2024 © - أشكاين جميع الحقوق محفوظة - [email protected]

تضع جريدة “آشكاين” الرقمية بين يدي قرائها الأعزاء سلسلة رمضانية جديدة حول تاريخ الأقاليم الجنوبية للمملكة، من خلال سلسلة ثقافية تغوص في تاريخ الزوايا والرباطات والمساجد التاريخية العتيقة في الصحراء المغربية، عبر بوابة برنامجكم “زوايا من الصحراء”، الذي يعده ويقدمه الصحافي أحمد الهيبة صمداني.
وسنحاول خلال هذه السلسلة الثقافية الرمضانية نفض الغبار عن تاريخ التصوف وتمظهراته في الزوايا والمساجد و”المَحاظر” وارتباطاتها القبلية وخصوصياتها في الصحراء المغربية، علاوة على أدوارها الدينية والتاريخية والاجتماعية بالمنطقة على مر التاريخ، عبر بثها للأمن الروحي في المنطقة، وفض المنازعات القبلية وتكوين الطلبة والمردين، دون أن ننسى أدوارها في مكافحة المستعمر.
نواصل حدينا في هذه الحلقة (21) عن زاوية آسا باعتبارها أقدم منارة روحية بمجال وادنون، من خلال الحديث عن الأدوار التي لعبتها في تحفيز المواطنين على التبرعات، وتمكنها من تسيير أراضي زراعية تمتد من الصحراء إلى مجالات شاسعة، ودورها الريادي في الفصل والتقاضي بسبل مبتكرة تتماشى مع الوسط الصحراوي.
الغالي والنفيس للعلم
ومن أفعال الخير التي رسختها زاوية آسا، يقول الباحث في التراث الحساني، بوزيد لغلى، نجد “التبرعات، حيث أدى التحسيس بأهمية التبرع و أجره عند الله إلى مبادرة الناس ببذل ذات اليد في سبيل الله، ولعل أهم أبواب الإنفاق في سبيل الله باب الإنفاق لتشجيع طلب العلم”.
وكشف لغلى، الذي يرافقنا خلال هذ السلسلة، أن “بعض الوثائق تدلنا عن ما كون بعض الآباء كان يهب لإبنه أنفس ما يملك تشجيعا له على طلب العلم وحفظ القرآن، كما تدلنا الرواية الشفوية أن طلبة العلم بالزاوية قد عاشوا في كنف الإحسان الفردي، إذ كان الناس يقدمون للزاوية عطايا وهبات، ويخصصون لها أوقافا تشكل أهم مورد لتموين الطلبة وتأمين حاجياتهم المادية”.

وبفضل هذه التبرعات، يشير لغلى أن “الزاوية صارت لها أملاك تتوزع على 28 “تاغولة” موزعة بين أسا وفم الحص، وأراضي فلاحية تقدر ب:150 دراعا”، وعلاوة على ما أورده المعسول بكون “القيمين على زاوية أسا يتصرفون في أراضي فسيحة تتعدى النطاق الجغرافي للزاوية، حيث أنهم” يحرثون المعادر كلها من زاكورة إلى وادي درعة، ويستغلون من الخنك الذي برأس اكتاوة والغزلان إلى أمام زاويتهم بأسا، ومن ثم إلى وادنون إلى الساقية الحمراء بلا منازع”.
فقهاء قضاة
حديثنا عن زاوية آسا وامتدادها الجغرافي، يقودنا للحديث عن دورها في التقاضي وفض المنزاعات بما يضمن حقوق الأطراف، حيث أكد الباحث في التراث الحساني، بوزيد لغلى، في حديثه لـ”آشكاين”، أن “تأثير فقهاء زاوية أسا في وسطهم الاجتماعي، يتجلى في كونهم كانوا يمثلون سلطة يتم التحاكم إليها واستفتاؤها في مختلف النوازل، وخاصة منها قضايا الأسرة من زواج وطلاق وميراث ونحوه”.
وحسب لغلى، فإن هذا الحاكم إلى الفقهاء “لا يعني بتاتا أن الفقهاء كانوا هم الجهة الوحيدة التي يجري التحاكم إليها، إذ أثبتت بعض الوثائق أن الناس ظلوا إلى عهد قريب يتحاكمون إلى مجالس عرفية يتم التراضي على إنشائها، كمجلس أيت لربعين، فضلا عن أن التقاضي في الحقبة الاستعمارية عهد به إلى الحاكم الأجنبي الذي كان يعتمد مجالس للقضاء إبان انعقاد الموسم السنوي للزاوية”.
التقاضي بالعرف و”الجماعة”
ويرى المتحدث أن “القضاء الذي يمارسه الفقهاء بزاوية أسا يتجاور مع التحاكم إلى العرف، تمارسه “الجماعة”، مشيرا إلى أن “الدارس لمؤسسات أهلية من قبيل مؤسسة “اجماعة” يدرك تأثيرها البالغ في معاملات الناس وفض نزاعاتهم”.
وأضاف المتحدث أن “صاحب “جوامع المهمات في أمور الرقيبات أكد أن “الجماعة عندهم تقوم مقام الحاكم، وتنزل وثيقة عرف أيتوسى(أيت لربعين) الجماعة منزلة أهل الحل والعقد، وتبرر اعتماد العرف بكون البلاد سائبة، كما تشير إلى تنوع الأحكام الواردة فيها إلى ما هو موافق للشريعة، وما اتخذ سدا للذريعة وردءاً للمفسدة”.
أحكام ضد مستعملي السلاح
واستدل لغلى بما “لاحظه الأستاذ الباحث رحال بوبريك بكون “جل النصوص العرفية هناك إرادة إضفاء طابع الشرعية الدينية عليها، فالجماعة تقوم بتكليف فقيه أو قاض لكتابة العرف، ولا تقتصر وظيفة الفقيه على كونه موثقا للعرف، بل كشاهد وكمصدر لشرعية العرف الدينية””.
ومما يعزز هذا الطرح ما ذكره نقله الباحث، بكون “العرف في جوهره وفلسفته قائم على التحذير والحيلولة دون ارتكاب الفرد لجريمة ما، وهذا يتجلى في قوانين تعاقب الفرد قبل إقدامه على اعتداء جسدي”.
ومن النصوص القانونية العرفية التي أنشأته زاوية آسا ما جاءت به وثيقة أيت لربعين- أيت أوسا، حسب ما ذكره بوزيد لغلى نقلا عن الباحث بوبريك، ومنها أن “”من وضع يده على سكين ولم يخرجها من جواها يعطي خمسة مثاقيل”،-“و من سل سكينا أو خنجرا ولم يضرب به أحداً، فعليه خمسة ريالات””.
وخلص لغلى إلى أن “شمول هذه الوثيقة للعقوبة المترتبة على جنحة التهديد بالسلاح، يعد تقدماً في التفكير القانوني الجنائي، خاصة إذا أخدنا في الاعتبار أن النص أنتج في بيئة بدوية تتضاءل فيها نسبة التعليم، ولا أدل على ذلك من ورود عدة مصطلحات عامية في النص، ومنها: “جواها” أي غمدها”.
يتبع..
الحلقات السابقة
زوايا الصحراء: خصوصيات تصوفية وتاريخ وأثر
زوايا الصحراء: الوجه الآخر للزوايا..مراكز علم وصلح وفن وكفاح ضد المستعمر
زوايا الصحراء.. أقدم منارة روحية في واد نون
زوايا الصحراء..قصر آسا: ظاهرة البناء بالحجر الغامق وجدل تحويل قبلة المساجد
زوايا الصحراء.. المسجد العتيق بكلميم: خلاف قبيلة مع السلطة على مكان إقامة صلاة الجمعة
زوايا الصحراء .. الزاوية العروسية: زاوية “شيخ الوقت” أذابت خلاف قبائل في عبدة وجنبتهم الاقتتال
زوايا الصحراء.. الزاوية السالمية: تصوف نقشبندي من الصحراء المغربية إلى موريتانيا
زوايا الصحراء.. زاوية أهل الليلي: علم وصلاح وحماية المستجير وامتداد من الصويرة إلى شنقيط
زوايا الصحراء .. زاوية الشيخ الولي: وَجَاهَة ورصيد ثقافي وحشد لمقاومة المستعمر الأجنبي
زوايا الصحراء..زاوية أهل لبصير: سياحة صوفية وتفجير حركة تحرير الصحراء من احتلال الإسبان
زوايا الصحراء.. زاوية الشيخ المامي: أمن روحي بين القبائل ونَظْمٌ للسلطان
زوايا الصحراء.. زاوية الشيخ السباعي: وساطة بين العرب والأمازيغ بالصحراء ومقاومة نابليون بمصر
زوايا الصحراء.. الزاوية اللمطية(1): صاحب “ميزان الماء” الذي جنب قبائل بواد نون الاقتتال
زوايا الصحراء ..الزاوية اللمطية (2): ظهائر توقير سلطانية ودار تجارية امتدت إلى السودان
زوايا الصحراء.. زاوية صفية الباركية: علم وفقه وتخريج الطلاب من المغرب إلى موريتانيا
زوايا الصحراء.. الزاوية المعينية(1): نواة بناء السمارة وقاعدة لصد المستعمر الإسباني والفرنسي
زوايا الصحراء .. الزاوية المعينية (2): توحيد قبائل متناحرة ومبايعة السلطان
زوايا الصحراء .. الزاوية المعينية (3): خصوصيات تصوفية حولت الساقية الحمراء إلى مركز تجاري وسياسي
زوايا الصحراء.. مسجد تيغمرت العتيق: مطامر “ذكية” ضمنت الاستقلال والتموين لعقود
زوايا الصحراء.. زاوية آسا.. إشعاع علمي استقطب طلابا أمازيغ وأفارقة من الصحراء وموريتانيا وتونس