2024 © - أشكاين جميع الحقوق محفوظة - [email protected]

أفردت “جون أفريك” مقالا مطولا للكاتب الموريتاني امبارك ولد بيروك، تحدث فيه عن انعدام أفق قيام دولة مستقلة لجبهة البوليساريو، مؤكدا أن “خيار الدولة الصحراوية لم يعد مطروحا في المخيمات.
وأكد ولد بيروك، في مقاله على “جون أفريك”، نقلا عن قريبة له عادت من المخيمات، أن ” لا أحد في المخيمات أصبح يؤمن بدولة مستقبلية سوى كبار السن”، مشددا على أن ‘هذا النزاع لا ينبغي له أن يستمر “.
ومضى الكاتب الموريتاني يحكي تفاصيل معاناة ساكنة المخيمات، وفقدانهم أمل “إقامة الدولة”، مشيرا إلى أنهم “يعيشون في وسط الصمت، وفوق رؤوسهم ضجيج هائل لم يعودوا يسمعونه، يغرقون شيئاً فشيئاً في روتين لا ينتهي، لأنهم لم يعودوا يرون غداً يلوح في الأفق، وقد نسوا منذ زمن طويل الشعارات القديمة التي لا يزال بعض الشيوخ يرددونها بخجل، ودفنوا أبطالهم منذ زمن ولم يعودوا يؤمنون إلا بالخزانات التي تمدهم بالماء والمساعدات الغذائية التي تُوزع عليهم، لقد نُسوا بينما يستعير غرباء أصواتهم في جميع المحافل الأفريقية”.
وأضاف أنهم أمضوا “خمسين عاماً من الانتظار دون أن يعودوا يعرفون ما ينتظرهم، ولد معظمهم هنا، تحت هذه الخيام المتهالكة، في هذه الأكواخ، في هذه الغرف المبنية من الطين، لم يعرفوا حياة غير حياة المخيمات، مؤكدا أنهم “ضحايا صراع يتجاوزهم بكثير، كما أصبح واضحاً أكثر فأكثر”.
وفي إبرازه لتناقض خطابات قادة الانفصال أبرز أن “هؤلاء المحتجزين قد حُشروا في وسط الصحراء، بينما ذهب آخرون، ليسوا دائماً منهم، للمطالبة باسمهم بدولة لم يؤمنوا بها قط، ففي البداية، كانوا يُجرّون إلى الحرب باسم قبائلهم فقط، حرب استنزفتهم بعد أن أُريقت دماؤهم وأُرسل أطفالهم إلى الموت، بل وخُنقت ثقافتهم وإيمانهم”.
رأي استبدادي بالمخيمات ..والعودة إلى المغرب
وأشار إلى أن هؤلاء المحتجزين “يعرفون جيداً أنه ليس لهم رأي في المخيمات، حيث يسود نظام استبدادي، وعيون “الجبهة” في كل مكان، والمليشيات تتجول، تفتش، تتحكم، فمثلا للانتقال من منطقة إلى أخرى، تحتاج إلى إذن، وهي ورقة يصعب الحصول عليها إلا إذا كانت لديك علاقات جيدة”.
وأضاف أنه “للذهاب من المخيمات والعودة إلى المغرب، عليك التفكير مرتين إذا كنت تترك عائلتك وراءك”، بينما الأذكياء يعيشون من تهريب المساعدات الغذائية، وهي صفقة رابحة لزويرات في شمال موريتانيا، لكن هناك بالطبع القادة الذين يسافرون حول العالم، ويقال إنهم يمتلكون عقارات فاخرة في كل مكان، ويُغذون القبلية بأبشع أشكالها والمحسوبية الفاضحة”، متسائلا “إن كان هؤلاء، “المُتميزون في رابوني” كما يُطلق عليهم، هل ما زالوا من ساكنة المخيمات حقا؟”.
الدولة الصحراوية يؤمن بها الشيوخ فقط
ونقل ولد بيروك شهادة لقريبة له عادة إلى موريتانيا من المخيمات، حيث قالإنه “قبل بضعة أشهر، سألتُ قريبة شابة جاءت إلى موريتانيا في إجازة طويلة جداً عما إذا كانت تتابع في المخيمات القناة التلفزيونية الوحيدة المتاحة، قناة البوليساريو، ففاجأتني إجابتها بالقول: “لا، لا أحد يشاهدها هناك إلا بعض كبار السن الذين ما زالوا يؤمنون بدولة مستقبلية، وفي عائلتي كلها، أبي هو من يؤمن بذلك قليلاً، وأنا مضطرة للبقاء معه”، وهو ما اعتبره الكاتب الموريتاني أنهم مؤشر على أن “شباب الصحراء في المخيمات ينتظرون رحيل آخر الشيوخ”.
لا حلم بانتصار عسكري.. ولا دولة صحراوية
ويرى المتحدث أنه “أصبح من الواضح أكثر فأكثر أن هذا الوضع الذي لا هو بحرب ولا سلام لم يعد يفيد أحداً، لا المغرب، ولا الجزائر، ولا بالأخص آلاف الصحراويين الضائعين في صحراء لحمادة”.
وأكد أن “ولادة دولة صحراوية لمتعد على جدول الأعمال في المخيمات، حيث يُتحدث عنها في أوساط نادرة، لكن لا أحد يؤمن بها حقا، حتى الجزائر نفسها لا ترغب فيها فعلياً”.
ومن مفارقات النظام الجزائري في متاجرته بالملف رغم معرفته بغياب الأفق، نقل ولد بيروك ما قاله له أحد القادة الصحراويين الذين انضموا إلى المغرب قبل سنوات إنه “فقد كل أمل في استقلال الصحراء الغربية عندما أخبره مسؤول جزائري أنه لم يعد هناك أي مجال للحلم بانتصار عسكري على المغرب، “حينها تساءل… وماذا بعد؟””.
لا أحد يرغم في انتصار الانفصاليين
وشدد على أنه “في الواقع، لا أحد يرغب في انتصار الانفصاليين الصحراويين، لأن لا أحد يعرف ما قد تؤول إليه الأمور إذا وقعت السلطة في أيدي قادة ثرثارين، محاربين، فقدوا كل شعبية واتصال بالواقع، أو في أيدي جماعات مسلحة بلا سلطة، أو قبائل مستعدة للتصادم بالسلاح، حيث ستكون فرصة ذهبية للجماعات الإرهابية”.
منبها إلى أن “المغرب لن يقبل أبداً، وعلى أي حال، ببتر هذه الأراضي التي أصبحت قضية وطنية، فموريتانيا، الجارة الجنوبية، ستكون حذرة للغاية لأن دولة أخرى “موريتانية” بالكامل سترفع بالتأكيد مطامعها في شمالها على الأقل، إذ بالفعل، نجد في الدعاية الخفية للبوليساريو، تُطرح فكرة كيان موريتاني كبير، يضم موريتانيا وجنوب المغرب وشمال مالي وأقصى غرب الجزائر، بشكل متكرر، حيث تُعتبر موريتانيا “الحلقة الأضعف”، كما كان الحال أثناء الحرب”.
صراع لا يجب ولا يمكن أن يستمر
وعاد ولد بيروك ليؤكد أن “هذا الصراع، الذي نشأ في الواقع من احتقانات قديمة تعود إلى عام 1963 بين المغرب والجزائر، لا يجب ولا يمكن أن يستمر، إلا إذا قررنا بلا ضمير حرمان شعب كامل من كل ما يتمتع به الآخرون، إلا إذا أردنا إبقاء شعلة قد تشعل يوماً المنطقة بأكملها”.
“الحقيقة التي تفرض نفسها”، يقول ولد بيروك هي أن “وجود المغرب في الصحراء الغربية أصبح، بعد خمسين عاماً من الاستثمارات ووصول أعداد كبيرة من السكان معظمهم من الصحراء المغربية، أمراً لا جدال فيه، كما أن “ظهور جيل لم يعرف الحرب أمر لا مفر منه”.
وأشار إلى أنه في “السنوات الأخيرة، اعترفت القوى الكبرى، الولايات المتحدة وفرنسا وإسبانيا، بالسيادة المغربية، وسحب العديد من الدول الأفريقية اعترافها بالجمهورية الصحراويةـ وهذا الاتجاه يتزايد”.
الحكم الذاتي خروج مشرف للجزائر والبوليساريو
وخلص إلى أن “مقترح المغرب بمنح حكم ذاتي هو أساس واقعي جداً لمفاوضات مستقبلية، وسيكون مخرجاً مشرفاً للانفصاليين والجزائر التي تعتبر الطرف المفاوض الوحيد القادر على مواجهة المغرب”.
وبتنزيل مقترح الحكم الذاتي، يقول الكاتب الموريتاني “يمكن للجزائر أن تحصل على حق وصول حر تماماً إلى المحيط الأطلسي، وحرية تنقل منتجاتها الصناعية، وسيحصل السكان الصحراويون على حكم ذاتي واسع، بل وشكل من الاستقلال، دون علم بالطبع، ولا دبلوماسية دولية، ولا قوات مسلحة بالتأكيد”.