2024 © - أشكاين جميع الحقوق محفوظة - [email protected]
السياسة من القاع أو السياسة من الـ”تحت”

قاسم البسطي
كتب Jean – François- Bayrat وهو أحد أبرز المفكرين الفرنسيين في مجالي العلوم السياسية والسوسيولوجيا السياسية، مؤلفا جماعيا تحت عنوان Le politique par le bas en Afrique noire : contributions à une problématique de la démocratie », Karthala, 1992. قدم فيه قراءة مغايرة لما يعرف بـ”الدولة” في السياقات الإفريقية، منتقدا التفسيرات الكلاسيكية الغربية التي وصفتها بـ”الفاشلة” أو “الهشة”. من خلال مفهومه المحوري “السياسة من القاع” أو “السياسة من تحت” ، أعاد Bayart تشكيل منظومة التحليل السياسي، ووسع من دوائر الفهم لتشمل “الفاعلين الصغار”، والممارسات اليومية، والعلاقات غير الرسمية التي تنتج السلطة وتعيد تشكيلها.
يعد مفهوم “السياسة من القاع” الذي طوره هذا المفكر الفرنسي من أبرز المفاهيم التي أعادت تشكيل فهمنا للعلاقة بين الدولة والمجتمع، ولقواعد إنتاج السلطة في السياقات ما بعد الكولونيالية. فقد شكل هذا المفهوم قطيعة معرفية مع المقاربات التقليدية التي تركز على النخب والمؤسسات الرسمية، داعيا إلى توجيه النظر نحو الديناميات الاجتماعية والسياسية التي تنبثق من عمق المجتمع، ومن بين الفئات المهمشة أو غير المرئية.
أولى أفكار Bayart تتمثل في تفكيك مركزية السلطة، حيث يؤكد أن السلطة لا تنبع فقط من الدولة والنخب السياسية، بل يتم إنتاجها أيضا من “الأسفل”، من خلال الممارسات اليومية، والتفاعلات المجتمعية، والشبكات الاجتماعية، والجمعيات، وحتى من خلال العادات والتقاليد. فبحسبه، السياسة ليست حكرا على البرلمان أو الحكومة، بل تمتد إلى الأسواق، والأحياء الشعبية، والقبائل، والروابط المهنية، وكل فضاء اجتماعي يعبر فيه الناس عن مصالحهم أو يدافعون عن حقوقهم.
ثانيًا، يرى Bayart أن السلطة يتم بناؤها بشكل تشاركي وتفاوضي بين الحاكمين والمحكومين. فالشعوب ليست دائما خاضعة أو صامتة، بل تقوم يوميا بأشكال متعددة من المقاومة والتفاوض، سواء عبر الطقوس، أو اللغة، أو الالتفاف على القوانين، أو حتى من خلال التعاون الظاهري الذي يخفي صراعات ضمنية. هذا التفاعل التفاوضي يجعل من السياسة فضاء مرنا ومعقدا لا يختزل في المؤسسات الرسمية فقط.
أما ثالث مرتكز لهذا التصور، فيتجلى في التأكيد على وجود أشكال شعبية للمشاركة السياسية. فحتى الجمعيات التي لا تعلن عن نفسها كجهات سياسية، تنتج خطابات وتنخرط في مطالب مجتمعية وتؤثر على القرار العمومي. إنها تمارس السياسة بأسلوبها الخاص، عبر تقديم الخدمات، أو تنظيم الحملات الترافعية، أو الدفاع عن فئة اجتماعية معينة. فهي فضاءات حية لإنتاج الرأي العام وتشكيل الوعي الجماعي.
وأخيرا، يشير Bayart إلى أن هناك سياسة غير رسمية لكنها مؤثرة للغاية. وتشمل هذه السياسة البنى الاجتماعية التقليدية مثل الشبكات العائلية، وأنظمة الزبونية، والممارسات الدينية، والثقافة الشعبية. كما تضم الرأسمال الرمزي المتداول في الأحياء والأسواق والمساجد والمقاهي. إنها سياسة غير مرئية في بعض الأحيان، لكنها تحدد موازين القوى، وتوجه سلوك الأفراد، وتعيد تشكيل مفهوم الشرعية والسلطة.
هل يمكن الاسترشاد بما جاء به هذا المفكر الفرنسي في بناء مفاهيم مشابهة في سياقنا المغربي؟ هل مفهوم المشاركة المواطنة يفي بالغرض؟
لست متيقنا..
باحث في السوسيولوجيا
إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبر بالضرورة عن رأي آشكاين وإنما عن رأي صاحبه
صحيح ان هذه مفاهيم تغني التحليل السياسي للمجتمعات المتحررة من الظاهرة الكولونيالية، ويقدم ادوات لتفكيك مظاهر السلطة وتجليتاها في هذه المجتمعات ويعطينا نظرة اكتر واقعية لما يجري من تحولات في السياسة.