل قبلة المساجد

زوايا الصحراء.. المسجد العتيق بكلميم: خلاف قبيلة مع السلطة على مكان إقامة صلاة الجمعة

زوايا الصحراء .. الزاوية العروسية: زاوية “شيخ الوقت” أذابت خلاف قبائل في عبدة وجنبتهم الاقتتال

زوايا الصحراء.. الزاوية السالمية: تصوف نقشبندي من الصحراء المغربية إلى موريتانيا  

زوايا الصحراء.. زاوية أهل الليلي: علم وصلاح وحماية المستجير وامتداد من الصويرة إلى شنقيط

زوايا الصحراء .. زاوية الشيخ الولي: وَجَاهَة ورصيد ثقافي وحشد لمقاومة المستعمر الأجنبي

زوايا الصحراء..زاوية أهل لبصير: سياحة صوفية  وتفجير حركة تحرير الصحراء من احتلال الإسبان

زوايا الصحراء.. زاوية الشيخ المامي: أمن روحي بين القبائل ونَظْمٌ للسلطان

زوايا الصحراء.. زاوية الشيخ السباعي: وساطة بين العرب والأمازيغ بالصحراء ومقاومة نابليون بمصر

زوايا الصحراء.. الزاوية اللمطية(1): صاحب “ميزان الماء” الذي جنب قبائل بواد نون الاقتتال

زوايا الصحراء ..الزاوية اللمطية (2): ظهائر توقير سلطانية ودار تجارية امتدت إلى السودان

زوايا الصحراء.. زاوية  صفية الباركية: علم وفقه وتخريج الطلاب من المغرب إلى موريتانيا

زوايا الصحراء.. الزاوية المعينية(1): نواة بناء السمارة وقاعدة لصد المستعمر الإسباني والفرنسي

زوايا الصحراء .. الزاوية المعينية (2): توحيد قبائل متناحرة ومبايعة السلطان

زوايا الصحراء .. الزاوية المعينية (3): خصوصيات تصوفية حولت الساقية الحمراء إلى مركز تجاري وسياسي

زوايا الصحراء.. مسجد تيغمرت العتيق: مطامر “ذكية” ضمنت الاستقلال والتموين لعقود  

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

0
أضف تعليقكx
()
x