2024 © - أشكاين جميع الحقوق محفوظة - [email protected]

أساطير طنجة، سلسلة يعدها الصحافي عبد الله الغول، تستكشف أغرب الحكايات الشعبية والأساطير التاريخية المتداولة حول مدينة طنجة… حلقاتها تجمع بين السرد الأسطوري والمعطيات التاريخية… تلتقون معها طيلة شهر رمضان في حلقات يومية مثيرة ومشوقة.
الحلقة 3 :
ارتبط اسم طنجة دائما بالأساطير، وأحد أكثر الأساطير شهرة قد تكون أسطورة تأسيس المدينة، حيث يقال أنه وفي زمن سحيق، قبل أن تُرسم الخرائط، وقبل أن تُبنى الممالك، كانت هناك أرض شاسعة تمتد بين البحر والجبال، يحكمها عملاقٌ رهيب يُدعى أنتايوس. كان ابنًا للإله بوسيدون، سيد البحار، وغايا، أم الأرض، مما منحه قوة لا تضاهى، طالما قدماه تلامسان التربة.
وحسب ما ورد في كتاب “Tangier: A Different Way” للكاتب فايدن لاودن، فقد عاش أنتايوس قديما في أرض تمتد حتى ضفاف الأطلسي، وكان يفرض سلطته المطلقة على كل من يعبر أرضه.
كان لهذا العملاق قانون صارم: كل من يمر عبر مملكته، عليه أن يصارعه حتى الموت. لم يكن أحدٌ قادرًا على هزيمته، لأن كلما سقط على الأرض، استمد منها طاقة جديدة، فنهض أقوى من ذي قبل. قيل إنه استخدم عظام خصومه الميتين لبناء معبدٍ مهيب تكريمًا لوالده بوسيدون، ورُويت قصص عن جثث المحاربين الذين حاولوا عبور أرضه، لكنهم لم ينجوا أبدًا.
لكن القدر كان يُخبئ له خصمًا لم يكن في حسبانه.
لقاء العمالقة
في أحد الأيام، كان هرقل، البطل الإغريقي الأسطوري، في طريقه إلى حديقة الهسبريدس لإتمام مهمته الحادية عشرة من مهامه الاثنتي عشرة: جلب التفاح الذهبي، رمز الخلود. كان هرقل قد عبر الصحارى والجبال، وهزم وحوشًا وأعداءً لا يُحصون، لكنه لم يكن يعلم أنه في طريقه إلى مواجهة قوة لم يرَ لها مثيلًا.
عندما دخل أراضي أنتايوس، لم يكن أمامه خيار سوى القبول بالتحدي. وقف العملاق أمامه، شاهقًا كجبل، عيناه تلمعان كالجمر، وابتسم بسخرية وهو يمد يده نحو هرقل، مشيرًا له أن يتقدم.
“حسناً، أيها الغريب، أنت تعرف القواعد. لن تمر إلا إذا هزمتني!”
لم يكن هرقل من أولئك الذين يهربون من القتال. اقترب، شد قبضته، وانطلق نحوه كالإعصار. تلاقى الجسدان العملاقان، واهتزت الأرض تحت وطأة صراعهما.
في البداية، بدا أن هرقل يمتلك اليد العليا، فقد كان مدربًا على أعنف أنواع القتال، لكن سرعان ما أدرك أمرًا غريبًا: كلما طرح أنتايوس أرضًا، نهض أقوى من قبل!
كرر المحاولة مرارًا، لكن أنتايوس كان يعود إلى القتال منتعشًا، كأن الأرض نفسها تعيد شحنه بطاقة لا متناهية. بدأ التعب يتسلل إلى هرقل، لكنه لم يكن رجلاً يُهزم بسهولة.
عندها، توقف هرقل لوهلة، وتأمل الوضع. أدرك الحقيقة: الأرض هي مصدر قوة أنتايوس!
الخدعة القاتلة
في الجولة التالية، بدلًا من أن يطرحه أرضًا، استخدم هرقل قوته الهائلة لرفع أنتايوس عاليًا فوق رأسه. حاول العملاق أن يفلت، لكنه وجد نفسه معلقًا في الهواء، مفصولًا عن مصدر قوته. بدأ يضعف تدريجيًا، وتبدد وهج طاقته، وظهرت على وجهه علامات الرعب لأول مرة في حياته.
ثم، بكل قوته، هوى هرقل به إلى الأرض، لكن هذه المرة، لم يكن لأنتايوس فرصة للنهوض. ظل جسده الضخم ممددًا بلا حراك، وانتهت أسطورة العملاق الذي لا يُهزم.
مدينة من رحم الأسطورة
بعد انتصاره، يقال أن هرقل توجه إلى قصر أنتايوس، حيث التقى تينجيس، زوجة العملاق. كانت امرأة قوية، جميلة، وحكيمة، وقد رأت في هرقل قائدًا جديرًا بالاحترام. ووقعت في حبه، وتزوجها، ومن اتحادهما وُلد سوفاكس، الابن الذي سيؤسس لاحقًا مدينة تينجيس، والتي ستُعرف لاحقًا باسم طنجة.
لكن الأسطورة لم تنتهِ هنا.
أراد هرقل حماية مدينته الجديدة من الغزاة، فقرر القيام بعملٍ عظيم يخلده للأبد: فشق الجبال التي تربط بين إفريقيا وأوروبا، وخلق فجوة سمحت للمحيط الأطلسي بالاندفاع وتشكيل مضيق جبل طارق. بهذا، فصل القارتين، وجعل طنجة مدينة منيعة، تحميها مياه البحر وموقعها الاستراتيجي.
إرث لا يموت
مرت قرون، وتعاقبت الحضارات على طنجة، من الفينيقيين، إلى الرومان، إلى العرب، لكنها لم تنسَ يومًا جذورها الأسطورية. حتى اليوم، يزور الناس مغارة هرقل، حيث يُقال إنه استراح بعد معركته مع أنتايوس، وينظرون إلى البحر، متأملين في الفجوة التي قيل إن يده القوية شقتها بين القارتين.
طنجة ليست مجرد مدينة، إنها جزء من حكاية خالدة، حيث يلتقي التاريخ بالأسطورة، والواقع بالخيال.