2024 © - أشكاين جميع الحقوق محفوظة - [email protected]
اعتقالات سياسية.. قصة آخر انتفاضة مسلحة عرفها المملكة المغربية

“إعتقالات سياسية” سلسلة رمضانية يعدها الصحافي؛ محمد دنيا، تسلط الضوء على عدد من الإعتقالات والمتابعات والمحاكمات ذات الصبغة السياسية منذ استقلال المغرب، ستغوص بقراء ومتتبعي صحيفة “آشكاين” الإخبارية في التفاصيل الدقيقة لكل قصة من القصص التي أثارتا جدلا سياسيا، حقوقيا وقانونيا في المغرب.
تهدف السلسلة إلى تسليط الضوء على بعض القضايا التي طبعت تاريخ المغرب ووصفت بـ”الإعتقالات السياسية”، يعرف بعضها ويتداول إعلاميا؛ لكن تفاصيلها لا يعلمها إلا القليل من المواطنين الذين ستكون هذه فرصتهم للتعرف على تفاصيل الأحداث ومناقشتها واستنتاج العبر منها.
الحلقة 27:
ننهي سلسلتنا الرمضانية هذه بالتطرق إلى قصة أخرى طبعت تاريخ مغربنا المعاصر، والمتعلقة أساسا بآخر انتفاضة مسلحة عرفها المملكة المغربية، وقضت على الأحلام الثورية التي رافقت عدة أجيال، وهي انتفاضة سنة 1973 المعروفة بـ”أحداث مولاي بوعزة”.
وبناء على المنهجية المعتمدة في سرد أجزاء هذه السلسلة، لابد من الإشارة إلى السياق العام للقصة التي ستناولها. فكما يعرف جل المغاربة فإن الوضع العام في المغرب قبيل انتفاضة 1973 كان على صفيح ساخن، إذ أن البلاد عرفت محاولتين انقلابيتين من طرف عناصر في الجيش المغربي، قادها مقربون من الملك الراحل الحسن الثاني. و بلغ الاحتقان السياسي مداه بين القصر والمعارضة، سواء في جناحها السياسي الذي قاده حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، وما ارتبط به من تنظيمات، خاصة جناحه المسلح الذي كان يضم أفرادا لجوء إلى التراب الجزائري وطلبوا من السلطات مدهم بالسلاح من أجل العودة إلى المغرب.
عند الحصول على شحنات من السلاح الخفيف، عقدوا اجتماعا على الأراضي الجزائرية لتوحيد الأفكار ووضع خطة العمل. في صباح يوم 25 يناير 1973، دخل التراب المغربي موكب يضم أربع سيارات رافعا للأعلام المغربية، يحيل على مواكب الحجاج العائدين من الديار المقدسة، بعد أداء مناسك الحج. لكن هذه السيارات لم تكن تقل حجاجا… بل كان على متنها، 16 عنصرا من عناصر التنظيم المسلح.
بعد دخول إلى الاراضي المغربية، عملت المجموعة المتسللة من الجزائر، بمساعدة أعضاء التنظيم في المنطقة الشرقية، على توزيع أنفسهم ضمن أربع قواعد أساسية، وصنع كميات مختلفة من القنابل ذات الصنع المحلي، وكتابة المنشورات الداعية للثورة وسط السكان، واستطلاع المواقع التي يمكن مهاجمتها، وتدريب بعض الأعضاء على الأسلحة التي سلمت إليهم.
بالموازاة مع الفترة التحضيرية، وفترة الكمون التي استغرقت 37 يوما للمجموعات الأربع، في كل من فكيك وكلميمة وخنيفرة وتنغير، كانت هناك مجموعة من الخلايا الحضرية، التابعة للتنظيم السري، قد شرعت في تنفيذ عمليات مختلفة في كل من وجدة والرباط، منها وضع وضع قنبلة من صنع محلي تحت خشبة مسرح محمد الخامس بالرباط، بتاريخ 2 مارس 1973، والتي لم تنفجر، لضعف الصاعق الذي لم يصل لـ 12 فولت، وزرع قنبلة بقطعة أرض قريبة جدا من مدخل المكتبة الأمريكية، في اليوم ذاته، لكنها لم تنفجر، لعدم وصول شحنتها الكهربائية إلى 12 فولت اللازمة للانفجار.
كانت عمليات المجموعات الحضرية ضعيفة، ولم تخلف الوقع المطلوب. كما أنها عكست حقيقة وجود تناقضات قوية على المستوى التعبوي، والجاهزية القتالية بين الخلايا الحضرية والقروية، إذ أن بعض الخلايا الحضرية كانت تضع قنابل دون الشحنة الكهربائية اللازمة لتفجيرها، بينما كان مقاتلو المجموعات القروية الأربع، مستعدين للموت في مواجهة القوات الأمنية، أو لتناول حبات السم التي كانت في حوزتهم.
موازاة مع استعدادات الدولة المغربية للاحتفال بعيد العرش، قررت المجموعة التحرك من أجل إعلان الإنتفاضة على النظام القائم. لكن أفرادها اختلفوا حول أهداف الهجوم الأول، فبينما رأى البعض ضرورة تنويع الأهداف، والقيام بهجومات صغيرة متفرقة تشمل المنطقة كلها، اقترح آخرون الهجوم على ملحقة مولاي بوعزة، بحجة توفرها على مخزن للأسلحة، سيسهم في تموين المجموعة على المستوى اللوجستيكي، إضافة إلى ضعف الحراسة عليه.
بعد شد وجذب، تم الاتفاق على الهجوم على ملحقة مولاي بوعزة على الساعة الواحدة ليلا من ليلة السبت 4 مارس 1973. وحددت المجموعة هدفها من الهجوم، في الاستيلاء على العتاد وتوزيعه على عناصرها لمهاجمة مراكز أخرى، واعتقال الحارس ثم إطلاق سراحه بعد الاستيلاء على مخزن الأسلحة.
كان عدد المشاركين في هذا الهجوم 23 عنصرا، منهم حسب المحاضر وصك الاتهام ونص الحكم الصادر عن المحكمة؛ محمد أومدة، آيت عمي لحسن، بارو مبارك، حماد بن خدجو، أمزيان أمهروق، الحسين بن خويا، أقمري أوسيدي، أمزيان علي، عقا صالح، موحا أوهوي، العجيني مولود، إبراهيم أعراب، العجياني علي وعبيدي علي.
أنهت المجموعة هجومها في الساعات الأولى من صباح 3 مارس 1973، وعادت إلى منزل أحد أفرادها بعدما فقدت عنصرين تاها عن المجموعة، دون تحصل على الأسلحة الموجودة في المستودع. وفي ظل هذه المعطيات الجديدة، قررت المجموعة الثانية القيام بهجوم على مقاطعة أملاكو لتخفيف الضغط على المجموعة الموجودة بمولاي بوعزة. تبعا لذلك، انقسمت المجموعة إلى ثلاثة مجموعات، وأخذت كل مجموعة طريقها صوب مكانها. كانت التعليمات تقضي بالسير على الأقدام والتخفي عن الأعين، على أساس أن تصلهم الأسلحة عبر الدواب. . لكن لم يكتب لمخطط هذه المجموعة أن يكتمل، إذ حصلت تطورات متسارعة، سقط على إثرها محمود بنونة قتيلا وتفرقت مجموعته في رحلة مطاردات نتعرف عليها في الحلفة القادمة.
يتبع ..
الحلقة 1: نوبير الأموي، من قرى بني أحمد إلى أشهر معتقل نقابي
الحلقة 2: “البوليس السري” يحاصر منزل نوبير الأموي
الحلقة 3: “قطاطعية” الحكومة يرسلون الأموي إلى السجن
الحلقة 4: تطويق المحكمة وسقوط 30 جريحا وترحيل جزائريين في أول جلسات محاكمة الأموي
الحلقة 5: المحكمة ترفض استدعاء أعضاء الحكومة لمواجهة الأموي
الحلقة 6: إدانة الأموي بالسجن و”حجز” ملف محاكمته داخل مكتب
الحلقة 7: حجز ملف الاموي وحصار المحاميين والإعتداء على الصحافيين والحقوقيين
الحلقة 8: الحسن الثاني يخرج الأموي من السجن
الحلقة 9: قضية السرفاتي ومن معه الذين خططوا لقبل الحكم في المغرب
الحلقة 10: محاصرة “الإتحاد الوطني” بعد محاولات الإنقلاب
الحلقة 11: نكران التعذيب ودخول “معارضي الحسن الثاني” الإضراب عن الطعام داخل السجون
الحلقة 12: خروقات محاكمة 139 ماركسيا
الحلقة 13: أحكام تتراوح بين المؤبد و10 سنوات سجنا لعشرات المركسيين المغاربة
الحلقة 14: عفو ملكي وإضراب عن الطعام ينتج عن أول “شهيدة” من داخل السجون المغربية
الحلقة 15: عفو ملكي ينهي معاناة “معارضي الحسن الثاني” داخل السجون
الحلقة 16: انتفاضة “شهداء كوميرا”
الحلقة 17: عشرات القتلى في معركة الإضراب العام ضد الغلاء
الحلقة 18: خروقات قانونية تشوب البحث التمهيدي في قضية معتقلي إضراب “شهداء الكوميرا”
الحلقة 19: متابعة جميع معتقلي في إضراب 1981 في ملف واحد بتهم نفسها
الحلقة 20: أحكام سجنية ثقيلة والنفي من “كازا” في حق معتقلين انتفاضة 1981
الحلقة 21: عزل قاضي بسبب إصدار أحكام مخففة في حق بعض معتقلين انتفاضة 1981
الحلقة 22: قصة حلّ حزب مغربي بسبب “الإلحاد”
الحلقة 23: محاكمة علي يعتة ورفاقه بسبب رفضهم حرب الرمال
الحلقة 24: القضاء يحل ُّ حزب “التحرر والإشتراكية”
الحلقة 25: الدولة تضيق الخناق على رفاق علي يعتة وتمنع جريدة “المكافح”
الحلقة 26: سجن عبد السلام بورقية بسبب انتمائه للحزب الشيوعي المغربي