2024 © - أشكاين جميع الحقوق محفوظة - [email protected]

تضع جريدة “آشكاين” الرقمية بين يدي قرائها الأعزاء سلسلة رمضانية جديدة حول تاريخ الأقاليم الجنوبية للمملكة، من خلال سلسلة ثقافية تغوص في تاريخ الزوايا والرباطات والمساجد التاريخية العتيقة في الصحراء المغربية، عبر بوابة برنامجكم “زوايا من الصحراء”، الذي يعده ويقدمه الصحافي أحمد الهيبة صمداني.
وسنحاول خلال هذه السلسلة الثقافية الرمضانية نفض الغبار عن تاريخ التصوف وتمظهراته في الزوايا والمساجد و”المَحاظر” وارتباطاتها القبلية وخصوصياتها في الصحراء المغربية، علاوة على أدوارها الدينية والتاريخية والاجتماعية بالمنطقة على مر التاريخ، عبر بثها للأمن الروحي في المنطقة، وفض المنازعات القبلية وتكوين الطلبة والمردين، دون أن ننسى أدوارها في مكافحة المستعمر.
وسنواصل في هذه الحلقة (22) الحديث عن زاوية آسا من خلال النبش في مناقب الطريقة التصوفية الاتي اتبعتها لتكون المريدين وبناء مدرسة عسكرية سيكون لها ما بعدها.
وفي هذا السياق، يرى الباحث في التاريخ المعاصر، سعيد عدي، أنه “يمكن التمييز في الدور الجهادي الذي اطلعت به زاوية آسا بين مرحليتن أساسيتين المرحلة الأولى هي المرحلة الدعوية، والثانية هي المرحلة الجهادية، وتنقسم بدورها إلى شقين الأول على عهد الشيخ يعزى والثانية قادها أبناءه وأحفاده من بعده”.
خطاب تصوفي جمع بين الكرامات والخوارق
وحسب عدي، في حديثه لـ”آشكاين”، فقد “ارتكز رباط زاوية آسا على مبادئ التصوف والورع والزهد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهي الأرضية التي تحلق حولها المريدون الذين قصدوا الشيخ من كل الأرجاء، فكانوا يتبركون بملازمته والنهل من علمه وحكمته والتأسي بفعله وتصديق قوله”.
وأكد المتحدث أن “خطابه الصوفي قد جمع بين الإرهاصات والكرامات والخوارق والعلم”، مستدلا بما تضمنته “الارهاصات التي جاءت في مذكراته حين قال: “إن جدتي للأب رأت في منامها وأمي حامل، كأنها أعطيت لوحا من ذهب مكتوبا، فأخبرَت المعبر فقال: إن كنت حاملا فولدك عالم” واسترسل قائلا: ثم لما بلغت ثلاث سنين حدثتهم جدتي للأم أني قد ظهر في من التميز أمر غريب كالاستدلال على التوحيد وقبول ما تلقيته من ذكر المعجزات وأخبار الصالحين، وكانت تربيني لتعلم ذلك وإلقائه إلي ثم ألقتني إلى المكتب وأنا ابن الخمس سنين ولم أهرب منه يوما واحد ولا عجزت على حفظ لوحي ولو في حالة واحدة، وظهر في من الصلاح هداية كبيرة فكانت جدتي تمشيني على ذلك حسب إمكانها فتعلمني الطهارة والصلاة وتحدثني على تقوى الله سبحانه”.

واعتبر الباحث في التريخ المعاصر، سعيد عدي، أن “هذه الإشارات توضح كيف أن الشيخ إعزا تمكن من رسم صورة حبلى بالاستقامة والكارزمة والعلم والصلاح والزهد في متاع الدنيا ما من شأنه أن يجعبه مؤهلا لقيادة مشروع مجتمعي متكامل دون غيره، وأضاف متحدثا عن توبته وحدث التقائه برجل صالح خلال المسجد دعاه إلى الجلوس فآنسه وبشره بتتويج رباني”.
ومن بين الكرامات المنسوبة إلى الشيخ، يقول عدي إنها “دنت من المبالغة أكثر منه إلى فرضية التصديق مثل تحكم سلالة الشيخ في المياه الباطنية، وإنجازات أخرى مثل اختراع البارود، والتي علق عليها المختار السوسي مفندا؛ بأن أولية البارود معروفة”.
وشدد على أن “بعض ما نسب للشيخ من كرامات أريد به إعلاء شأنه لكسب المزيد من المريدين، وقد تسنى له ذلك والتف حوله الأتباع، ولعل ما ورد في نص المرغيتي دليل قوي على ذلك، حيث جاء فيه قوله: “وتوجهت له الخلائق، ووجلت له القلوب محبة له، وأشرقت له النفوس بطاعة تحقيق الاستغاثة من الرؤوف الحنان المنان، وكان منتجع الضعيف الطالب، وميسرا به رجوع العاسف الهارب، وأجرى الله عليه إحسانه المعهود”.
مشروع جهادي
“بعد أن استتب له الأمر”؛ يسترسل عدي “انتقل الشيخ إلى المرحلة الموالية والحاسمة في مشروعه الجهادي”، ولعل ما يعزز هذا الطرح، حسب المتحدث “ما جاء في نص أوديت دي بويكودو من أن زاوية أسا ومدرسة محمد الشبكي تمكنتا بفضل شهرتهما من “استقطاب عدد من أهل الصلاح”.
ولفت الانتباه إلى أن “الأمر يتعلق بـ”صلحاء أسا”، الذين التحقوا خلال القرن الخامس عشر بجيش من المحاربين، فخاضوا معهم جهادا ضد الإسبانيين والبرتغال وتمكنوا من طردهم من قلاعهم الساحلية التي كانت منطلق حملاتهم لنشر الخراب داخل البلاد” .
رجل محارب ومدرسة عسكرية
وأبرز عدي، أن “جاك مونيي وصف الشيخ محمد إعزا ويهدى، بأنه رجل حربي، أو ملهم الحرب من خلال هيئته وقوامه، وأوردت أوديت دي بويكودو على أنه أوتي بسطة في الجسم، طوال، كث اللحية، واسع الصدر، محارب لا يشق له غبار، شجاع، كان مستجاب الدعوة، يجير من استجاره”.
لم تقف اهتمامات الشيخ إعزا عند ما سبق، ضيف الباحث عدي بل اهتم أيضا “بتأسيس مدرسة عسكرية، علّم فيها إلى جانب الفروسية مختلف الفنون الحربية، بما فيها استعمال الأسلحة المتطورة، حيث كان إلمامه بمجموعة من العلوم من بينها الكيمياء عاملا مساعدا له على ذلك، فوظف مداركه في تطوير وتجهيز جيشه والتخطيط لمساره الجهادي مع أن البدايات الأولى للحركة ارتكزت على مبادئ دينية”.
يتبع..
الحلقات السابقة
زوايا الصحراء: خصوصيات تصوفية وتاريخ وأثر
زوايا الصحراء: الوجه الآخر للزوايا..مراكز علم وصلح وفن وكفاح ضد المستعمر
زوايا الصحراء.. أقدم منارة روحية في واد نون
زوايا الصحراء..قصر آسا: ظاهرة البناء بالحجر الغامق وجدل تحويل قبلة المساجد
زوايا الصحراء.. المسجد العتيق بكلميم: خلاف قبيلة مع السلطة على مكان إقامة صلاة الجمعة
زوايا الصحراء .. الزاوية العروسية: زاوية “شيخ الوقت” أذابت خلاف قبائل في عبدة وجنبتهم الاقتتال
زوايا الصحراء.. الزاوية السالمية: تصوف نقشبندي من الصحراء المغربية إلى موريتانيا
زوايا الصحراء.. زاوية أهل الليلي: علم وصلاح وحماية المستجير وامتداد من الصويرة إلى شنقيط
زوايا الصحراء .. زاوية الشيخ الولي: وَجَاهَة ورصيد ثقافي وحشد لمقاومة المستعمر الأجنبي
زوايا الصحراء..زاوية أهل لبصير: سياحة صوفية وتفجير حركة تحرير الصحراء من احتلال الإسبان
زوايا الصحراء.. زاوية الشيخ المامي: أمن روحي بين القبائل ونَظْمٌ للسلطان
زوايا الصحراء.. زاوية الشيخ السباعي: وساطة بين العرب والأمازيغ بالصحراء ومقاومة نابليون بمصر
زوايا الصحراء.. الزاوية اللمطية(1): صاحب “ميزان الماء” الذي جنب قبائل بواد نون الاقتتال
زوايا الصحراء ..الزاوية اللمطية (2): ظهائر توقير سلطانية ودار تجارية امتدت إلى السودان
زوايا الصحراء.. زاوية صفية الباركية: علم وفقه وتخريج الطلاب من المغرب إلى موريتانيا
زوايا الصحراء.. الزاوية المعينية(1): نواة بناء السمارة وقاعدة لصد المستعمر الإسباني والفرنسي
زوايا الصحراء .. الزاوية المعينية (2): توحيد قبائل متناحرة ومبايعة السلطان
زوايا الصحراء .. الزاوية المعينية (3): خصوصيات تصوفية حولت الساقية الحمراء إلى مركز تجاري وسياسي
زوايا الصحراء.. مسجد تيغمرت العتيق: مطامر “ذكية” ضمنت الاستقلال والتموين لعقود
زوايا الصحراء.. زاوية آسا.. إشعاع علمي استقطب طلابا أمازيغ وأفارقة من الصحراء وموريتانيا وتونس
زوايا الصحراء.. زاوية آسا(2): فقهاء قضاة شرّعوا أحكاما عرفية للمعاقبة على التهديد بالسلاح