2024 © - أشكاين جميع الحقوق محفوظة - [email protected]
يهود المغرب والسياسة..حضور تاريخي وانتكاسة الحاضر

لا جدل يثار حول مساهمات أبناء الطائفة اليهودية المغربية في المجال السياسي، والمتصفح لتاريخ المغربي القديم والحديث، يدرك حجم هذا الدور، بل يكفي معرفة أن كل الدول التي تعاقبت على حكم المغرب- حتى بعد دخول الدين الإسلامي- جعلت لهذه الطائفة مكانة مهمة في بلاط قصورها، فلم يكن أبراهام بن كمنيالإ لا وزيرا وأميرا في دولة المرابطين، وفي عهد الموحدين كان ابن شلوخة خازن بيت مال المسلمين، كما شغل المنصب نفسه موشي بن عطار في عهد السلطان إسماعيل، والحبل على الجرار يطول.
وسارت الدولة الحديثة في المغرب على نهج من سبق، فبالإضافة إلى انخراط اليهود المغاربة في الحركة الوطنية للمطالبة باستقلال المغرب،أو في الحركة السياسية المدافعة عن الديمقراطية، نجد عددا من اليهود المغاربة في مواقع حساسة داخل أجهزة الدولة، بحيث لازال أوندري أزولاي يشغل منصب مستشار للعرش المغربي سواء في عهد الملك الراحل الحسن الثاني أو عهد الملك محمد السادس، ونفس الأمر بالنسبة لسيرج بيير ديغو الذي تقلد عدة مناصب كان أخرها سفير متجول للمغرب، ناهيك على الدور الذي لعبه أبرهام السرفاتي المعارض الماركسي في نسج أحداث مغرب السبعينيات.
في هذا الملف الصحافي، تعرض جريدة “آشكاين” لقرائها، شهادات لليهود المغاربة المستقرين بالمغرب أو الذين هاجروا إلى “إسرائيل” وكذا لناشط مناهض للتطبيع، حول المساهمة اليهودية في العمل السياسي بالمغرب، لعلنا نشكل صورة واضحة حول التطورات التي عرفتها مساهمة هذه الطائفة، خاصة بعد تأسيس “إسرائيل” على أرض عربية، وما تبع ذلك من هجرة جماعية لأبناء الطائفة إليها، وتأثير ذلك على وضعهم بالمغرب.
تقلص الحضور السياسي لليهود المغاربة والإقصاء غير وارد
أكد سيون أسيدون، عضو حركة “المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات على إسرائيل”، أن تقلص الدور السياسي لليهود المغاربة، مرتبط “بالعامل العددي، أما الإقصاء فهو غير وارد”، مضيفا أنه بالنظر لتقلص حجم المكون اليهودي – وأقول المكون اليهودي وليس المكون “العبري” وهي بدعة دستورية لها ما لها من التباسات- فإنه يمكن القول إن “المساهمة في الحياة السياسية لهذا المكون يتناسب مع حجمه”.
وتابع الناشط الحقوقي اليهودي، متسائلا “لماذا وكيف ذهب مسار هذه الطائفة إلى التقليص عن طريق الهجرة أساسا، وما هو الدور التحريضي الذي لعبه الاستعمار في هذا المسار، وكيف تم تقسيم الأدوار لاحقا بين الحركة الصهيونية والمخزن للوصول الى هذه النتيجة؟”.
وقال أسيدون إن “للطائفة اليهودية وضع قانوني خاص متعلق بالأحوال الشخصية ؛ وهذا التميز في وضع اجتماعي يتميز بمكانة واسعة للديانة في الحياة الاجتماعية وأيضا في تصور الانسان للعالم يكرس وضعية تقسيم اجتماعي. وهكذا على المستوى السياسي، فالاستعمار اجتهد لاستغلال هذه الوضعية القانونية لتكريس وضع كان سائدا قبل دخوله ويمكن تشخيصه بجعل هذه الطائفة كيان سياسي يعامل في إطار السياسات الرسمية ككتلة متجانسة، وهكذا شجع الاستعمار اعمال المؤسسات الاستعمارية الأجنبية اتجاه الطائفة، والمقصود هنا بالخصوص التمدرس الخاص الذي نشر اللغة الفرنسية بالخصوص في صفوف التلاميذ (الأقلية المتمدرسة)بغرض خلق “نخبة” قادرة على خدمة مصالح المستعمر. وهذا يشكل جانبا من محاولة عزل هذا الجزء من المغاربة عن باقي المغاربة”، بحسب تعبير المصدر.
ويرى المتحدث أنه ” رغم هذه السياسة الاستعمارية، شارك أفراد من الطائفة في الميدان السياسي العمومي بالانخراط في النقابات والأحزاب، منذ فترة المقاومة ضد الاستعمار في مرحلتها الثانية، بعد انتهاء المعارك المسلحة ضد الاحتلال وظهور الأحزاب السياسية الوطنية”.
واعتبر أسيدون، أن مساهمة اليهود المغاربة في الحزب الشيوعي، وفي جمعية الوفاق النابعة من مبادرة حزب الاستقلال، دليل عن فشل الاستعمار”، مشيرا في السياق ذاته، إلى أن “حملة القمع التي نظمتها القوى الاستعمارية ضد التضامن الجماهيري طالت جميع مكونات الحركة الوطنية المغربية بما فيها الحزب الشيوعي آنذاك”. وإن “حاول الاستعمار معاملة المناضلين المغاربة المنحدرين من الطائفة اليهودية معاملة خاصة”.
وأضاف المصدر، في معرض تصريحه، أن مساهمة اليهود المغاربة في السياسة، “لا تعني أن المواطنين المغاربة المنحدرين من الطائفة اليهودية لعبوا دورا خاصا او طلائعيا في الحركة الوطنية”، وإنما كل ” مكونات الشعب المغربي دون استثناء شاركت في الحياة السياسية للبلاد كل حسب حجمه”.
من بلد الهجرة يهود يدافعون عن مصالح الوطن الأم
حاولت “آشكاين” أن تقدم وجهة نظر اليهود المغاربة المتواجدين بـ”إسرائيل”، في الدور السياسي الذي يلعبه المغاربة اليهود في السياسة الوطنية، فاتصلت بإلياس زنانير، المسؤول عن “العلاقات مع المجتمع الإسرائيلي في حركة فتح”، الذي ربط الاتصال مع عدد من اليهود المغاربة حيث تم إقناع شيرا اوحايون، أستاذة بوزارة التعليم والتربية الإسرائيلية، بالحديث، فأكدت في بداية تصريحها أن “اليهود المغاربة ساهموا في تاريخ المغرب بشكل كبير سواء على المستوى السياسي أو الاقتصادي أو الثقافي، والسبب في ذلك أن اليهود المغاربة من السكان الأصلين والمغرب بلدنا”، وزادت “أنا زرت المغرب في رحلة سياحية قبل شهرين فتعرفت على الكثير من المعالم اليهودية في مختلف نواحي البلاد التي تشهد على ذلك”.
وسجلت، مديرة فرقة أوركسترا القدس، “تراجع دور اليهود المغاربة في المرحلة الأولى للاستقلال، بسبب تغير الموقف منهم فبدأوا يحسون أنهم غير آمنين وأن هناك خطر على حياتهم وممتلكاتهم، وذلك مقارنة مع الدور الذي “لعبوه في السابق، حيث كانوا ضمن بلاط الحكام المتعاقبين على عرش المغرب”. وأضافت بأن اليهود ساهموا ” مع إخوانهم المسلمين المغاربة في إبداع الموسيقى الأندلسية وفي السياسة”.
وأكدت شيرا التي ولدت بإسرائيل من أم تنحدر من مدينة تطوان وأب من مدينة الجديدة، على أن “اليهود المغاربة أكيد سوف يدافعون عن الوحدة الترابية المغربية ومصالحه بكل قدرتهم، حتى وإن لم يتقبل البعض، لأن هذا يعتبر جزء من الواجب اتجاه بلد لنا فيه تاريخ عريق”.
وقالت، المتحدثة إنه “قد تكون هناك بعض المواقف أو الممارسات المعادية لمصالح المغرب من طرف بعض الإسرائيليين، لكن يجب أن نميز بين اليهود المغاربة الذين يحبون بلدهم المغرب وبين غيرهم، فمثلا استقبال وزير الاتصال الإسرائيلي أيوب قرا لزعيم جبهة البوليساريو إبراهيم غالي، خلق غضبا لدى اليهود المغاربة بنفس درجة الغضب التي شعر بها المغاربة المسلمين”.
وتعتقد شيرا أن عدم وجود نواب يهود بالمؤسسة التشريعية وباقي المؤسسات المغربية، ليس راجع للإقصاء والتهميش بل يعود لليهود أنفسهم، مشيرة إلى أن المشاركة في المؤسسات المغربية أمر مهم”.
وفي سياق متصل، أشارت شيرا إلى أن “المغاربة اليهود بإسرائيل أغلبهم ينتخب اليمين المتطرف وليس اليسار أو الوسط، وهذا ما يعرقل نوعا ما، أي مساهمة حقيقية غير مباشرة في السياسة المغربية ودعم المغرب في الدفاع عن مصالحه ووحدته الترابية، لكن زيارتهم للمغرب وملاحظتهم لمدى حفاوة الاستقبال والترحيب بهم في المغرب سوف يساهم في تغيير هذا التوجه الانتخابي ويخفف من العنصرية التي تكن للعرب والمسلمين في إسرائيل”.
اليهود المغاربة وخطر تقسيم المغرب
قال أحمد ويحمان، رئيس المرصد المغربي لمناهضة التطبيع، إن “اليهود المغاربة بإسرائيل يؤثرون في السياسةوصنع القرار بالمغرب بشكل سلبي”، مضيفا أنه في “المدة الأخيرة أصبح هذا الدور ينذر بالخطر”، مبرزا أن تجليات هذا التدخل تكمن في “تفخيخ الثقافة والتنوع الإثني الذي تميزت به الهوية المغربية على مدى قرون لاستغلالها في تفجير المغرب وضرب وحدته الترابية واستقراره ومستقبل شعبه”.
وكشف منسق رابطة إيمازيغن من أجل فلسطين، أن هناك “مخطط خطير يسعى إلى تقسيم المغرب إلى خمس دويلات، يقف خلفه مسؤولون صهاينة من الصف الأول يسعون إلى تنفيذه وتفجير المنطقة كلها ومنها المغرب”. وأشار إلى أن هناك “شخص جاء إلى المغرب وادعى أنه لاجئ سياسي مع أن الدولة لم تعطه اللجوء، فرد أنه لاجئ سياسي عند الحركة الثقافية الأمازيغية وكأن هذه الأخيرة هي دولة ثم يتصدر مظاهرة في المغرب حاملا علم كردستان، وهذا يعبر عن خطورة لا يقدرها المغاربة لأنهم لا يعلمون تفاصيل الأمور”، بحسب تعبير المصدر.
ويعتقد الناشط المناهض للصهيونية، أن اليهود المغاربة في الكيان الصهيوني فيهم فئة كبيرة جدا ضحية الصهيونية التي سماها المرحوم إدمون عمران المالح ب” السم والسوسة” وهو اليهودي الأصيل الذي رفض أن تترجم كتاباته إلى اللغة العبرية باعتبارها لغة قتلة حسب وصفه”.
وتابع ويحمان في ذات السياق، أن اليهود المغاربة بإسرائيل “ضحية لأنهم اقتلعوا من أرضهم وهي جريمة مرفقة بجريمة أخرى هي تشريد شعب أخر ليحلو محله ومنهم يهود اقتلعوا قصرا لاسيما اليهود الفقراء بالجنوب الذين عاشوا في تناغم مع إخوانهم المسلمين من عرب وأمازيغ جمعت بينهم تجارة ومصالح مشتركة”.
ونفى المتحدث نفسه، أن يكون اليهود المغاربة المتواجدين بإسرائيل يدافعون عن الوحدة الترابية أو المصالح الخارجية للمغرب، متسائلا ” هل يصدق العقل أن الذين يسعون إلى تفكيك المغرب إلى 5 دويلات ينطلي علينا لعبهم في أنهم يدافعون عن الوحدة الترابية “، مؤكدا أن ” أيوب قرا، وزير الاتصال الصهيوني استقبل إبراهيم غالي زعيم جبهة البوليساريو الانفصالية، خلال حفل تنصيب الرئيس الإكوادوري”.
ودعا، رئيس المرصد المغربي لمناهضة التطبيع، اليهود المغاربة في فلسطين المحتلة للعودة إلى بلدهم الأم، الذي “لن يجدوا بلادا أمنا مثله، خصوصا بعد أن أصبحت صواريخ حزب الله الذي يملك حوالي 150 ألف، وصواريخ المقاومة الفلسطينية تصل إلى كل شبر في فلسطين المحتلة، بما فيها المفعل النووي ديمومة، وحاويات الأمونيا في حيفا وهو ما يعني الموت في دقائق”، يقول ويحمان.
وزاد المصدر، موجها حديثه لليهود المغاربة بإسرائيل:” عودوا بنية صافية وعيشوا وترشحوا وانتخبوا واستثمروا شأنكم شأن كل المغاربة لا تزيدون ولا تنقصون شيئا خاصة بعد التطورات التي عاشها المغرب”.
تختلف الرؤى باختلاف زوايا النظر، ويبقى المشترك يجمع بين المتناقضات، ومن المشترك تأخذ “آشكاين”، موقع البحث عن الحقيقة النسبية في تاريخ يكتبه القوي، وواقع تحكمه المصالح، ومن هذا المنطلق رصدنا مساهمات اليهود كجزء من النسيج المجتمعي المغربي، التي تراجعت بعد ظهور “إسرائيل” على أرض فلسطين، دون أن تؤثر على التعايش السلمي الذي تميز به المغرب مع هذه الطائفة؛ التي اعتبرتها كل الحضارات إلى حدود نهاية الحرب العالمية الثانية نشازا. ولعل هذا التعايش ينعكس إيجابا على ” الصراع العربي الإسرائيلي” في المدى القريب والمتوسط الذي تحكمه سياسة فرض أمر الواقع.