لماذا وإلى أين ؟

الإنتاج التلفزي الرمضاني لسنة 2025

مصطفى المصموضي

تعرف شبكة التلفزة المغربية هذه السنة بث عدة إنتاجات فنية ودرامية عبارة عن سلسلة تعرض وقت الإفطار خلال ما يعرف بوقت الذروة في مشاهدة القنوات الوطنية، وكأي مواطن مغربي، لا يمكن تفويت فرصة متابعة هذه الإنتاجات لحظة لمة الفطور كل مساء، ومحاولة التفاعل وفهم القضايا التي يحاول مبدعينا إثارتها، واستيعاب القيم التي يحاولون إيصالها للمجتمع وتربية الأجيال المقبلة عليها. 

هذا الدور القيمي والتربوي الذي يقوم به الإعلام العمومي، كقناة إيدولوجية تعمل في تناغم تام مع مؤسستي المدرسة والفن، فلا يمكن إنتاج قيم اجتماعية كيفما كانت خارج هذا الثالوث. 

لهذا يجب علينا أننطرح السؤال عن نوع القيم التي يريد إعلامنا العمومي تصريفها للمجتمع من خلال الإنتاجات الرمضانية المعروضة على قنواتنا ؟ 

للتفاعل مع هذا السؤال يجب الإحاطة بمضامين رسائل هذه الإنتاجات المعروضة. و قبل القيام بذلك لابد من إبداء الملاحظات التالية ، لأن دورنا كمتتبعين ليس قذف إعلامنا العمومي و إنتاجاته بالورود، بل الوقوف على نواقصه حتى يستطيع المسؤولون عنه الرفع من جودته اكثر .

اولا ، لن يخطئ أي متتبع تكرار حضور وجوه فنية بعينها رغم احترامنا و تقديرنا لها، لدرجة أن نفس الوجوه حاضرة في كل هذه الإنتاجات طيلة  أيام رمضان خلال فترة إقبال المشاهد المغربي عليها في الفترة الممتدة بين الإفطار و منتصف الليل، الملاحظة الثانية، أي مشاهد متمعن سيلاحظ استعمال هذه المسلسلات  نفس أماكن التصوير، بل أماكن استغلت في تصوير إنتاجات السنة الماضية، من  منازل و شقق، تجعلنا نطرح مجموعة من التأويلات للامر، إما أن الدعم الذي يقدم لهذه الإنتاجات يكون شحيحا أو أن المنتجين يحاولون تقليص تكلفة الإنتاج إلى أقصى حد على حساب المشاهد أو أن هناك  جاذبية خاصة لهذه الأماكن بالضبط لا يستطيع اكتشافها الامن يتسلم المبلغ المقابل لاستعمالها. 

الملاحظة الثالثة هو هذا الدور الذي أصبح يتمدد “للمؤثرين “على مواقع التواصل الاجتماعي، الذي وصل الى حد إشراكهم في هذه الإنتاجات دون تجربة إبداعية و دون مراعاة لمدى اتفاق المغاربة مع محتواهم من عدمه، بالمقابل غياب مجموعة كبيرة من الممثلين المسرحيين ذوي التجربة عن المشهد التلفزي، الملاحظة الأخيرة هناك رؤية موجهة تخصص زمن المشاهدة المسائية على طول لهذه الإنتاجات ، دون إدراج برامج  ثقافية و توعوية تمنح من خلالها الكلمة لمثقفينا لنشر المعرفة بدل الاقتصار على التنشيط فأرواحنا أشد حاجة للشعر و المسرح و البرامج الثقافية و الروحية بنفس درجة استمتاعها بالمرح.

بعد إبداء هذه الملاحظات الشكلية و التي تخفي وراءها أكيد رؤية مؤطرة لهذا المشهد بالإعلام العمومي. بعد ابدائها نصل الى مربط الفرس في هذه الوجبة الإنتاجية الرمضانية كلها، و لكي نكون صادقين أكثر لابد من تسمية الأشياء الجميلة بمسمياتها و الاشارة للأشياء المسيئة دون تسميتها، حتى لا نسقط في الابتذال القيمي الذي تريد ابداعاتنا جاهدة إسقاطنا فيه من خلال ما سبق. 

فمن منا لا يتذكر الجدل الاجتماعي الذي عرفته السنة الماضية بسبب بث سلسلة رمضانية أمعنت في التقليل من القيمة الرمزية للأستاذ/ المعلم و الذي نتج عنه استنكارا واسعا و لم يتم إيقاف عرض السلسلة في حينها ، لتطل علينا نفس السلسلة هذه السنة رغم فراغها من أي تيمة اجتماعية أو إبداعية في تحد كبير لرغبة المشاهد و لا مبالات لإمتعاضه. 

فإذا سلمنا مبدئيا أن الفن بصفة عامة يقوم برصد ظواهر المجتمع و محاولة معالجتها بطريقة إبداعية أو التنبيه لها بطريقة هادفة أو في حالات أخرى رصد بعض السلوكياتالاجتماعية و بلورتها في قوالب فكاهية تخرج المشاهد من واقع الرتابة التي يعيشها إلى لحظات من الضحك على تفاهة الذات الجماعية أو الاعتزاز بها ،فعلى هذا المقاس، لن ينكر أحد إتقان سلسلة الشعيبية و كبور لهذا الشكل الإبداعي كما لا يمكن أن نغفل استمرار سلسلة صلاح و فاتي في القيام بنفس الفعل الإبداعي و إتقان فن اللعب بالكلمات و معانيها  و خلق جو المرح لدى المشاهد دون ابتدال، بل بروح إبداعية متجددة مع توسيع قاعدة المشاركين فيها و إعطاء فرصة لوجوه جديدة للظهور على الساحة الفنية ، و على هذا الاساس لا يمكن سوى تشجيع منتجيها و المشرفين عليها، في مقابل هذه الواجهة المشرقة ،يجب  تسجيل سقوط الإنتاجات الأخرى التي تعرف استحواذها على معظم زمن المشاهدة المسائي، في بث مشاهد غير مناسبة لتربية النشئ و كانت الدافع لكتابة هذا المقال، يمكن إيجازها في ثلاث لحظات تلخص نوع الصورة المجتمعية التي يريد إعلامنا من خلال هذه الإنتاجات الرمضانية  ترسيخها في عقول المشاهدين في غياب رؤية نفسية و اجتماعية، فإذا كان الإبداع كما سبق الإشارة إلى ذلك يرصد الظواهر المجتمعية، فإن تعريف الظاهرة سوسيولوجيا عند اميل دوركايم باعتباره أول من عرفها و درسها  هي  كل ضرب من السلوك ثابت أو غير ثابت يباشر أو أي سلوك يعم المجتمع بأسره وله وجود خاص مستقل عن الصور التي يشكل بها الحالات الفردية، من هذا المنطلق لا يمكن تصنيف مشاهد حصول قاصر على هاتف بمساعدة صديقتها لتسهيل استغلالها، إثارة لظاهرة أو معالجة لها فليس في المشهد من المعالجة سوى فتح أعين القاصرات على هذا الفعل كفعل ممكن ، نفس الأمر نلمسه في مشهد تشجيع الأب لابنه على السرقة.

اعتقاد المنتج بإدراج هذه المشاهد ينبه إلى المشكل اعتقاد جانب الصواب بالمرة لأن الرسالة ذو حدين خصوصا لدى القاصر فالمشهد ربما فتح أعين القاصر على قبول أفعال ممكنة للحصول على المبتغى في غياب الرقابة الأبوية أوبتشجيع منهم و هو أمر مرفوض إبداعيا، في مفارقة غريبة تصور الأم كسيدة تهتم بتربية ابنها تربية حسنة في المقابل يشجع الأب على التربية السيئة، تقديم المنتج و القنوات التلفزية لمشاهد تفاضل فيها بين الأم و الأب خلال مرحلة يعرف المجتمع  مناقشة مدونة الأسرة يجعلها رسالة غير بريئة بالمرة و متحيزة للمرأة و متماهية  مع رؤية الحكومة للموضوع في شخص وزير العدل .

نفس التماهي نلمسه من خلال تصوير الإصلاحيات على أساس أنها مكان جميل يتمتع فيه الأطفال بلحظات الترفيه و ليس مؤسسة عقابية / إصلاحية كما يجب أن تصور لرفع مستوى الردع الرمزي الذي تمثله، أعتقد أنها من أضر المشاهد بالمجتمع و المشاهد فقد قام من خلالها المنتج أو السيناريست بمحاولة تجميل وجه المؤسسة السجنية  و في المقابل أضر بالمجتمع رغم أنه لم يكن مرغما على ذلك، فعندما تطغى المصلحة على الأخلاق نقتل المجتمع و الوطن.

الآراء الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي آشكاين وإنما عن رأي صاحبها.

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

0
أضف تعليقكx
()
x