لماذا وإلى أين ؟

زوايا الصحراء..الزاوية الكنتية(1) وثائق بيعة للسلاطين وتمرد على المستعمر الفرنسي

تضع جريدة “آشكاين” الرقمية بين يدي قرائها الأعزاء سلسلة رمضانية جديدة  حول تاريخ الأقاليم الجنوبية للمملكة، من خلال سلسلة ثقافية تغوص في تاريخ الزوايا والرباطات والمساجد التاريخية العتيقة في الصحراء المغربية، عبر بوابة برنامجكم “زوايا من الصحراء”، الذي يعده ويقدمه الصحافي أحمد الهيبة صمداني.

وسنحاول خلال هذه السلسلة الثقافية الرمضانية نفض الغبار عن تاريخ التصوف وتمظهراته في الزوايا والمساجد و”المَحاظر” وارتباطاتها القبلية وخصوصياتها في الصحراء المغربية، علاوة على أدوارها الدينية والتاريخية والاجتماعية بالمنطقة على مر التاريخ، عبر بثها للأمن الروحي في المنطقة، وفض المنازعات القبلية وتكوين الطلبة والمريدين، دون أن ننسى أدوارها في مكافحة المستعمر.

ونتطرق خلال هذه الحلقة (27) إلى الزاوية الكنتية، وأدوارها في كفاح المستعمر، والعلاقات الروحية والدينية التي جمعتها بسلاطين المغرب عبر البيعة التي وثقتها السائل والمخطوطات.

وفي هذا الصدد، أوضح الدكتور ياسين بن روان  الباحث في التراث الصحراوي المخطوط، أن “الزاوية الكنتية تعد من أهم الزوايا بإفريقيا جنوب الصحراء، فهي ذات مرجعية قادرية جنيدية، وقد أخذها بالسند المتصل الشيخ سيد أعمر الشيخ بن الشيخ سيدي أحمد البكاي الكبير، المتوفي سنة 940هــجرية، دفين واد درعة عن الشيخ محمد بن عبد الكريم المغيلي، المتوفي سنة 920هـجرية، فأصبحت تنسب إليه، وتحملها بعد ذلك الشيخ سيدي أحمد الفيرم بن الشيخ سيد أعمر الشيخ، المتوفي في 970 هـجرية، ودفين واد الحبشي بالقرب من السمارة العالمة بالصحراء المغربية”.

وبعد هذا التسلسل في أخذ مشعل الزاوية، أكد بن روان أن “الطريقة القادرية البكائية استمرت في الانتشار في الصحراء المغربية وعموم إفريقيا انطلاقا من السند الصوفي القادري المغربي الأصيل”.

الدكتور ياسين بن روان  الباحث في التراث الصحراوي المخطوط

“وخلال القرن الثالث عشر الهجري”، يورد الباحث في المخطوط أنه “ظهر ما وصفه بمُجدد الطريقة الشيخ سيد المختار الكنتي الكبير، المتوفي سنة 1226هـجرية، والذي جمع بين المنقول والمعقول، الحقيقة والشريعة، فحاز علوم الوسائل وعلوم المقاصد؛ فدافع عنها وقام بالتأصيل لأورادها في كتابه المشهور ” الكوكب الوقاد في ذكر فضل المشايخ وحقائق الأوراد”، ودافع عن أهل التصوف، وصحح تصورات الناس اتجاه التربية السلوكية في كتابه المخطوط “جذوة الأنوار في الذب عن أولياء الله الأخيار””.

 وأشار الباحث، بن روان، في حديثه لـ”آشكاين”، أن “الشيخ سيد المختار الكنتي زار المغرب والتقى بعلماء سوس وأخذ عنهم وأخذوا عنه، كما ذكر ابنه الشيخ محمد الخليفة  في كتابه” الطرائف والتلائد في كرامات الشيخين الوالدة والوالد”، لذلك كانت الطريقة تنسب إليه؛ فأصحبت تسمى الطريقة القادرية البكائية المختارية”.

وأبرز المتحدث أن “الشيخ سيد المختار الكنتي الكبير  له علاقات قوية مع أمير المؤمنين مولانا سيدي محمد بن عبد الله العلوي، إذا كان يحترم مقامه،  وقد أرسل له رسالة في طياتها بيعة شرعية كان من مقتضياتها السمع والطاعة والدعاء والنصرة، توجد نسخة منها في الخزانة الحسنية بالرباط”.

حسب المصدر ذاته فإن “للشيخ سيد المختار الكنتي تلاميذ أسسوا زوايا كنتية بالمملكة المغربية الشريفة، كالشيخ بن دحو الأزموري مؤسس الزاوية الكنتية في أزمور، والشيخ الجشتيمي الذي ذكره المختار السوسي في كتابه المعسول، والعلوم التي أخذها عن الشيخ سيد المختار الكبير”.

ولفت الانتباه إلى أن “زعامة الزاوية الكنتية أخذها بعد ذلك الشيخ سيدي محمد خليفة، الذي حافظ على نهج أبيه الشيخ سيد المختار الكنتي الكبير، وله مراسلات مع السلطان مولاي سليمان، تحمل بين طياتها تعظيم مقام إمارة المؤمنين، مع ما فيها من أدبيات التراسل السلطاني”، مشيرا إلى أن “الشيخ كان دائم الاحترام لسلطان مولاي سليمان سليل الدوحة العلوية الشريفة، وفي عهده ازدهرت الزوايا الكنتية بالمغرب في كل من الرباط وفاس ومراكش ومكناس”.

وأفاد بن روان أن “الروابط الدينية والروحية بين شيوخ الزاوية الكنتية والدوحة العلوية الشريفة تطورت أكثر في عهد السلطان مولاي عبد الرحمان بن هشام، حيث كان الشيخ سيدي امحمد الكنتي الصغير دفين كور كنفيدة مبايعا له، وكذلك فعل أخوه الشيخ سيدي المختار الكنتي الصغير الذي بايعه في رسالته المشهورة ” الرسالة العجالة الرائقة في العمالة””.

اللوحة الأولى من ” الرسالة العجالة الرائقة في العمالة”

واستنطق الباحث، الرسالة المذكورة، التي خص آشكاين بنشرها، حيث أوضح أن “الشيخ قال في مقدمتها مخطابا أمير المؤمنين مولاي عبد الرحمان بن هشام، بالقول: ” الإمام الحق، وظل الله في أرضه لجميع الخلق أمير المؤمنين سيدنا ومولانا عبد الرحمن بن أمير المؤمنين سيدنا ومولانا هشام بن أمير المؤمنين سيدنا ومولانا محمد ابن أمير المؤمنين سيدنا ومولانا عبد الله بن أمير المؤمنين سيدنا ومولانا اسماعيل ابن سيدنا ومولانا علي الحسني”.

وجاء في الرسالة أيضا، يضيف بن روان قول الشيخ: “سيدي نصر الله أيام دولتك ونصر أعلام صولتك، وأعلى في بروج السعادة مقامك، وأطال في عافية من ذلك المقام عيشك ومقامك، تؤدي بالعدل والإحسان شكر ما فيه أولاك وأقامك، وثبت على متن سنن الإقامة والاستقامة أقدامك، وأجرى بعصمتك من الأوهام في كل أحوالك وأقوالك وأفعالك على لوح توقيع أمره إقدامك، وسخر لك رياح النصر والرعب تسير خلفك وامامك”.

قصيدة للشيخ سيد أحمد البكاي الصغير يمدح فيها السلطان مولاي عبد الرحمان بن هشام

وعلى نفس النهج، يسترسل المتحدث “استمر الشيخ سيدي أحمد البكاي الصغير على نهج أسلافه من شيوخ الطريقة القادرية الكنتية في الحفاظ على البيعة الشرعية للعرش العلوي المجيد، حيث يعد موقفه اتجاه الأمير أحمد بن أحمد الفلاني دليلاً قاطعاً على حفاظه على بيعته الشرعية اتجاه أمير المؤمنين مولاي عبد الرحمان بن هشام، فقد قال له الشيخ: ” أنت لست بأميرنا، وإنما أميرنا مولاي عبد الرحمان، فهو أهل لها بالشريعة”، ويقصد الشيخ هنا أن مولاي عبد الرحمان بن هشام هو المستحق للخلافة لأن شروط الإمامة العظمى تتوفر فيه بما في ذلك الشرط القريشي، وانتسابه إلى آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم”.

يتبع..

زوايا الصحراء: خصوصيات تصوفية وتاريخ وأثر

زوايا الصحراء: الوجه الآخر للزوايا..مراكز علم وصلح وفن وكفاح ضد المستعمر

زوايا الصحراء.. أقدم منارة روحية في واد نون

زوايا الصحراء..قصر آسا: ظاهرة البناء بالحجر الغامق وجدل تحويل قبلة المساجد

زوايا الصحراء.. المسجد العتيق بكلميم: خلاف قبيلة مع السلطة على مكان إقامة صلاة الجمعة

زوايا الصحراء .. الزاوية العروسية: زاوية “شيخ الوقت” أذابت خلاف قبائل في عبدة وجنبتهم الاقتتال

زوايا الصحراء.. الزاوية السالمية: تصوف نقشبندي من الصحراء المغربية إلى موريتانيا  

زوايا الصحراء.. زاوية أهل الليلي: علم وصلاح وحماية المستجير وامتداد من الصويرة إلى شنقيط

زوايا الصحراء .. زاوية الشيخ الولي: وَجَاهَة ورصيد ثقافي وحشد لمقاومة المستعمر الأجنبي

زوايا الصحراء..زاوية أهل لبصير: سياحة صوفية  وتفجير حركة تحرير الصحراء من احتلال الإسبان

زوايا الصحراء.. زاوية الشيخ المامي: أمن روحي بين القبائل ونَظْمٌ للسلطان

زوايا الصحراء.. زاوية الشيخ السباعي: وساطة بين العرب والأمازيغ بالصحراء ومقاومة نابليون بمصر

زوايا الصحراء.. الزاوية اللمطية(1): صاحب “ميزان الماء” الذي جنب قبائل بواد نون الاقتتال

زوايا الصحراء ..الزاوية اللمطية (2): ظهائر توقير سلطانية ودار تجارية امتدت إلى السودان

زوايا الصحراء.. زاوية  صفية الباركية: علم وفقه وتخريج الطلاب من المغرب إلى موريتانيا

زوايا الصحراء.. الزاوية المعينية(1): نواة بناء السمارة وقاعدة لصد المستعمر الإسباني والفرنسي

زوايا الصحراء .. الزاوية المعينية (2): توحيد قبائل متناحرة ومبايعة السلطان

زوايا الصحراء .. الزاوية المعينية (3): خصوصيات تصوفية حولت الساقية الحمراء إلى مركز تجاري وسياسي

زوايا الصحراء.. مسجد تيغمرت العتيق: مطامر “ذكية” ضمنت الاستقلال والتموين لعقود  

زوايا الصحراء.. زاوية آسا.. إشعاع علمي استقطب طلابا أمازيغ وأفارقة من الصحراء وموريتانيا وتونس

زوايا الصحراء.. زاوية آسا(2): فقهاء قضاة شرّعوا أحكاما عرفية للمعاقبة على التهديد بالسلاح    

زوايا الصحراء..زاوية آسا(3): خوارق وكرامات مهدت لبناء مدرسة عسكرية بالصحراء

زوايا الصحراء.. زاوية آسا (4): حرب على الوثنيين وجهاد ضد المسيحيين

زوايا الصحراء.. زاوية آسا (5): غزو تونس ومعارك في سوس

زوايا الصحراء.. زاوية آسا(6): 366 وليا وامتداد روحي لإفريقيا حولت المنطقة لـ”قبلة ثانية بعد الحج”

زوايا الصحراء..الزاوية الركيبية: تربية وتحكيم قبلي وجهاد عسكري ضد البرتغاليين والإسبان

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

0
أضف تعليقكx
()
x