لماذا وإلى أين ؟

من أرسم علمي إلى أحرق علمي

الجميع يتذكر بالتأكيد، أنشودة “أرسم بابا أرسم ماما، بالألوان، أرسم علمي فوق القمم أنا فنان”، حيث رددتها الألسن من نعومة أظافرنا في السنة الأولى للتعليم الإبتدائي، وفضلا عن ذلك فهي تتضمن معان عميقة ترسخ للوطنية والتعلق بالوطن الأم وحب الراية الحمراء التي تتسوطها نجمة خضراء.

ومعلوم أن العلم المغربي، هو رمز يوحد كل المغاربة على اختلاف أطيافهم وتوجهاتهم وأفكارهم وأعراقهم وأجناسهم ودياناتهم ولغاتهم، وبالتالي فالراية تدخل ضمن المقدسات مادام لها تعبير مباشر عن الإنتماء لتربة لاطالما ركظنا ولعبنا ودرسنا وبكينا وفرحنا فوقها طوال سنين طفولتنا وكذا عندما اشتد عودنا.

غير أن الخطير اليوم، هو عندما نلاحظ أن بعض التلاميذ في احتجاجاتهم ضد الساعة الإضافية، يبادرون إلى حرق العلم الوطني ورفسه بأقدامهم أمام البرلمان، نعم هو سلوك مرفوض ومُدان، غير أن الواقعة تحتم علينا جميعا النظر إلى الموضوع من عدة زوايا.

إن مفهوم الوطنية تغير كثيرا منذ سنين لدى هذا الجيل الصاعد، لكون تصادم مع تحولات اجتماعية وتكنولوجية كبيرة، أهمها عصر الفيسبوك والواتساب واليوتوب والمواقع الإخبارية، والهواتف الذكية التي لا يمكن أن تغيب عن جيوم تلاميذ اليوم، حيث أصبح جل الأطفال يمتلكون حسابات شخصية على الشبكات الاجتماعية، ومن هذا المنطق فإن فِعل التربية يصبح أصعب من السابق، لأن العديد من العوامل تتدخل فيه حاليا.

كما أن انفتاح “جيل الـ2000″، على الواقع الاجتماعي للمغرب، عبر هذه الوسائط التواصلية، جعل منه قنبلة موقوتة قد تنفجر غضبا في أية لحظة، لكون تشبع بمزيج من أنماط التفكير، والتي تكون في الغالب إما عدوانية أو عل شكل سخرية سوداء من الواقع المعاش، وإزاء القضايا الاجتماعية والسياسية والاقتصادية الراهنة، إلى درجة أن الطفل المغربي الآن، أصبح لا يخشى انتقاد المسؤولين في هرم الدولة بمن فيهم رئيس الحكومة، الذي نال سيلا من الشتائم والشعارات ذات حمولة قاسية ومن السب أمام البرلمان.

عامل آخر يساهم في سقوط منظومة الوطنية لدى هذا الجيل، هو التعليم بالمغرب الذي لازال يقبع في مؤخرة الترتيب العالمي، بل إن هناك دولا عديدة تعاني من الفقر والهشاشة والمجاعة والحروب، تجاوزت المملكة في هذا التصنيف، بحيث أنه رغم البرامج والخطط التي تضعها الحكومات المغربية المتعاقبة إلا أن كل ذلك باء بالفشل الذريع وباعتراف من الدولة نفسها، التي تغير من طريقة تدبيرها لهذا القطاع كل سنة، سواء من الناحية البيداغوجية أو من ناحية الموارد البشرية.

فالتعليم بالمغرب، لم يعد قادرا أبدا على احتواء طفل متشبع ومنفتح على العالم وتحولاته عبر المواقع الاجتماعية والحواسيب والهواتف الذكية، وإلا ما كنا لنشاهد عددا من التلاميذ وهم يرفسون العلم الوطني، لكون هذا التعليم عاجز تماما العجز عن ترسيخ قيم الوطنية وحب الإنتماء.

ولكن لا يجب أن نغفل أيضا البؤس الذي أصبحنا نشاهده هنا وهناك من طرف المسؤولين المغاربة عل مدى سنوات، من حيث وعودهم الكاذبة وطريقة تدبيرهم للشأن السياسي والحزبي بالمغرب، والاتهامات التي يكيلونها لبعضهم البعض، وكذا القرارات اللاشعبية التي يتخذونها بين الفينة والأخرى، والرفع من الأسعار، وعدم ملاحقة المفسدين وتركهم يعيثون فسادا في دواليب الدولة، إضافة إلى اعتقال المناضلين والمحتجين من أجل حقوقهم، فضلا عن سجن المعارضين وقمع حرية التعبير في حالة تجاوز ما يسمى بالخطوط الحمراء.

كلها عوامل وأخرى، لا يسع هذا المقال لذكرها، تؤكد بالملموس أن فِعل إحراق العلم الوطني بتلك الطريقة، له دوافع عديدة تتمثل إجمالا في الحقد الدفين والغضب المكبوت في نفوس هذا الجيل الصاعد، والشعور بالسخط والكره للوطن، حيث إذا سألت تلميذا محتجا عن سبب إحراقه للعلم الوطني لقال: “هاد البلاد ماعطاتني والو علاش غادي نبغيها؟”… على خلاف جيل الثمانينيات والسبعينيات، الذي إذا رآى “السطافيط” في التلفاز يختبئ خوفا من الاعتقال، لكن سرعان ما انقلبت الآية وانتهى ذاك الخوف المركب وانتقلنا، مع الأسف الشديد، من “أرسم علمي، إلى أحرق علمي”…

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

0
أضف تعليقكx
()
x