لماذا وإلى أين ؟

عمال مغاربة يعيشون “حياة الماعز” في مزرعة للتفاح بفرنسا (تحقيق)

في بلدة فيلنوف-سور-لو، جنوب غرب فرنسا، كشف تحقيق استقصائي حديث عن ممارسات صادمة في مزرعة للتفاح تحمل اسم “Pink Lady” وأخرى ”Granny”, حيث يتعرض عمال مغاربة لاستغلال ممنهج على يد المالك آلان أوناك، وهو منتخب كممثل الاتحاد الزراعي المقرب من اليمين المتطرف. هذا الأخير استغل العمال في ظروف قاسية وغير إنسانية، بين السكن غير الصحي والعمل المرهق، دون حماية أو أجور مناسبة، فيما يشبه الفيلم الشهير “حياة الماعز”.

محمد، أحد هؤلاء العمال، عبر عن يأسه قائلاً: “نفسيتي مريضة. لا أريد العمل هنا بعد الآن”، وذلك بعد سنوات طويلة قضاها في كوخ مهدد بالانهيار تغمره الرطوبة وتتجول فيه الفئران. مثل محمد، تحدث عمال آخرون عن استغلال متواصل منذ أكثر من عقدين، حيث يعملون لأكثر من عشر ساعات يوميًا في أراضٍ موحلة دون معدات أو ملابس واقية، ويتكدسون في مساكن مكتظة تفتقر إلى أبسط شروط النظافة.

التحقيق أظهر أن بعض العمال المغاربة اضطروا لدفع ما يصل إلى 14.000 يورو –نحو 145.000 درهم– عبر وسطاء في المغرب، مقابل الحصول على عقد عمل موسمي صادر عن وزارة الداخلية الفرنسية. هذا العقد كان بمثابة “تذكرة إلى الجحيم”، إذ تم استغلالهم بطريقة ممنهجة، دون أي رقابة تُذكر من السلطات الفرنسية، وسط نظام يبدو أنه يغض الطرف عن انتهاكات فاضحة لحقوق الإنسان.

أما فيما يخص الأجور، فبالرغم من أن عقود العمل تنص على الحد الأدنى القانوني الفرنسي (11.65 يورو للساعة)، إلا أن عمالًا مثل “جعفر” صرّحوا أنهم لم يتقاضوا سوى 4.57 يورو للساعة حتى عام 2019، و5 يورو لاحقًا، دون احتساب الساعات الإضافية أو دفع تكاليف السفر. أحدهم قال إنه بعد ثلاثة أشهر ونصف من العمل، لم يتلقَّ سوى دفعات نقدية متقطعة لا تتجاوز 50 إلى 100 يورو أسبوعيًا، تكفي بالكاد لشراء الطعام.

إلى جانب الاستغلال المادي، تعرض العمال لترهيب نفسي. بعضهم أجبر على تقاسم خمسين يورو فقط لشراء الطعام لمدة أسبوعين. وأكدت شهادات أن أقارب المسؤولين في المزرعة، مثل ابن عم جعفر، كانوا يشرفون على العمال المغاربة، مما كرّس جوًّا من الخوف والرقابة. وعندما حاول أحدهم الاحتجاج أو المطالبة بحقه، كانت النتيجة الطرد أو عدم التجديد للعمل في الموسم التالي.

ورغم توقيع العقود بشكل رسمي وموافقة المكتب الفرنسي للهجرة، فإن تبعية العمال لمشغليهم تجعلهم عرضة للاستغلال. الباحثة فيالهجرة “Béatrice Mesini”، التي تحدثت لمنصة “Street Press” التي قامت بالتحقيق، وصفت حالتهم بـ”التمييز المرتبط بالهشاشة الاجتماعية والاقتصادية”، مؤكدة أن أقل من 10% من المزارع تخضع لتفتيش فعلي.

ومع تصاعد الضغط، بدأ بعض العمال باتخاذ خطوات قانونية، مثل أحمد، الذي قرر التقدم بشكوى رسمية ضد أوناك بتهمة الاتجار بالبشر، بعد أن فقد كل مدخراته في سبيل الهجرة إلى “الفردوس الأوروبي”. الآن، يجد نفسه مهددًا بالترحيل من فرنسا رغم عمله القائم فيها.

وتسلط هذه القضية الضوء على أوجه “العبودية الحديثة” التي ما زالت مستمرة في قلب أوروبا، وسط تواطؤ صامت أو غياب الرقابة، وتطرح تساؤلات حقيقية حول مسؤولية الدولة الفرنسية والمؤسسات الأوروبية في حماية حقوق العمال الموسميين الأجانب.

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

1 تعليق
Inline Feedbacks
View all comments
احمد
المعلق(ة)
16 أبريل 2025 13:27

عودة الفيودالية المتخفية:أي امتلاك الارض ومن يشتغل عليها. يحدث هذا في عهد اليمين المتطرف الذي بدأ يزحف على اروبا شيئا فشيأ، تزوير عقود العمل واستغلال الهشاشة وجهل الناس بالقوانين الاروبية، تلك القوانين التي اصبحت تحجب الواقع الجديد.

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

1
0
أضف تعليقكx
()
x