2024 © - أشكاين جميع الحقوق محفوظة - [email protected]
ثقافة الحب في المجتمع المغربي

احيزون سميرة*
غير بعيد عن الموعد العالمي المخصص للإحتفال بالحب، لن أتحدث عن طرق الإحتفال أوعن ماهية الحب ولا الحب الإفتراضي أو الواقعي، لكن بالمقابل سأتساءل عن تمثل المغاربة للحب ، وكيفهو حال لغة الهوى لديهم ؟و هل يمتلكون القدرة على التعبير عن حبهم ؟
غالبا ما نصادف أفكارو تصنيفات تجعل من الدارجة المغربية، و مفرداتها عاجزة و لا ترقى لمستوى التعبير عن الحب، لكن ببحث بسيط جدا فيالمعجم اللغوي المغربي، نجد أنه مليء بمفردات مرتبطة بالحب الجد معبرة، فهناك أكثر من مرادف له و كمثال : بضاض ، الزعطة ، العطفة ، البغو ، الربطة ، الهوا، ” و “ثايري” بالأمازيغية الخ.
و إن كان العالم بأسره قد جعل من القلب رمزا للحب، فالمغاربة أضافوا عضوا آخر ألا و هو الكبد، و الذي يقابله باللغة الأمازيغية “تاسا”.
ناهيك عن الذاكرة الشعبية المغربية سواء بالدارجة أو الأمازيغية ، و التي تزخر بقصص وحكايات و أساطير غرامية ، دون نسيان بصمة الفن المغربي بمختلف تلاوينه وتركيبته و ثراءه البادخ، بدءا بالأشعار و “تاموايت” الأمازيغية التي تنبض و تتنفس حبا، و مرورا بالملحون هذا اللون التراثي المكتنز، وصولا إلى العيطة نداء القلب و التاريخ العريق ،هذه الأخيرة التي تضم في ثناياها تيمات متعددة و من بينها تيمة الحب.
مما يجعلنا أمام غنى ثقافي وفني و لغوي أيضا،يدحض معه كل فرضية تفيد أن المغربي لا يعرف للحب طريق أو لسان ، مما يطرح معه التساؤل حول مكمن الخلل و هو ما يحيلنا مباشرة على التربية و التي تعاني ثغرات عدة.
كيف يمكن للإنسان أن يحب؟ و يعبر عن ذلك إذا كان يعاني من مركبات نقص، تجعله غير قادر حتى على حب نفسه و التصالح مع ذاته،هو بالأساس نقص على المستوى العاطفي وغياب الثقة في النفس، وانعدام الاهتمام، ضعف الشخصية ، الخجل …
فالحب قبل أن يكون إحساسا هو ثقافة أسرية و مجتمعية، قلما نسمع عبارات الحب و الود بين الآباء و أبنائهم أو بين الزوج و الزوجة أو حتى تلك المتبادلة و بين الأصدقاء و الإخوة… فلكي تشيع هاته الثقافة يجب أن تنطلق من أساس مهيأ لإعطاء الحب و استقباله.
فلا زال العديد من الناس يخلطون بين الحب و الإعجاب و الإنجذاب الجنسي، و هذا يعتبر مشكل بحد ذاته.
وكثر هم من يظنون أن الإبتسامة و الإحترام و تشابه الإختيارات، و تقديم الخدمات أو المساعدة من الطرف الآخر، حبا و هذا راجع للشح و العطش العاطفي الذي يعانيه الإنسان منذ طفولته، و يظهر مع المدة على شكل خيبات و حرمان و سوء تقدير و فهم، فيحيلنا على اضطراب العواطف و التيه و هشاشة شعورية مترسبة .
دون أن ننسى أن هناك من يستنقص من الرجل إزاء بوحه أو تعبيره عن الحب علنا و قد يطلق عليه لقب “عنيبة ” و هو من المصطلحات المستجدة على دارجتنا المغربية، أما بخصوص المرأة فتقرر عدم الإقدام على الخطوة، حفاظا على كرامتها و مكانتها و إلا سميت ب ” المدلولة”، قد يكون هذا راجع للإبتذال و الالتباس الحاصل على مستوى العلاقاتو هو موضوع آخرذو شجون، فيحق لنا هنا التساؤلالمشروع، ألم يمكنا التطورو الانفتاح الحاصل من إبتداع طرق تعبيرية تشبهنا و تلائم ثقافتنا و هويتناو تراعي خصوصيتنا ؟
و سبب التساؤل راجع لموجة التقليد الأعمى أوعقدة الآخر، حتى صرنا نستعير طباع و ثقافة و لغة غيرنا لنعبر عن مشاعر تخصنا.
و في خضم الحديث دائما عن أزمة التعبيرعن الوله، فقد استطاع العديد الخروج منها، و كان البديل من خلال التعبير بالافعال و المواقف و الاهتمام أكثر من الأقوال ، مثلا كإلقاء أسئلة ملمحة غير مصرحة من قبيل : هل أنت حزين ؟ مابال ملامحك متغيرة؟ كل جيدا ، إلبس معطفك، ألديك مصروف؟ و قد يظهرها البعض من خلال التنازل عن نصيب المحب من الحلوى أو قطعة اللحم لمحبوبه على غرار أجدادنا،هي في الظاهرحركات و مواقف و أسئلة روتينية و تبدو سطحية لكنها تحمل من الحب و الود الشيء العميق.
ليظهر جليا أن المشكل ليس في اللغة بل في تقنيات غرس ثقافة التعبيرعن الحب و هي من الحقوق المهدورة اجتماعيا لأنها تكتسب، فإذا كانت الأسرة عاجزة عن نشر هذه الثقافة، و المدرسة تلغيها من مقرراتها و المجتمع يدينها ، فلا تنتظر كائنا كان أن يحب بشكل سليم لوحده إلا من رحم ربي، فهناك من ينهل من الروايات و آخر يستعين بالأفلام و السلسلات و الكثير يستفيد من تجارب الغير، و آخرون يقصدون السوشيال ميديا و البقية انصرفوا عن الحب و ما جاوره.
*أخصائية إجتماعية و مدونة.
إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبر بالضرورة عن رأي آشكاين و إنما تعبر عن رأي صاحبها.