لماذا وإلى أين ؟

زوايا الصحراء.. زاوية آسا(6): 366 وليا وامتداد روحي لإفريقيا حولت المنطقة لـ”قبلة ثانية بعد الحج”

تضع جريدة “آشكاين” الرقمية بين يدي قرائها الأعزاء سلسلة رمضانية جديدة  حول تاريخ الأقاليم الجنوبية للمملكة، من خلال سلسلة ثقافية تغوص في تاريخ الزوايا والرباطات والمساجد التاريخية العتيقة في الصحراء المغربية، عبر بوابة برنامجكم “زوايا من الصحراء”، الذي يعده ويقدمه الصحافي أحمد الهيبة صمداني.

وسنحاول خلال هذه السلسلة الثقافية الرمضانية نفض الغبار عن تاريخ التصوف وتمظهراته في الزوايا والمساجد و”المَحاظر” وارتباطاتها القبلية وخصوصياتها في الصحراء المغربية، علاوة على أدوارها الدينية والتاريخية والاجتماعية بالمنطقة على مر التاريخ، عبر بثها للأمن الروحي في المنطقة، وفض المنازعات القبلية وتكوين الطلبة والمردين، دون أن ننسى أدوارها في مكافحة المستعمر.

وستنطرق في هذه الحلقة (25) لإتمام الحديد عن الإشعاع الروحي لزاوية آسا في مناطق سوس ووادنون وباني ودرعة وامتداده الإفريقي، ورصيدها الروحي بناء على ما راكمته المنطقة من وفرة أولياء حملتها لقب القبلة الثنية بعد الحج.

وفي ختام حديثنا عن زاوية آسا، أكد الباحث في التاريخ، الحسين حديدي،  أن “منطقة آسا اشتهرت بمكانتها الروحية قبل وبعد مجيء مؤسس الزاوية الشيخ إعزى ويهدى، حيث وفرة الأولياء بها الذين بلغ عددهم حسب الرواية الشفوية 366 ولي”.

ويرى حديدي، الذي تحدث لـ”آشكاين”، أن “لهذا العدد من رمزية ودلالة، وربما يوحي عدد الأولياء بعدد أيام السنة الميلادية، حيث تنتشر قبور بعضهم في عدة أماكن من مدينة آسا، وأشهرهم الشيخ محمد الشبكي، وسيدي صالح وسيدي سالم وسيدي بولسرار، وسيدي يافين، فضلا عن الولي الشيخ إعزى ويهدى صاحب رباط آسا الذي اشتهر بعلمه وصلاحه، وإصلاحه بين الناس”.

الباحث في التاريخ، الحسين حديدي

وأشار إلى أن  “رباطه الشيخ إعوى ويهدى تحول تدريجيا إلى معلمة ثقافية وزاوية علمية وروحية شاع صيتها في سماء آسا وخارجها في المجالات المجاورة، إلى جانب وجود مواقع ذات بعد ديني وقدسي بآسا مثل موقع أوري الأنبياء”، منبها أن “القول بأن آسا شكلت القبلة الثانية بعد الحج لصيتها الروحي الذي يشمل المكان ويمنحه قدسية عند سكانها والوافدين إليها”. 

وأفاد المتحدث أن “فريضة الجهاد مكنت انطلاقا من زاوية آسا التي قام بها أحفاد وأتباع الشيخ إعزى ويهدى ضد الكفار والروافض، وتحصينا للمناطق الساحلية المجاورة من هجومات الإيبيريين، من تجاوز مجالهم الآساوي جغرافيا إلى تخوم المناطق السوسية والدرعية شمالا وشرقا وغربا، إحياء لهذه السنة، ودفاعا عن دار الإسلام من كيد النصارى”.

وأضاف حديدي أن “هذا الطرح أكده محمد المختار السوسي، بناء على ما عثر عليه من معلومات في إحدى الوثائق الخاصة بجهاد آل إعزى ويهدى ومن والاهم من زاويتهم بآسا، بقوله ما نصه:”وتلك البلاد كلها لهم من ذلك المكان إلى زمول هو وإخوانه أيت إيعزى ويهدى وكانوا يحرثون المعادر  كلها، فلما هزموا النصارى من زاكورة من واد درعة ملكوها بالكلية وذلك آخر الفتوحات، ومن قبل زاكورة يحرثون وادي درعة كلها ويستغلون من الخنك الذي برأس لكتاوة والغزلان إلى أمام زاويتهم بأسَا ومن ثمّ إلى واد نون إلى الساقية الحمراء بلا منازع””.

ويكشف هذا النص، حسب الباحث دائما عن “شساعة المجال الإقتصادي والروحي لزاوية آسا، والتي بسطت نفوذها على المنطقة الممتدة من زاكورة ومحاميد الغزلان في الشمال الشرقي على طول الواحات الدرعية إلى حدود الساقية الحمراء جنوبا”.

ومما يزكي هذا النفوذ، يضيف حديدي “اهتمام رواد وتلامذة الزاوية بنشر العلم في الأماكن المذكورة، وربطوا علاقات جيدة مع مشايخ الزوايا الأخرى، كالزاوية الناصرية بتامكروت بدرعة، خصوصا وأن مدينة تامكروت، كمركز تاريخي وديني اشتهرت أكثر بذكر بعض علمائها ومشايخها البكريين المنسبين لآل إعزى ويهدى، ممن تعاقبوا على إمامة الزاوية بدءا من العالم المؤسس سيدي علي أحد أحفاد الشيخ إعزى ويهدى”.

واعتبر الباحث أن “هذا “يوضح أهمية التأثير العلمي والروحي للزاوية في أتباعها الذين شكلوا رسل علم وصلاح لهذه الزاوية في كل الأماكن التي حلوا بها، فضلا عن ما نقله التجار أو الرحل الذين يمتهنون رعي الماشية، كل ذلك وحد تصورات وانطباعات زوار آسا الذين ساهموا في نشر صيت الزاوية ومكانتها في البقاع التي استقروا بها، ومنه المناطق الفلاحية والرعوية حول ضفاف واد درعة والواحات الدرعية وبمنطقة باني”.

لم يقف امتدادها الروحي عند مجالها الآساوي، يقول حديدي بل إن “الشيء نفسه امتد للمناطق السوسية التي حظيت هي الأخرى باهتمام آل إعزى ويهدى، حيث انتشر علمهم بهذه المناطق، وتصدروا للتدريس والجهاد، وسارت مدافنهم شاهدة على ذلك الإمتداد الروحي للأسرة الوهداوية، وعنوانا على ذلكم الإشعاع العلمي بين سوس ووادي نون، حيث انتشر أبناء وأحفاد الولي الشيخ إعزى ويهدى في المناطق السوسية وعلى طول السواحل الأطلسية القريبة من وادي نون، خاصة مناطق أيت باعمران، والمداشر القريبة من كلميم مثل إفران الأطلس الصغير، وإكيسل وزريويلة وبونعمان وفاصك”.

وخلص إلى أن هذا الانتشار مرده “اهتمامهم  الأسرة الوهداوي بالدفاع عن الإسلام وتصديهم للغزو الإيبيري بالسواحل الأطلسية المغربية منذ القرن 15م، في فترة عرف فيها المغرب تكالب القوى الإيبيرية على سواحله بعد حركة الاكتشافات الكبرى، مما دفع القائمين على التصوف المغربي من شيوخ وأرباب الزوايا الصوفية إلى تعميق قيم الجهاد وإعلاء كلمة الله، ومنه ما أقدمت عليه الأسرة الوهداوية بآسا”.

زوايا الصحراء: خصوصيات تصوفية وتاريخ وأثر

زوايا الصحراء: الوجه الآخر للزوايا..مراكز علم وصلح وفن وكفاح ضد المستعمر

زوايا الصحراء.. أقدم منارة روحية في واد نون

زوايا الصحراء..قصر آسا: ظاهرة البناء بالحجر الغامق وجدل تحويل قبلة المساجد

زوايا الصحراء.. المسجد العتيق بكلميم: خلاف قبيلة مع السلطة على مكان إقامة صلاة الجمعة

زوايا الصحراء .. الزاوية العروسية: زاوية “شيخ الوقت” أذابت خلاف قبائل في عبدة وجنبتهم الاقتتال

زوايا الصحراء.. الزاوية السالمية: تصوف نقشبندي من الصحراء المغربية إلى موريتانيا  

زوايا الصحراء.. زاوية أهل الليلي: علم وصلاح وحماية المستجير وامتداد من الصويرة إلى شنقيط

زوايا الصحراء .. زاوية الشيخ الولي: وَجَاهَة ورصيد ثقافي وحشد لمقاومة المستعمر الأجنبي

زوايا الصحراء..زاوية أهل لبصير: سياحة صوفية  وتفجير حركة تحرير الصحراء من احتلال الإسبان

زوايا الصحراء.. زاوية الشيخ المامي: أمن روحي بين القبائل ونَظْمٌ للسلطان

زوايا الصحراء.. زاوية الشيخ السباعي: وساطة بين العرب والأمازيغ بالصحراء ومقاومة نابليون بمصر

زوايا الصحراء.. الزاوية اللمطية(1): صاحب “ميزان الماء” الذي جنب قبائل بواد نون الاقتتال

زوايا الصحراء ..الزاوية اللمطية (2): ظهائر توقير سلطانية ودار تجارية امتدت إلى السودان

زوايا الصحراء.. زاوية  صفية الباركية: علم وفقه وتخريج الطلاب من المغرب إلى موريتانيا

زوايا الصحراء.. الزاوية المعينية(1): نواة بناء السمارة وقاعدة لصد المستعمر الإسباني والفرنسي

زوايا الصحراء .. الزاوية المعينية (2): توحيد قبائل متناحرة ومبايعة السلطان

زوايا الصحراء .. الزاوية المعينية (3): خصوصيات تصوفية حولت الساقية الحمراء إلى مركز تجاري وسياسي

زوايا الصحراء.. مسجد تيغمرت العتيق: مطامر “ذكية” ضمنت الاستقلال والتموين لعقود  

زوايا الصحراء.. زاوية آسا.. إشعاع علمي استقطب طلابا أمازيغ وأفارقة من الصحراء وموريتانيا وتونس

زوايا الصحراء.. زاوية آسا(2): فقهاء قضاة شرّعوا أحكاما عرفية للمعاقبة على التهديد بالسلاح    

زوايا الصحراء..زاوية آسا(3): خوارق وكرامات مهدت لبناء مدرسة عسكرية بالصحراء

زوايا الصحراء.. زاوية آسا (4): حرب على الوثنيين وجهاد ضد المسيحيين

زوايا الصحراء.. زاوية آسا (5): غزو تونس ومعارك في سوس

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

0
أضف تعليقكx
()
x