2024 © - أشكاين جميع الحقوق محفوظة - [email protected]

أساطير طنجة، سلسلة يعدها الصحافي عبد الله الغول، تستكشف أغرب الحكايات الشعبية والأساطير التاريخية التي تدور في فلك مدينة طنجة… حلقاتها تجمع بين السرد الأسطوري والمعطيات التاريخية… تلتقون معها طيلة شهر رمضان في حلقات يومية مثيرة ومشوقة.
الحلقة 24 :
كان البحر دائماً مصدراً للأساطير التي يرويها الناس في طنجة والمناطق الساحلية الأخرى. ومن بين أكثر القصص إثارة للرعب والغموض، هناك “الجن الغواص”، كائن يُقال إنه يسكن أعماق البحر ويتحول إلى أشكال بشرية ليخدع الغواصين والبحارة. في كل ليلة هادئة، حين يخيم الظلام على المياه، تبدأ الحكايات عن لقاءات غريبة مع هذا الكائن الذي يعيش في الدوامات والمغارات تحت الماء.
سمعتُ هذه القصة من بحّار ستيني التقيت به على شاطئ طنجة، التقيته ذات ليلة ربيعية حين كنت أراقب صيادين ينتشلون الشباك ليلا من الشاطئ البلدي، وكان هو يجلس هناك، يراقب الأمواج وكأنه يستعيد ذكريات قديمة.
أخبرني السي أحمد بعدما “دينا وحينا فالكلام على البحر وخطورته”، أن :“البحر عمره ما كيرحم، وكاين بلايص خاصك ما تقربشي ليهم، بحال ‘عين البحر’ اللي كلشي البحارة كيهربو منها. أنا واحد النهار طحت فهاد الفخ…” وهنا بدأ يحكي قصته، التي تملؤها رهبة التفاصيل.
كان ذلك في ليلة صيفية هادئة، عندما قرر الغوص لجمع شباكه من منطقة قريبة من شاطئ بوهندية المعروف بصخوره وكهوفه المتشعبة، المكان الذي يدّعي البحارة أنه مسكون. قال لي: “غير غطست، حسيت ببرد غريب، بحال شي ريح خارجة من قاع ما كتعرف فين كيوصل. كنت كنخدم على شباكي حيت حصلو فشي حجر، حتى حسيت بشي حاجة شداتني من رجلي. ماشي تيار ولا حجرة، كان بحال شي يد كتجرّني لوسط الضلام.”
صعد البحّار إلى السطح مذعوراً، لكنه لم يجد نفسه وحيداً. فجأة، سمع صوتاً ناعماً أشبه بنداء استغاثة: “آجي… آجي عاونّي!” وعندما نظر نحو الصوت، رأى ما بدا كفتاة صغيرة تطفو على سطح الماء. “قلت مع راسي راه غرقانة خاصني نعاونها، ولكن مني قربت ليها…” توقف البحّار للحظة وكأن الذكرى عادت لتثقل عليه، ثم أكمل: “وجهها تبدل قدامي، ولّى أسود، وعينيها بحال الجمر، شدتني بيدها وبغات تغرقني معاها!”
في تلك اللحظة، تذكر نصيحة البحارة القدامى: “إلا طحتي مع شي جنّ فالبحر، قرى آية الكرسي بصوت قوي.” بدأ البحّار يرتل آية الكرسي بصوت مرتجف، وكلما قرأ كلمة كان يشعر بالقبضة تخفّ حتى اختفت تماماً، وعاد البحر هادئاً كأن شيئاً لم يكن.
ختم البحّار حكايته وهو ينظر إلى البحر: “هاد البلايص ماشي ديال البشر، خاصنا نحترمو البحر وديما نقولو بسم الله، حيث ما كتعرفش شنو كيتسناك فالفوندو.”