لماذا وإلى أين ؟

البرلمان ليس أداة لمساءلة العمل القضائي

أحمد أولاد الصغير*

رأي على هامش سؤال طرح عن فريق “العدالة والتنمية” السيد نبيل شيخي ، بمجلس المستشارين، أثناء انعقاد جلساته المعلنة، سؤالا جاء فيه: ” سؤالنا في العمق و في الحقيقة فهو يتعلق بحفظ الحقوق وتطبيق القانون، ومن الأسس الكبرى لدولة الحق والقانون هو حفظ الحقوق والتطبيق السليم لمقتضيات الدستور والقانون، ولذلك وبين وضعنا لسؤال والتئامنا في هذه الجلسة وقعت نازلة عندها علاقة وثيقة بحفظ الحقوق والتطبيق السليم للقانون. مع الأسف الشديد صدقنا البارحة بإحالة مؤسفة وصادمه تتعلق بقاضي التحقيق بمحكمة الاستئناف بفاس الموجهة بإحالة ملف الدكتور حامي الدين على غرفة الجنايات بذات المحكمة… نحن نعتبر أن هذا القرار يخالف مجموعة من المقتضيات الدستورية والقانونية كيف سنتعامل مع هذا القرار الخارق ………..الخ”

وفي معرض الرد على هذا السؤال نثير نقاطا نتناوله من عده جوانب…

فغير خاف على أحد بأن اختصاصات البرلمان كسلطه تشريعية، مراقبة الأداء الحكومي وتقييم السياسات العمومية بما فيها مساءلة الحكومة واستجوابها عن أي ادعاء بحدوث انتهاكات حقوق الإنسان بالإضافة إلى الولاية التشريعية ولقيام البرلمان بمهامه على أكمل وجه زوده المشرع المغربي بأدوات من بينها الأسئلة والتي تنقسم إلى :

1) الأسئلة الشفوية : ويطلق عليها الأسئلة الشخصية دون مناقشة ويقصد بها أن الوزير عندما يجيب على سؤال النائب أو يرد على تعقيب تمنح له مدى وجيزة من الزمن، كما أن النائب هو الآخر تمنح له مدة وجيزة لعرض سؤال و التعقيب

2)الأسئلة الشفوية الآنية: يقصد بها تلك الأسئلة الطارئة الاستثنائية، الأسئلة الشفوية المطبوعة بمناقشة أوسع مدى من السؤال الشفوي العادي حيث تتيح فرصة أكبر للنائب السائل أو بقية النواب الاشتراك في هذه المناقشة

3)  الأسئلة الكتابية: يجيب أن تتوفر على الشروط الشكلية والموضوعية التي يتطلبها القانون حتى تدرج في جدول أعمال الجلسات.

إن القارئ سيجد لا محاله تداخلا بين السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية -مراقبة -توجيه- اقتراح – مسائلة… –

لكن تظل السلطة القضائية ذات طبيعة خاصة واستثنائية تضاهي عمل باقي السلط، وهذا لا يعني بأن المشرع عزلها نهائيا عن التعاون بينهم.. وإنما حصر أوجه ذلك إلا في ما نص عليه القانون (تنفيذ الأحكام، تشريع القوانين، التدبير الإداري للمرفق القضائي)…….

_إن عنوان استقلالية السلطة القضائية لن يتأتى إلا بتفعيل حقيقي لمبدأ فصل السلط وذلك تجنبا لأي ضغط أو تأثير أو تدخل قد يمارس عليها… فكيف للنائب البرلماني وهو الممارس للشأن السياسي أن يسلط سيف سلطته التشريعية على سلطه منظمة دستوريا!؟

_إن ما أقدم عليه في سؤاله و جعل من مقدمات السؤال توطئة حقوقية (انتهاكات حقوقية في الممارسة الحكومية ) لم يحد عن استغلال بشع وفهم خاص عقائدي لاختصاصات البرلمان والتوظيف السيء لشرعية النيابية..

فكيف يتم تقديم سؤال كتابي أو شفوي للحكومة وكأن لهذه الأخيرة رقابة على الأعمال القضائية و قراراتها.

_إن أقل ما يمكن أن نقوله هنا أننا أمام صورة فاضحة لتأثير على القضاء و خرق سافر لمقتضيات الفصل 107 من الدستور المغربي “السلطة القضائية مستقلة عن السلطة التشريعية وعن السلطة التنفيذية، والملك هو الضامن لاستقلالية السلطة القضائية “، يمنع كل تدخل في القضايا المعروضة على القضاء ولا يتلقى القاضي بشأن مهمته القضائية أي أوامر آو تعليمات ولا يخضع لأي ضغط ……………

يعاقب القانون كل من حاول التأثير على القاضي بكيفية غير مشرعة

” أهم المواثيق والإعلانات”، المبادئ الأساسية بشأن استقلالية القضاء التي اعتمدها مؤتمر الأمم المتحدة السابع لمنع الجريمة ومعاملة المجرمين المعقودة في ميلانو من 26 غشت إلى 6ديسمبر 1985 نصت على أنه: تكفل الدولة استقلالية السلطة القضائية وينص عليه دستور البلد أو قوانينه ومن واجب جميع المؤسسات الحكومة وغيرها من المؤسسات احترام ومراعاة استقلال السلطة القضائية.

1) تفصل السلطة القضائية في المسائل المعروضة عليها دون تحيز على أساس الوقائع ووفقا للقانون، ودون أية تقييمات أو تأثيرا غير سليمة أو أية إجراءات أو ضغوط أو تهديدات أو تدخلات مباشرة كانت أو غير مباشرة من أي جهة او لأي سبب.

2)  تكون السلطة القضائية الولاية على جميع المسائل ذات الطابع القضائي كما تنفرد سلطة البث فيها إذا كانت أية مسألة معروضة عليها للفصل فيها تدخل في نطاق اختصاصها حسب التعريف الوارد في القانون

3) لا يجوز أن تحدث أية تدخلات غير لائقة أو لا مبرر لها في الإجراءات القضائية ولا تخضع الأحكام القضائية التي تصدرها المحاكم لإعادة النظر ولا يخل هذا المبدأ بإعادة النظر القضائية أو بقيام السلطة المختصة وفقا للقانون تخفيفها أو تعديل الأحكام التي تصدرها السلطة القضائية …

_هذه بعض من القوانين التي خرقها السيد النائب وقد يتحجج البعض بأن التأثير على القضاء وفق الفصل 109 من الدستور ألزم فيه المشرع أن يكون بكيفية غير مشروعة، محاولين بذلك تغليط الرأي العام، وأن عبارات “بكيفية غير مشروعة” تحيل بالضرورة على المحافظة على الأصل وهو حق الدفاع وما أقر به القانون، فما عدا هذا فهو يدخل في غير المشروع طبعا.

إن استقلالية السلطة القضائية لا يمكنها أن تتحقق أمام مثل هذه الخروقات برغم وجود نصوص دستورية وقانونية ومواثيق دولية، وأن السلطة القضائية هي المخولة الوحيدة لإنزال القوانين وانفاذها وتفسيرها والاجتهاد في ظلها.

إن من أسس ومبادئ دولة القانون التقيد بمبدأ الشرعية الذي تقتضي استقلالية القضاء، واخضاع الجميع لسلطة القضاء.

فوصف قرار قاضي بالأخرق و بأوصاف أخرى مخالف للقانون هو جريمة في حق القضاء المغربي وتطاول بئيس على المرافعة ومحاولة مكشوفة لجر ملف وتسييسه… والحال أن كل حيثياته تتعلق بمناقشة قانونية صرفة، ولا يصح تهريبه من محراب العدالة نحو قبه البرلمان و تدخل الأحزاب لمحاولة الضغط بذلك وفرض تسوية للملف سياسيا مادام أن الورطة هي في الأصل تمس توجه سياسي بنى وجوده على العنف المادي والمعنوي, وأعطى أولى أولوياته في مشروعه الإخواني الانقضاء على السلطة القضائية وما تجربة مصر وتركيا إلا دليلا واضحا عن منطق الصراع الحقيقي و الخفي .

*محامي بهيئة القنيطرة

إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبر بالضرورة عن رأي آشكاين و إنما تعبر عن رأي صاحبها.

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

5 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
عبدالله بنعلي
المعلق(ة)
25 يناير 2019 09:14

سي عبدربه يظهر جليا انك لم تفهم مقالة المحامي وأجزم واقول لك لا تقادم في القتل.هناك اشخاص صدرت في حقهم احكام ثقيلة عن القتل الغير العمد اما صاحبك قضى سنتين عن القتل الغير العمد في ظل وزير الداخلية البصري. اما الان ظهور وقائع جديدة والشاهد أدى اليمين القانونية يجب متابعته اما ان يحمي نفسه بالبرلمان اقول بالعامية المغربية( ماوكلاش)

عادل فاس
المعلق(ة)
25 يناير 2019 01:28

ملاحظة في محلها استاذ اولاد الصغير افدتنا بما فيه الكفاية برافو

عبد ربه 2
المعلق(ة)
24 يناير 2019 16:51

الى السيد صاحب تعليق تحت اسم عبد ربه هل سبق لك ان كنت مقدم لكي تطالب الآخرين بتحديد هويتهم السياسة ……تعليقك خارج عن السياق اما بخصوص المقال أقل ما يمكن أن يقال عنه انه سلط الضوء على الصراع الإخواني من أجل إفساد القضاء

زكرياء شابو
المعلق(ة)
24 يناير 2019 13:41

تحليل موضوعي وقانوني دقيق لارتباك شاب ٱصدقاء حامي الدين وجعلهم يخلطون بين السلط والاختصاصات .تحية للدكتور اولاد الصغير

عبد ربه
المعلق(ة)
24 يناير 2019 01:09

لو كانت هذه المقالة مكتوبة من طرف قاضي لقلنا إنه يدافع عن استقلالية القضاء و….لكن أن تكون من طرف محام ويتم اقحام توجهات سياسية للدفاع عن جهة معينة ضد أخرى.فهذا الأمر غير مستساغ.من أراد أن يمارس السياسة عليه أن يكشف عن لونه السياسي لا أن يختبئ وراء الانتماء المهني….

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

5
0
أضف تعليقكx
()
x