لماذا وإلى أين ؟

نساء الإسلام: حديث منسوب للرسول (ص) استُغل لإقصاء النساء سياسيا.. ما صحته وفي أي سياق ظهر؟ (ح 22)

تتناول سلسة “نساء الإسلام” واقع المرأة في الإسلام، انطلاقا من تسليط الضوء على وقائع تاريخية في كيفية تعامل الرسول (ص) مع زوجاته أولا، ونظرته للنساء بصفة عامة إبان حياته، والمكانة السياسية والاجتماعية التي لعبتها النساء آنذاك، فقد أعطى الرسول محمد طيلة فترة بعثته النبوية، سواء أكان في مكة أو في المدينة، مكانا رئيسا للنساء.

كما تسلط هذه السلسلة الضوء على الواقع الذي أصبحت عليه النساء في الإسلام مباشرة بعد وفاة الرسول، وما ترافق ذلك من أحداث سياسية واجتماعية اقتصادية كبرى، أثرت بشكل كبير على مكانة المرأة..

هي إذن قصص ووقائع عديدة، ستحاول “آشكاين” الوقوف عندها في هذه السلسلة التي تُبث طيلة شهر رمضان، والتي اختير لها عنوان“نساء الإسلام”، وذلك من خلال الاعتماد بالأساس على مؤلفات السوسيولوجية الراحلة “فاطمة المرنيسي”، التي خصصت جزء كبيرا في مشروعها البحثي لهذا الموضوع.

الحلقة 22: حديث منسوب للرسول (ص) استعمل حجة لإقصاء النساء سياسيا

إن أبا بكرة، حسب البخاري، هو من سمع النبي (ص) يقول: «لن يفلح قوم وَلَوْا أَمْرَهُم امْرَأَةً”.

أبو بكرة صحابي عرف النبي (ص) في حياته، يقال إنه صاحبه كثيرا، بحيث كان في وسعه رواية أحاديث عنه يرجح أنه سمعه وهو يقولها، إن النبي (ص)، وفقا لهذا الصحابي، قال هذا الحديث حين بلغه أن الفرس عينوا امرأة لتحكمهم: “لما أخبر النبي بموت كسرى، قال: من خلفه في الحكم؟ قالوا: أسندوا الحكم لبنته”، ففي تلك اللحظة، زعم هذا الصحابي أن النبي عبر عن هذا التأمل حول النساء.

غير أن هذا الحديث وفق رائدة السوسيولوجيا المغربية الراحلة، فاطمة المرنيسي، لم يُذكر طيلة حياة الرسول (ص) ولا حتى بعد وفاته في فترة الخلفاء الثلاث الأوائل، وإنما تذكره أبو بكرة صدفة بعد مضي أزيد ربع قرن على موت محمد (ص)، وبالضبط في اللحظة التي استعاد فيها علي السيطرة على البصرة، بعد أن هزم عائشة زوجة النبي (ص) في واقعة الجمل، والتي تم تطرق لها بالتفصيل في الحلقتين السابقتين من هذه السلسلة.

وتُضيف مؤلفة الكتاب المثير للجدل “الحريم السياسي – النبي والنساء”، أن هناك وقائع أخرى تذكر فيها أبو بكرة أحاديث أخرى فجأة بعدما مر عقود عليها، وبالضبط في لحظات ذات موضوع بالحديث، فبعد اغتيال علي لم يكن في وسع معاوية الأموي إثبات شرعية ادعائه الحق في الخلافة إلا إذا أعلن الحسن بن علي، تنازله كتابة عن حقوقه في خلافة أبيه. وقد تنازل له عن ذلك.

وفي تلك اللحظة تذكر أبو بكرة حديثا ملائما للغاية وفق ذات الكاتبة، في ظروف سياسية يمكن أن تتطور تطورات غير قابلة للتوقع، فقد سمع، حسب زعمه، النبي (ص) يقول عن الحسن “إن ابني هذا لسيد، ولعل الله أن يصلحه بين فئتين من المسلمين”، ويُرجح أن يكون الحسن رضيعا صغيرا حين قال النبي، جده لأمه، مع أنه لم تكن أيام النبي أدنى إشارة على إمكانية انقسام المسلمين لفئتين أو أكثر بعد وفاته.

وترى المرنيسي، أنه كانت لأبي بكرة ذاكرة مدهشة لتذكر أحاديث سياسية مناسبة تسير بصورة غريبة في منحى التاريخ، وتأتي تباعا لإعطاء شرعية لحجة ورواية الطرف المنتصر في الصراعات الداخلية التي شهدها الإسلام.

وبالإضافة إلى تذكر أبي بكرة أحاديث بعد عقود عليها في لحظات معينة بالذات، تستذكر المرنيسي واقعة حدثت أثناء فترة الخليفة عمر بن الخطاب، أي لما جاء 4 رجال إلى عمر لتقديم اتهام رسمي بالزنى ضد شخصية مشهورة، وكان أبي بكرة أحد الشهود الأربعة، وقد سبق للسلسلة أن ذكرتها في الحلقة 19، إذ لما بدأ بدأ عمر تقصيه، اعترف أحد الشهود أنه لم يكن في الحقيقة متأكدا أنه رأى كل شيء، فجعل شك أحد الشهود الباقين عرضة لخطر عقوبة الجلد على شهادة الزور، وقد جلد فعلا أبو بكرة.

وبناء على هذا ترى ذات الباحثة التي كرست جزء هام من مشروعها الفكري الأكاديمي لهذه المواضيع، أن طالما أبو بكرة هو الوحيد الذي زعم سماع قول الرسول (ص): “لن يفلح قوم وَلَوْا أَمْرَهُم امْرَأَةً”، وسكت عنه طيلة عقود من الزمن، فيجب حسب قواعد الفقه المالكي عدم الأخذ به بنوع من الوثوقية التامة وعدم اعتباره مصدرا للحديث، لأنه تذكره استشهد به في فترة أحد الأطراف له مصالح فيه، وأنه سبق وجُلد حول شهادة زور.

يُتبع..

الحلقات السابقة:

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

0
أضف تعليقكx
()
x