لماذا وإلى أين ؟

”كتَاب أَثَار جدَلا” ”الشيْخ والمُريد” بَيْنَ الطَّاعَة وَالتَّمَرُّد (ح23)

” كتاب أثار جدلا” رحلة في عالم الأفكار الممنوعة، سلسة تنشر على شكل حلقات طيلة شهر رمضان في ”آشكاين”، تتناول مؤلفات خلقت ضجة كبيرة، في السياسة، في الدين، كما في قضايا اجتماعية.

هذه الكتب دفعت مؤلفيها أثمانًا باهظة، بلغت حد التكفير والتهديد بالقتل وتنفيذه أحيانا، وتارة أخرى تدخلت الرقابة وبقيت هذه المؤلفات ممنوعة من التداول لسنوات.

لكنها في المقابل أحدثت ثورة فكرية وخلخلت مفاهيم كانت بمثابة طابوهات لفترات طويلة.

سيكون قراء ومتابعو جريدة “آشكاين” على موعد مع هذه السلسلة طوال أيام شهر رمضان.

الحلقة23: ”الشيخ والمريد: النسق الثقافي للسلطة في المجتمعات العربية الحديثة”

يُعد كتاب “الشيخ والمريد: النسق الثقافي للسلطة في المجتمعات العربية الحديثة” للأنثروبولوجي المغربي عبد الله حمودي، من بين أهم الدراسات التي تناولت بالتحليل العلاقة بين السلطة والمريد في المجتمعات العربية. وقد أثار الكتاب جدلاً واسعاً منذ صدوره، نظراً لما طرحه من أفكار جريئة حول طبيعة السلطة في المجتمعات العربية.

يقدم الكتاب تحليلاً أنثروبولوجياً معمقاً للعلاقة بين الشيخ والمريد، باعتبارها نموذجاً مصغراً للعلاقة بين السلطة والمريد في المجتمعات العربية. كما يستكشف الكتاب آليات السلطة في المجتمعات العربية، وكيفية عملها، وتأثيرها على الأفراد والجماعات.

يرى المريد وأتباع الدولة أن قربهم من تحقيق النجاح يكمن في الولاء والطاعة للشيخ أو الزعيم، وليس في الجهد والعمل الدؤوب. ويتم ذلك من خلال ممارسات وعادات ترسخ هذا الاعتقاد.

العلاقة بين الشيخ والمريد تمر بمراحل متعددة، تبدأ بقطع الأواصر مع الوالدين، وهو ما يُترجم بالتخلي عن القيم الدنيوية، ثم تنتقل إلى مرحلة التلقين، حيث تُدمَّر قوى النفس وتتعارض الشهوات الغريزية، مما يسهّل إخضاع الذات والسيطرة عليها. في هذه العملية، يسلم المريد إرادته بالكامل للشيخ ليتمكن من وراثة سره. وبمجرد أن يرث المريد هذا السر، يبدأ بإعادة تكرار نموذج شيخه من حيث السلوك والسلطة، مُعيدًا بذلك إنتاج الدور التقليدي نفسه. وبهذا الشكل، تصبح ثنائية الشيخ والمريد آلية لتثبيت السلطوية واستدامتها عبر الأجيال.

يعتبر الباحث عبد الله حمودي أن العلاقة بين الشيخ والمريد تأخذ بُعدًا ثقافيًا وإنثروبولوجيًا عميقًا يؤثر على كافة نواحي الحياة الاجتماعية، ليُصبح النموذج الأرستقراطي للزاوية انعكاسًا مكبرًا لتلك الثقافة. وفق هذا الفهم، تتحول الدولة تدريجيًا إلى ما يشبه زاوية ضخمة تُكرّس ثقافة الخضوع والطاعة.

نسق الشيخ والمريد، كما يؤكد الكاتب، يعكس بنية سياسية عميقة تُحدد طبيعة الممارسة السياسية في العديد من الدول العربية. القرار السياسي يُحصر غالبًا في يد فئة صغيرة من الرجال، بروز شخص واحد منهم يمثل السلطة المركزية.

من زاوية تحليلية ونفسية عميقة، يشير حمودي إلى أن تبعية المريد للشيخ تتجذر في اللاوعي الجمعي العربي. الشيخ يرمز إلى المثال الروحاني والمثالي العاطفي في الوعي العربي، وهو ما يجعل الثقافة السلطوية متمسكة بهذا النسق. يعود هذا التشبث إلى رفض مواجهات نقدية مع التاريخ والخوف من تجاوز التصورات التقليدية للدولة، والتي تُعتبر إطارًا لتربية الإنسان وترسيخ قيم الحرية والديمقراطية ومراقبة تعسف السلطة واستبدادها.

حمودي يدخل أيضًا في نقاش نقدي مع التراث الأكاديمي الكولونيالي. عبر كتابه “الشيخ والمريد”، يبرز القصور الواضح في فهم هذا التراث لما يجري في المجتمع المغربي ويؤكد على الضبابية والانبهار الساذج الذي ولّد معرفة متسرعة عن البلاد.

يتناول المؤلف مفاهيم طمسها الانتروبولوجيون الكولونياليون، خاصة ذلك الفصل بين مجتمع الدولة ومجتمعات اللادولة. على العكس من النظريات التطورية التي تفترض خطًّا زمنيًا تصاعديًا يؤدي إلى ظهور الدولة الحديثة، يرى حمودي أن الدولة المغربية الراهنة تمثل عملية توافق بين قيم تقليدية سلطانية وأنماط تكنو-بيروقراطية موروثة من عهد الحماية. هذه التوليفة أدت إلى بروز نسق سياسي غير مكتمل ومتضارب بين القيم التاريخية والتوجهات السياسية المعاصرة، مفضية إلى واقع تجد فيه الدولة نفسها عالقة بين التقليدية والحداثة دون وجود نموذج واضح ينتمي لأي منهما.

كخلاصة، يتناول الكتاب قضايا مثل الطاعة، والخضوع، والتسلط، والاستبداد، وكيفية تشكلها في المجتمعات العربية. ويقدم الكتاب تحليلاً نقدياً للثقافة السياسية في المجتمعات العربية، وكيفية تأثيرها على العلاقة بين السلطة والمريد.

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

0
أضف تعليقكx
()
x