لماذا وإلى أين ؟

أساطير طنجة.. “الحاج الفيل” ورجل العصابات الأمريكي (ح 25)

أساطير طنجة، سلسلة يعدها الصحافي عبد الله الغول، تستكشف أغرب الحكايات الشعبية والأساطير التاريخية التي تدور في فلك مدينة طنجة… حلقاتها تجمع بين السرد الأسطوري والمعطيات التاريخية… تلتقون معها طيلة شهر رمضان في حلقات يومية مثيرة ومشوقة.

الحلقة 25 :

كان رجال الشرطة في طنجة غداة الاستقلال، بل وحتى قبله، من أبناء مدينة طنجة الذين عرفوا بعلاقتهم الوطيدة مع سكانها، وتفانيهم في حفظ الأمن بأسلوب يمزج بين الحزم والإنسانية. من بين هؤلاء برز الحاج افطيمة، الذي ذاع صيته كواحد من أشد رجال الشرطة صرامة وشجاعة. كان الحاج افطيمة قبل التحاقه بسلك الشرطة معلّم بناء، ولم يكن مظهره يختلف عن أهل طنجة البسطاء، مرتدياً طربوشاً تركياً تلفّه عمامة «الرزة»، وفوقية محزمة بـ«الكرزية» الرجالية، مع «الجابدور» والسروال القندريسي، وفوقها جلباب فضفاض يُكمل هيبته ووقاره.

يحكي الدكتور حمزة المساري في مروياته “أحاديث من باب مرشان” عن واقعة غريبة شهدتها طنجة قديما، حينما وفد إلى المدينة رجل عصابات أمريكي شهير، ينتمي إلى عائلة مافيا متوحشة اشتهرت بإبادة أعدائها بلا رحمة. كان هذا الرجل قادماً من عالم مليء بالدماء والسلطة، حيث تنشب الحروب بين العائلات حتى تفني إحداها الأخرى عن بكرة أبيها.

وصل رجل العصابات إلى طنجة بعد أن دوى اسمه في ولايات أمريكية عدة، مثل نيو هامبشر وتكساس وسان فرانسيسكو ونيويورك. بدأ بممارسة أفعال سطو وعنف في المدينة، مما أثار استياء السكان. لم يدم الأمر طويلاً حتى ألقت الشرطة القبض عليه، وأوكل أمره إلى الشرطي الشهير الحاج افطيمة. 

ويصف الدكتور حمزة المساري كيف أخذ الحاج افطيمة الرجل إلى قبو مركز الشرطة، وخلع عنه عمائمه الأنيقة وقفاطينه الغالية، ثم شرع في استجوابه بأسلوبه الخاص. لم يكن هذا استجواباً عادياً؛ إذ روى الرجل لاحقاً أنه شعر وكأنه يتم غسل كل جرائمه كما يُغسل الغسيل المتسخ.

في لحظة من الضعف والاستسلام، اعترف رجل العصابات بكل ما اقترفته يداه منذ طفولته في نيو هامبشر، مروراً بمغامراته في تكساس، وصولاً إلى هيمنته على شوارع نيويورك بمساعدة رجاله. لم يكن الاعتراف مجرد قائمة جرائم، بل كان شهادة حية على عالم الجريمة المنظمة الذي هرب منه.

الحاج افطيمة، الذي يُلقب أيضاً بـ”الحاج الفيل”، كان معروفاً بأسلوبه الفريد في التعامل مع المجرمين. اشتهر هذا اللقب لأنه كان مروضاً لفيل كان ملكاً للسلطان مولاي حفيظ قبل أن يُهدى لاحقاً للملك ألفونسو الثالث عشر ملك إسبانيا. لم يكن الحاج يخشى شيئاً؛ كان يدخل إلى مجالس المجرمين المدججة بالسلاح، حيث تجتمع زعامات العصابات على موائد القمار. بخطوات واثقة ونظرة صارمة، كان يخرج من المجلس وقد صفّد الجميع بالأصفاد، دون أن يسقط طربوشه التركي من رأسه.

المدينة في ذلك الوقت كانت تعرف نظاماً اجتماعياً مختلفاً؛ رجال الشرطة وسكان المدينة كانوا متعارفين بشكل كبير، ورغم حزمهم وشدتهم أمام المجرمين أحياناً يغض الشرطي الطرف عن أخطاء بسيطة يرتكبها أبناء المدينة، مثل معاقرة الخمر و “العربدة” بصوت مرتفع. ولم تكن العقوبة حينها سوى النصح والوعيد، لا بل ويقتاد الشرطي السكران المعربد إلى باب منزله ويعده بمبيت في القبو لليلة أو ليلتين إن هو أعاد الكرة. وبعد انتهاء العقوبة، كان الشرطي يحدث أن يلتقي بالمذنب في الحي ليبادله عبارات المزاح: «فوياخ، ماشي يعفو الله اعليك، وتعمل عقلك؟».

لكن مع رجل العصابات الأمريكي، لم يكن الأمر مجرد تحذير. تصرف الحاج افطيمة بحزم وجزم، ليعيد النظام إلى المدينة ويثبت أن طنجة، رغم بساطة نظامها الأمني آنذاك، لا ترضى بأن تكون مأوى لأعتى المجرمين.

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

0
أضف تعليقكx
()
x