2024 © - أشكاين جميع الحقوق محفوظة - [email protected]
كتاب أثار جدلا.. ”طبائع الاستبداد” الذي دس السم في فنجان الكواكبي (ح27)

” كتاب أثار جدلا” رحلة في عالم الأفكار الممنوعة، سلسة تنشر على شكل حلقات طيلة شهر رمضان في ”آشكاين”، تتناول مؤلفات خلقت ضجة كبيرة، في السياسة، في الدين، كما في قضايا اجتماعية.
هذه الكتب دفعت مؤلفيها أثمانًا باهظة، بلغت حد التكفير والتهديد بالقتل وتنفيذه أحيانا، وتارة أخرى تدخلت الرقابة وبقيت هذه المؤلفات ممنوعة من التداول لسنوات.
لكنها في المقابل أحدثت ثورة فكرية وخلخلت مفاهيم كانت بمثابة طابوهات لفرات طويلة.
سيكون قراء ومتابعو جريدة “آشكاين” على موعد مع هذه السلسلة طوال أيام شهر رمضان.
الحلقة 27: طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد

يُعدّ كتاب “طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد” للعلامة عبد الرحمن الكواكبي (1855-1902)، الذي نُشر في أواخر القرن التاسع عشر، مرجعًا هامًا في دراسة الاستبداد السياسي والاجتماعي.
يتناول الكتاب بشكل معمق طبيعة الاستبداد، وأسبابه، ومظاهره، وآثاره المدمرة على الفرد والمجتمع، بالإضافة إلى سبل الخلاص منه.
يرى الكواكبي أن الاستبداد ليس مجرد نظام حكم، بل هو داء عضال يصيب المجتمعات، ويفتك بها من الداخل، ويحيلها إلى حالة من الضعف والوهن. ويؤكد أن المستبد ليس فردًا واحدًا، بل هو نظام متكامل يتكون من مجموعة من الأفراد والمؤسسات التي تتواطأ على قمع الحريات، وإشاعة الفساد.
ويوضح أن الجهل والخوف هما الركيزتان الأساسيتان للاستبداد. فالمستبد يستغل جهل الناس، ويُشيع بينهم الخوف، حتى يضمن بقاءه في السلطة. ويشير إلى أن الاستبداد لا يزدهر إلا في المجتمعات التي تسود فيها الخرافات والأوهام، وتنتشر فيها الأمية والجهل.
ويفكك ابن مدينة حلب السورية العلاقة بين الاستبداد والدين، ويشير إلى أن المستبدين غالبًا ما يستغلون الدين لتبرير سلطتهم، وقمع معارضيهم. ويؤكد أن الدين الحق هو دين العدل والحرية، وأن الاستبداد يتنافى مع جوهر الدين.
ويبرز، في كتابه، أن الاستبداد يؤدي إلى تدهور الأخلاق في المجتمع، حيث ينتشر الكذب والنفاق والفساد، وتتراجع قيم العدل والإنصاف. ويشير إلى أن الاستبداد يحول الناس إلى كائنات خاملة، لا تهتم إلا بمصالحها الشخصية.
ويؤكد الكواكبي أن الاستبداد يعادي العلم والعلماء، حيث يسعى إلى قمع حرية الفكر والتعبير، ويحارب كل من يحاول نشر الوعي والمعرفة. ويؤكد أن العلم هو السلاح الأقوى في مواجهة الاستبداد.
يوضح الكواكبي أن الاستبداد يؤدي إلى تدهور الاقتصاد، حيث ينتشر الفساد والرشوة، وتستغل الثروات لمصالح المستبدين وأعوانهم. ويشير إلى أن الاستبداد يحول الناس إلى فقراء، لا يملكون قوت يومهم.
ويصف الآثار المدمرة للاستبداد على الفرد والمجتمع، ويشير إلى أنه يؤدي إلى انتشار الأمراض النفسية والاجتماعية، مثل الاكتئاب والقلق والعنف. ويؤكد أن الاستبداد يحول الناس إلى كائنات محبطة، لا أمل لها في الحياة.
يقدم الكواكبي مجموعة من النصائح والإرشادات للخلاص من الاستبداد، ويؤكد أن الطريق إلى الحرية يمر عبر العلم والوعي. ويشير إلى أن الناس يجب أن يتحدوا، ويطالبوا بحقوقهم، وأن يقاوموا الظلم بكل الوسائل المتاحة.
يختم الكواكبي كتابه بدعوة إلى الحرية والعدل، ويؤكد أن الحرية هي حق أساسي من حقوق الإنسان، وأن العدل هو أساس الحكم الرشيد. ويشير إلى أن الناس يجب أن يناضلوا من أجل الحرية والعدل، وأن لا يستسلموا لليأس والإحباط.
من أقوال المأثورة للكواكبي في تمجيد الحرية والحث على مقارعة الاستبداد، قوله: “إن الهرب من الموت موت!.. وطلب الموت حياة!.. (…) والحرية هي شجرة الخلد، وسقياها قطرات الدم المسفوح.. والإسارة (العبودية) هي شجرة الزقوم، وسقياها أنهر من الدم الأبيض، أي الدموع!”.
قيل إن هذا الكتاب كان سببا في الموت المفاجئ والغريب لعبد الرحمن الكواكبي سنة 1902 في القاهرة، بعد أن دست له السلطات التركية العثمانية، السم في القهوة، لكن تبقى هذه الفرضية غير مؤكدة يقينا.