2024 © - أشكاين جميع الحقوق محفوظة - [email protected]

أساطير طنجة، سلسلة يعدها الصحافي عبد الله الغول، تستكشف أغرب الحكايات الشعبية والأساطير التاريخية التي تدور في فلك مدينة طنجة… حلقاتها تجمع بين السرد الأسطوري والمعطيات التاريخية… تلتقون معها طيلة شهر رمضان في حلقات يومية مثيرة ومشوقة.
الحلقة 27 :
في قلب حي باب مرشان بطنجة، تقف دار قديمة مطلية بالبياض، شاهدة على تاريخ عائلة “لوبران”، إحدى العائلات الفرنسية التي اختارت طنجة موطنًا لها في سنوات ازدهارها كمدينة عالمية. الدار، الواقعة قبالة مدرسة، كانت منزل السيدة “لوبران”، آخر أفراد العائلة الذين ظلوا في المدينة بعد رحيل الباقين.
يحكي الدكتور حمزة المساري في مروياته “أحاديث من باب مرشان”، أن السيدة “لوبران” كانت شخصية غامضة في أعين أطفال الحي. لم يعرفوا جذورها ولا قصتها، بل اكتفوا بمناداتها بـ”اليهودية”، رغم أن حقيقتها ظلت غامضة. عاشت السيدة وحيدة في منزلها، تصاحبها القطط التي أصبحت جزءًا من حياتها اليومية، حتى جاء يوم رحيلها الذي مر دون أن يلحظه أحد.
لم يعرف أهل الحي بوفاتها إلا عندما بدأت رائحة غريبة تنبعث من نوافذ منزلها السفلي. تسللت الرائحة إلى أنوفهم، وأثارت فضولهم وحزنهم في آن. عندما حضر أقاربها بعد تلقيهم الخبر، حملوا معهم حقيبة من الذكريات الحزينة والمفقودة. بدأوا في تنظيف المنزل وإلقاء محتوياته في القمامة: صور بالأبيض والأسود للسيدة “لوبران” أيام شبابها، وصور أخرى لعائلتها، وكمية كبيرة من “الكارط بوسطال” القديمة التي كانت تُباع للسياح تحمل ختم عائلتها.
كانت الصور تروي قصة طنجة في الثلاثينيات، عندما كانت مكتبة عائلة لوبران قبالة مقهى جبل طارق، بجوار الباب التوأم المؤدي إلى حي الصياغين. تلك المكتبة كانت نافذة صغيرة للعالم نحو المدينة، حيث باع أفراد العائلة الصور والتذكارات التي أصبحت جزءًا من تراث طنجة.
أما الأطفال، فقد ظلوا يتسللون إلى نافذة منزلها بعد رحيلها. كانوا يحدقون في مذياعها الخشبي الكبير، وفي الشعر الأبيض الملقى على الأرض الذي أثار حيرتهم. هل كان شعرها الحقيقي؟ أم مجرد باروكة؟ أسئلة ظلت بلا إجابة، لكن القطط التي لم تغادر المنزل بعد وفاتها كانت تضفي جوًا غريبًا، حيث تعيش بين الذكريات والصمت.
تحولت قصة السيدة “لوبران” إلى موضوع لمسامرات أطفال الحي. نسجوا حولها حكايات مليئة بالغموض والخيال، وظلت دارها القديمة رمزا لعائلة تركت بصمتها في طنجة، لكنها رحلت تاركة وراءها ذكريات متناثرة بين الصور والمباني القديمة.
هكذا، تسرد طنجة بصمتها حكايات من مروا بها، عن عائلات مثل “لوبران” التي كانت جزءًا من نسيجها الثقافي والاجتماعي، لكنها الآن مجرد ذكرى في ذاكرة المكان، مجرد أسطورة أخرى في طنجة.