2024 © - أشكاين جميع الحقوق محفوظة - [email protected]

الدكتور مصطفى بن شريف
الاستاذ والزميل مصطفى الرميد ، انخرط في العمل الدعوي والسياسي مبكرا، ضمن صفوف تيارات دينية سرية( الجماعة الاسلامية بقيادة عبد الكريم مطيع و معاونه النعماني ) وأخرى شرعية اشتغلت في اطار المشروعة القانونية، و حصل ذلك خلال المرحلتين التلاميذية و الطلابية.
واعتلى منبر “الإمامة” في سن مبكرة ، نسج علاقات واسعة مع جماعات الاسلام السياسي واطرها، ومن بينهم المرحوم عبد السلام ياسين، مرشد جماعة العدل والإحسان.
وبعد فترة حافلة بالاحداث السياسية والاجتماعية التي عرفها المغرب، تكونت لدى الاستاذ مصطفى الرميد قناعات سياسية راسخة تتمثل في تبني خط النضال الديمقراطي من داخل المؤسسات ووفق القوانين النافذة.
وهكذا، فقد جمع الاستاذ الرميد بين مهام متعددة( السياسية، الدعوة، المحاماة، الصحافة) وهو ما مكنه من خبرة موسوعية، سيعمل على توظيفها بشكل عقلاني ومنتج، وهو ما ترجمه رفقة زمرة من رفاقه، باتخاذ قرار تكتيكي يتمثل في الانتماء الى حزب الدكتور عبد الكريم الخطيب في تسعينيات القرن الماضي والترشح باسمه وظفره بمقعد برلماني .
لم تتوقف مسيرة الرجل عند هذا الحد، بل أنه سيكون من أبرز الشخصيات التأسيسية لحزب العدالة والتنمية، بعد تجاوز التجاذبات مع السلطة الحكومية المكلفة بالداخلية، و التوافق مع مؤسسات الدولة على ما يجب أن يكون عليه الحزب، وبناء عليه تم الترخيص لحزب العدالة والتنمية، وهو بمثابة شكل من أشكال التعاقد السياسي مع الدولة، خاصة وأن الاستاذ مصطفى الرميد اختلف مع توجهات الجماعة الاسلامية وقيادتها فيما يتصل بامارة المؤمنين و مفهوم الخلافة، وهو الموقف الذي يحسب له و كان من أسباب تزكية حزب العدالة والتنمية من طرف السلطة .
ولقد حضي الأعضاء الذين كانوا ينتمون الى تنظيم الجماعة الاسلامية، ممن قاموا بمراجعات فكرية طوعية، وتخلوا عن منهجها المتطرف، بعطف واحتضان من طرف المرحوم الدكتور عبد الكريم الخطيب، الذي شكل دوما ذراع الدولة المكلف باستقطاب مناضلي الحركات الاسلامية المتطرفة والعمل على إعادة ادماجهم في العمل السياسي المشروع ، كما يجب التذكير بأن الدكتور الخطيب كان من أشرس وأشد المعارضين لاطروحات اليسار المغربي منذ فجر الاستقلال، وكان له عداء ظاهر وعميق مع الحركة الاتحادية وخصوصا الشهيد المهدي بنبركة.
كما يجب التذكير بمناقب الرجل، كمحام بهيئة الدار البيضاء، على أنه كان ولا زال يمارس المحاماة، بأخلاق عالية، ومهنية قل نظيرها، وفقا للاصول والاعراف والتقاليد المؤطرة لمهنة المحاماة الذي اعتنقها كمذهب وكرسالة نبيلة، ودافع عنها لما شغل منصب وزير العدل والحريات في حكومة بنكيران، رغم بعض المؤاخذات عليه في تلك الفترة من طرف بعض النقباء، ولكن الاختلاف لن يفسد للود قضية، كما أن الاختلاف رحمة. وعاد إلى المهنة من بابها الواسع ، وشارك في العديد من الندوات ذات الصلة بالتشريعات لها ارتباط عضوي بممارسة المهنة، وعبر عن مواقف نتفق معه في بعضها ونختلف معه في جوانب اخرى.
وخلال الحوار الأخير للأستاذ مصطفى الرميد مع منبر اعلامي ونشر في مواقع التواصل الاجتماعي، ⁴يستفاد منه، بأن الرجل كان براجماتيا في تعامله مع التنظيمات الدعوية والسياسية الدينية ، لما يتحسس ويتفطن بأن توجهاتها تتعارض مع أحكام القانون، وبانها لا تؤمن ولا تعترف بإمارة المؤمنين أو فيها بما يخالف الثوابت الشرعية المتصلة بالحكم ، لم يتردد في الانسحاب منها و الدفاع عن قناعاته جماهيريا وبشكل علني.
ومن جهة اخرى، يتبين من الحوار المذكور، بأنه لم يكن في يوم من الأيام من مناصري التطرف الديني، لكن لم يمنعه موقفه ذلك من حين لآخر، من أن ينبري للدفاع عن معتقلي تيارات الاسلام السياسي أمام محاكم المملكة.
الاستاذ مصطفى الرميد، اهم ما يحسب له، أنه لم يكن في يوم من الأيام من مناهضي الدولة بالمفهوم الواسع للكلمة ، أو من الرافضين لامارة المؤمنين، أو انه كان من دعاة نظرية الخلافة التي تؤمن بها بعض تيارات الاسلام السياسي. بل اشتغل بطريقته الخاصة، دون إزعاج للسلطات أو استفزاز للجماعات الاسلامية، وهو بذلك ظل وفيا لاطروحة التوفيق بين التناقضات التي تفرق بين الدولة و التيارات الدينية، فهو ليس بالمتطرف دينيا ، ولا من خدام السلطة، بل يمكن القول بانه من أنصار مدرسة الوسطية والاعتدال التي تعتبر المرجع بالنسبة للملكية في المغرب.
و لذلك يجوز استخلاص قيام شروط للتحالف الضمني والموضوعي بين الاستاذ مصطفى الرميد و تصورات الدولة المغربية المبنية على اطروحة الاسلام الوسطي، دون حاجة إلى الإفصاح عن ذلك صراحة، لأن الدولة اقتنعت بأن الرجل صادق في أقواله وأفعاله، واضح في توجهاته السياسية، المبنية على الاعتدال الديني، وبأنه يتميز بنظافة ونقاوة يديه ، ومن المدافعين عن المصلحة العامة والمصلحة العليا للوطن.
ومن جهة ثالثة، الاستاذ مصطفى الرميد، حافظ على مظهره المحافظ و على طقوسه الدينية، أينما حل وارتحل، ويمارسها عن وعي وادراك وبتبصر وبصيرة وبشكل علني، وأحيانا يتعمد في نقد و التهجم والهجوم على أي مظهر قد يتراءى له أنه مخالف للأخلاق العامة أو للشريعة الإسلامية، وهذه قناعاته التي عودنا عليها في مؤتمرات ومناظرات جمعية هيئات المحامين بالمغرب.
ومن جهة رابعة، وربما هي الأهم، أن الاستاذ مصطفى الرميد، إنساني بكل المقاييس، ورجل ذكي بكل المعايير، يحسن التواصل، يحترم و يقدر الغير رغم الاختلاف معه ، لا يتردد في قول الحقيقة، لكن ليس الحقيقة كلها، لأنه ربما أن واجب التحفظ يقيده ويغله أو لحسابات معينة تطوقه، ليس خوفا أو اكراها، لكن لاعتبارات دقيقة.
وفي جميع الأحوال، الاستاذ الرميد كان رقما صعبا في نظر عبدالاله بنكيران، هذا الأخير كان يتوجس منه، لكونه كان يعتبره اما ضمنا او صراحة، احد أبرز منافسيه على زعامة حزب العدالة والتنمية، والأستاذ مصطفى الرميد، كان واعيا بانزعاج بنكيران منه، وبلغ ذلك ذروته، بمناسبة تعيين الملك عبدالله بنكيران رئيسا للحكومة في النسخة الثانية.
والخلاصة، يمكن القول، بأن الاستاذ مصطفى الرميد، مارس السياسية بمنطق براجماتي، وبتدرج مدروس بحكمة ، ووفق حد ادنى من التوافق بين المرجعية الاسلامية ومتطلبات الدولة العصرية . لكنه يعتبر وبحق، بأنه رجل دولة بامتياز، كما ابانت ذلك الممارسة والتجربة ، سواء لما تقلد منصب وزير العدل والحريات، او حينما شغل وزير الدولة وحقوقالانسان. في المقابل أنه يؤمن بالديمقراطية، رغم اختلافه في تفاصيلها.
وأمام تراجع العمل السياسي والنقابي بشكل ملحوظ في المغرب لأسباب ذاتية وموضوعية، اختار الانسحاب من المشهد السياسي وتقديم استقالته من حزب العدالة والتنمية.
ولما كانت عقيدة الاستاذ مصطفى الرميد، تقوم على الجمع بين مقومات الاسلام الوسطي و مقاصد الدولة العصرية، فإن ذلك جعله مطوق بمبادىء دولة القانون ودولة المؤسسات و حقوق الإنسان.
لكن ووفق قراءة تحليلية لمسار الرجل، يستخلص بأنه ليس لديه أي حرج أو تردد في أن يواصل المسيرة السياسية وفق رؤية جديدة وأهداف مستقبلية واضحة ، كما يفهم من تصريحاته ، لكن من خارج صفوف حزب العدالة والتنمية الذي استقال منه، وأنهى معه كل ارتباط تنظيمي حتى يشتغل بأريحية وحرية خارج القواعد المؤطرة للخلايا والتنظيمات الحزبية.
إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبر بالضرورة عن رأي آشكاين وإنما عن رأي صاحبها.
شكون كايشكر العروسة ..خالتها أو الطلابة اللي باغيا تسترزق