لماذا وإلى أين ؟

معالم تاريخية تحتضر في انتظار رحمة السماء لإنقاذها

تعيش معلمة “قصر البحر” بمدينة آسفي آخر أيامها إن لم تتدخل رحمة السماء لإنقاذها. أما الوزارة الوصية في الأرض، فربما لها اهتمامات أخرى بمفاهيم مقلوبة. وزارة الثقافة اختزلت الثقافة في الغناء والموسيقى، وكأن الكتاب والشعر والرواية والفكر، كلها أجناس غريبة عن الثقافة. واختزلت التاريخ في حياة فناني الغناء التافه على غرار المغني الشعبي محمد رمضان الذي كان ضيفا فوق العادة على معرض الكتاب للسنة الماضية بدل المؤرخين والكتاب والمفكرين.

هذا الاهتمام لوزارة الثقافة، البعيد عن دورها الحقيقي، جعلها لا تكترث للتاريخ الذي يسكن وجدان المعالم الأثرية كقصر البحر في حاضرة المحيط كما سماها عالم الاجتماع ابن خلدون. فهل أصبحت الثقافة في عهد السيد الوزير، قطاعا وزاريا بلا اروح، وتخصصا حكوميا بلا وجدان، وجسدا يرقص فقط ولا يفكر.

السيدة النائبة نعيمة الفتحاوي، وجهت للسيد وزير الثقافة منذ 2022، سؤالا كتابيا حول معلمة “قصر البحر”. كان عنوان مراسلة السيدة النائبة “إنقاذ قصر البحر بمدينة أسفي من الانهيار”، وهو عنوان يختزل كل شيء. وذكَّرت النائبة الفتحاوي في سؤالها، السيد الوزير أن “قصر البحر” معلمة تاريخية تعود لحقبة البرتغال، وتم بنائها في القرن 16. كما أن الوزارة صنفت هذا المبنى الأثري ضمن التراث المعماري الوطني سنة 1922، باعتباره ذاكرة حضارة تشهد على المشترك التاريخي الإنساني المغربي-البرتغالي.

ومما جاء في جواب السيد وزير الشباب والثقافة والتواصل في فبراير 2022 ” ونظرا لأهمية المعلمة من الناحية التاريخية والأثرية والمعمارية، لكونها فريدة ومتميزة، فإن قطاع الثقافة يعمل بتنسيق مع مختلف القطاعات المعنية الأخرى من أجل صونها للأجيال القادمة وإبراز قيمتها. وفي هذا الإطار، تم إنجاز اتفاقية شراكة -تحت إشراف السيد عامل إقليم آسفي- تهدف إلى تنسيق جهود مجموعة من القطاعات المعنية لتحديد التزاماتها من أجل تمويل أشغال تحصين وتدعيم الواجهة البحرية لمعلمة قصر البحر بآسفي وترميمها، باعتبارها مركزا للتراث البحري الوطني، والاتفاقية حاليا في طور المصادقة من طرف الجهات المعنية”.

مضى على جواب السيد الوزير أكثر من ثلاث سنوات، والمعلمة التاريخية تتساقط أمام أعين الجميع، ولسان حالها يقول “كفاكم اهتمامكم بطوطو والفن الهابط للمغني محمد رمضان، فأنا بريئة منكم، ودعوني فقط أرقد بسلام”.

هذا الإهمال للمعالم التاريخية من قبل الوزارة الوصية، جعل النائبة الفتحاوي تنتفض في وجه الوزير، مذكرة إياه بلفتها انتباه وزارته من خلال سؤال كتابي سنة 2022، ومذكرة إياه أن أسئلة نواب الأمة ليست هدفا بذاتها، بل إن المطلوب هو التفاعل معها وانعكاس ذلك إيجابا على أرض الواقع.

وفي محاولة بسيطة من قبل كاتب هذه السطور، لإنقاذ معلمة حاضرة المحيط مدينة أسفي، أُذكِّر السيد وزير الثقافة بتاريخ هذه المعلمة، لعل ضمير الوزارة ينتفض ضد ذاته، كما انتفضت السيدة النائبة في وجه السيد الوزير، ويبتعد ضمير الوزارة عن طوطو ومحمد رمضان وما جاورهما، ويهتم بهذه المعلمة التاريخية، التي يشكل فقدانها خسارة كبيرة للبلاد وللتاريخ وللثقافة في هذا الوطن.
في قلب مدينة آسفي، حاضرة المحيط الأطلسي، يتربع قصر البحر شامخًا على صخرة تطل على البحر، أو كما يُعرف محليًا بـ”قصبة البحر”. إنه أكثر من مجرد بناء أثري، فهو شاهد على تعاقب الحضارات، وسجل منقوش على حجارة الزمن.

جذور هذه القصبة تاريخية وضاربة في القدم حيث يرجع تاريخ بناء قصر البحر إلى القرن السادس عشر، وتحديدًا إلى عهد البرتغاليين الذين احتلوا مدينة آسفي سنة 1508. كان الهدف من بنائه واضحا: تحصين المدينة ضد الهجمات البحرية، خاصة وأن موقع آسفي الاستراتيجي جعلها مطمعا للعديد من القوى.

لكن بعد طرد البرتغاليين من المدينة سنة 1541، استعاد المغاربة السيطرة على القصر، وأصبح جزءًا من المنظومة الدفاعية للمغرب في وجه التهديدات الأجنبية.

هندسة القصر تتوزع بين القوة والجمال، فقصر البحر يتميّز بطرازه العسكري البرتغالي، بأبراجه الضخمة، وأسوار عالية مبنية بالحجر الكلسي، ومدافع برونزية ما تزال شاهدة على حقبة من الحروب والصراعات. أحد أكثر ملامحه تميزًا هو برج الساعة، الذي يضفي على المكان طابعًا أسطوريًا، إضافة إلى الإطلالة الخلابة على المحيط الأطلسي التي تجعل منه نقطة جذب سياحية مميزة.
لقصر البحر دوره الثقافي والسياحي في المدينة، فهو يُعد من أبرز المعالم السياحية في آسفي. يقصده الزوّار لاكتشاف تاريخه، والتقاط الصور بين أروقته العتيقة، والاستمتاع بإطلالته الساحرة. كما يُستخدم في بعض المناسبات الثقافية والفنية، حيث تسترجع المدينة من خلاله جزءًا من تراثها الغني.

لا يمكن الحديث عن قصر البحر دون الإشارة إلى المدينة التي تحتضنه، آسفي مدينة التاريخ والخزف والمحيط، إضافة إلى كونها ميناءً تاريخيا هاما، ومزيج من الحضارات الأمازيغية، العربية، الإسلامية، والبرتغالية التي تتجلى في أزقتها ومعمارها، لتقدم تجربة ثقافية فريدة لزوارها.

السيد وزير الشباب والثقافة والتواصل، إن الثقافة ليست فقط الغناء والرقص، بل هي الفن والفكر والإبداع والابتكار والشعر والرواية والكتاب والنقد والفنون التشكيلية والرسم والنحت والارتقاء بالذوق العام وكل ما هو جميل في الحياة، وهي كذلك الاهتمام بالتاريخ وبالمآثر التاريخية، ومعلمة قصر البحر بمدينة أسفي هي كذلك من الثقافة.

الآراء الواردة في هذا المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي “آشكاين” وإنما عن رأي صاحبها.

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

1 تعليق
Inline Feedbacks
View all comments
احمد
المعلق(ة)
24 أبريل 2025 13:09

والله قد نخجل احيانا من تعاملنا مع بعض المعالم التاريخية التي عوض ان تجلب للمغرب الهيبة و السمو الحظاري، نراها لا تجلب ألا العار والاسف وهي تتهاوى وتئن تحت طائلة الاهمال والنسيان، ويحز في قلب كل مغربي زار الاندلس اوالبرتغال ان يرى كيف اعتنى النصارى بترات ليس تراتهم وجعلوه معلمة لتاريخهم وسببا لجلب المفخرة والسياحة. وهنا تظهر المسافة القاتلة بين رؤيا تتمن الترات ورؤيا تتكلم فقط عن الثرات دون ان تراه في الواقع والمحيط.

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

1
0
أضف تعليقكx
()
x