2024 © - أشكاين جميع الحقوق محفوظة - [email protected]

أساطير طنجة، سلسلة يعدها الصحافي عبد الله الغول، تستكشف أغرب الحكايات الشعبية والأساطير التاريخية التي تدور في فلك مدينة طنجة… حلقاتها تجمع بين السرد الأسطوري والمعطيات التاريخية… تلتقون معها طيلة شهر رمضان في حلقات يومية مثيرة ومشوقة.
الحلقة 29 :
في زمن لم تكن فيه رحلات الحج سهلة، غادرت باخرة هولندية ميناء طنجة محملة بحجاج مغاربة متجهين إلى الديار المقدسة. كان من بين الركاب سيدة فاضلة تُعرف باسم “الوزانية”، والتي كانت تقطن في منطقة بالمدينة القديمة تكنى على اسمها بـ”عقبة الوزانية”، التي ودّعت مدينتها وأحبابها أملاً في أداء فريضة الحج.
لكن منذ اللحظات الأولى للرحلة، ظهرت نذر الشؤم. لاحظ ربان السفينة أن الحجاج قد أشعلوا النار على ظهر الباخرة للاحتماء من البرد، كما أثار اشمئزازه العثور على فضلات بشرية تحت صارية السفينة، كما يحكي الدكتور حمزة المساري في مروياته؛ “أحاديث من باب مرشان”.
تشاءم الرجل من هذه العلامات، وأبرق إلى شركة الملاحة طالبًا الإعفاء من الإبحار. لكن بعد محاولات لإقناعه وطمأنته، قيل له إن هذه ستكون آخر رحلة حج يقودها، فامتثل للأمر وأبحرت السفينة.
إلا أن التحذيرات لم تكن عبثًا، فبمجرد أن وصلت السفينة إلى قبالة جزيرة مالطة، تكررت مخالفة الحجاج بإشعال النار، ما أدى إلى اندلاع حريق هائل حول السفينة إلى كرة من اللهب وسط البحر. لم يتمكن الركاب من النجاة جميعًا، وكان من بين الضحايا السيدة الوزانية، التي رحلت قبل أن تصل إلى الأراضي المقدسة.
في تلك اللحظات العصيبة، كان أخ الشيخ إدريس الحراق، شيخ الزاوية الحراقية آنذاك، يرفع صوته بـ”الجلالة” ويدخل في الحضرة متلفظًا بـ”حي، حي…”، بينما كان ربان السفينة يصرخ بيأس، طالبًا من سلطات ميناء مالطة إطلاق المدافع على السفينة المحترقة، لعل ذلك يسهل إنقاذ الركاب قبل أن تبتلعهم النيران والبحر معًا.
هكذا انتهت الرحلة الأخيرة لذلك الربان، وأصبحت حادثة احتراق السفينة الهولندية قبالة مالطة واحدة من القصص المؤلمة التي رُويت عن حجاج من طنجة لم يصلوا أبدًا إلى وجهتهم.