2024 © - أشكاين جميع الحقوق محفوظة - info@achkayen.com
الإيمان جسر التواصل بين الفلسفة والدين

سعيد الغماز
يقول الفيلسوف المغربي طه عبد الرحمان “ما يوجد فيلسوف إلا وهو مؤمن، عارف بذلك أو لم يعرف… وإن ادعى في أفكاره الإلحاد”. المعرفة الدينية المرتبطة بالإيمان أو القوة الفوق مادية بالتعبير الفلسفي، نجدها غالبا ما تؤطر المنهجية الفكرية لمعظم الفلاسفة. هذا ما سنحاول نقاشه من خلال أفكار ثلاث فلاسفة يُصنفون في خانة الفكر الإلحادي: نيتشه وسبينوزا و هايدوكير.
يقوم الفكر الديني على أساس قوة خارقة وراء هذا العالم المحسوس الذي نعيش فيه. هذه القوة الخارقة تعكس روح الإيمان بوجود خالق للكون، وهو ما تصفه الفلسفة بالميتافيزيقا. هذه القوة الخارقة هي الله في الديانات السماوية أو الرب حسب تعبير الدين المسيحي. كما أنها قوة تتجسد في معتقدات أخرى كالطاوية والبوذية والكونفوشيوسية في الأرواح، والصفاء، والسلام الداخلي، والفضيلة، والقوة الطبيعية، والرجل النبيل… وأمور أخرى.
إذا كان هذا هو الفكر الذي يقوم عليه المعتقد الديني، فإننا نجده كذلك في الفلسفة المادية، وإن كانت تزعم الإلحاد وتُسيِّج تفكيرها في العالم المحسوس.
بالنسبة للفيلسوف نيتشه الملقب بأب الإلحاد، فإننا نجد في فلسفته مفهوم “الإرادة العليا” التي أنتجت الإنسان العالي أو “سوبيرمان”. وهو ما يعكس تأثر فلسفة نيتشه بالمعتقدات الدينية المتمثلة في القوة الخارقة. المعروف عن نيتشه عدائه الكبير للكنيسة، وهو ما جسده في مقولته الشهيرة “موت الإله”، أي موت الكنيسة. وكانت كل أفكار نيتشه مهتمة بتقويض الفكر الكنسي، ومحو كل أثر لهذا الفكر من المجتمع الألماني. لكن نيتشه تنبأ إلى أن إبعاد الكنيسة وإخراجها من المجتمع، سيخلق فراغا مضرا بمصلحة المجتمع ويهدد وجوده وكينونته. فكما الطبيعة لا تحب الفراغ، المجتمع هو الآخر لا يمكنه العيش بلا توجيه فكري، فلسفي كان أم ديني.
لذلك ذهبت أفكار نيتشه إلى ابتكار مفهوم “إرادة القوة”، لتعويض الدور الذي يقوم به الفكر الكنسي. هذا المفهوم أوصل الفيلسوف إلى نظرية “الإنسان الأعلى” أو السوبيرمان. هكذا نجد المنطق الديني، لبنة تقوم عليها فلسفة نيتشه.
نفس الشيء نجده في فلسفة سبينوزا. فالقوة الخارقة التي يقوم عليها المنطق الديني، حاضرة بشكل جلي في فلسفة سبينوزا. وهو الأمر الذي يُعبر عنه هذا الأخير ب”الجوهر الواحد” الذي يفسر به الوجود والطبيعة. وبتعبير آخر يمكننا القول إن سبينوزا يعتبر الإله متجسدا في الآليات التي تتحكم في العالم وتسيره. هكذا يتبين لنا جليا أن المنطق الديني حاضر كذلك في فلسفة سبينوزا.
عالم الاجتماع والمتخصص في اللغة هايدوكير، يقول عنه طه عبد الرحمان “مؤمن لا يعرف نفسه، وفي الظاهر هو يعرف ذلك ولا يُقِر به”، لأنه يستعمل معاني إيمانية في الكثير من أفكاره. فهو الآخر لم تخل فلسفته من المنطق الديني المتجسد في القوة الخارقة، وخاصة الدين المسيحي الذي احتك به هايدوكير بشكل مباشر. فحين يتفلسف في اللغة يستعمل نفس المعاني الدينية، كحديثه عن الصفاء الروحي، وهو مفهوم ديني كَنَسِي بامتياز.
في الأخير نشير إلى أن أصل التفكير الإنساني هو هذه الظواهر التي تنتشر في العالم المحسوس، من قبيل الزلازل والفيضانات والحرائق… وهي ظواهر كان العقل البشري عاجزا عن استيعابها بل وحتى فهمها، لذلك تعلق عقله بقوة خارقة تتحكم في العالم. كما أن هذه الظواهر كانت وراء تطور فكر الإنسان، نظرا لكونه يُجهد عقله لمحاولة فهم واقعه ومحيطه.
كانت هذه القوة الخارقة هي أول المواضيع والمباحث التي اهتمت بها الفلسفة، إن لم نقل هي أصل ظهور الفكر الفلسفي. لذلك نجد الكثير من الأفكار الفلسفية، مهما بلغت من العمق، متأثرة بالفكر الديني.
إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبر بالضرورة عن رأي آشكاين وإنما عن رأي صاحبه
لكل فلسفة دين ولكل دين فلسفة، والفارق بين الفلسفات هو في شكل الدين الذي تؤمن به كل فلسفة، و الفارق بين الاديان هو في شكل الفلسفة التي يدافع عليها كل دين.
الفيلسوف مؤمن رغم أنفه حسب طه عبد الرحمان!!!!! لو سمعك نيتشه او سبينوزا او كانط نار رئيسي هه