2024 © - أشكاين جميع الحقوق محفوظة - [email protected]

يوسف بنشهيبة*
لطالما شكل هذا الموضوع داخل الوسط الحقوقي والقضائي وكذا الطب يقلق كبير جدا، نظرا لما يحمله من إشكالات تعتبر في حد ذاتها خطيرة تمس قرينة البراءة من جهة أولى، وتمس ضمانات المحاكمة العادلة من جهة ثانية، فالعديد من الأشخاص ممن كانوا ضحية الشواهد الطبية، وتمت إدانتهم على خلفيتها، وكانوا ضيوفا على المؤسسات السجنية، وكانت والبراءة هي عنوان زنزانتهم.
إن من بين الوظائف التي يقوم بها الطبيب فضلا عن علاج المرضى وتقديم الاستشارات الطبية لمن هم في حاجة إليها، يقوم الطبيب بإصدار الشواهد الطبية بمناسبة ممارسته لمهنته، والتي يمكن تعريفها على أنها وثيقة أو سند مكتوب صادر عن طبيب، أو يمكن القول على أنها معاينة طبية بالعين المجردة تتضمن وقائع عاينها على جسم شخص ما، ويحدد بمقتضاها آثار عنف، أو حادثة، أو حالة من الحالات المتعلقة بقدرة الجسم على القيام بوظيفته، أو وجود مرض أو عاهة، أو عجز كلي أو مؤقت،أو العكس بنفيذلك.
والشهادة الطبية قد تكون رسمية إذا صدرت من طبيب موظف مع الدولة، وقد تكون عادية إذا صدرت من طبيب يعمل في إطار القطاع الخاص، وبهذاأصبح إصدار هذهالشواهد الطبيةجزء لا يتجزأ من ممارسة الطبيب لدوره وواجباته مجتمعيا، ويمكن القول أن عملية إصدار الشواهد الطبية تؤسس لعلاقة الثقة المبنية بين الطبيب والمجتمع والضابطة القضائية والنيابة العامة والقضاء، هذا الطبيب الذي يجب أن يكون على قدر كبير من المسؤولية والاحتياط أو الانتباه، لكون هذه المسألة من شأنها أن تثير مسؤوليته.
وتلعب الشهادة الطبية من الناحية القضائية دورا فعالا في مجال الإثبات، أو يمكن اعتبارها من الأدلة العلمية الحديثة، باعتبار مضمونها التقني الذي يخرج عن معرفة رجل القضاء والذي يجعله مضطرا للجوء إليهاوالأخذ بها في كثير من الأحيان، وهنا تكمن إشكالية هذا المقال.
ولعل العديد من القضايا التي راجت أمام مختلف المحاكم، مما كان محل المتابعة أطباء متابعين بمنح وتسليم شواهد طبية تتضمن مدة عجز مثيرة للجدل، وفي المقابل فإن هيئة الاطباء بمدينة سطات كانت قد نبهت الأطباء التابعين لها بالتقيد بالضوابط، من خلال تسليم الشهادات الطبية لمن يستحقها، وتحريرها والحرص على أن تحمل هذه الشهادة طابع وتوقيع الطبيب وهوية المريض، بعد فحصه، بتضمين الشهادة رقم بطاقة التعريف الوطنية الخاصة بطالبها وصورته الشمسية، وأن تتضمن توقيع المحرر وتاريخ التحرير.
ولعل أن هناك إشكالية تظهر مرة أخرى،وهي المتعلقةبقراءةالشواهد الطبية، فيجب أن تحرر الشهادة الطبية من طرف الطبيب بكيفية مفهومة يتأتى فهمها بشكل سلس وصحيح من طرف القاضي، والتي يعمل من خلالها على ترتيب الاثار القانونية للمعطيات المتضمنة بها، بشكل يضمن تحقيق العدالة، وأن تكون مدة العجز المتضمنة في الشهادة الطبية تتناسب مع نوع الاصابة، وهنا نتوقف قليلا، أن تتناسب مدة العجز مع نوع الاصابة، في العديد من الأحيان، الشهادة الطبية تتضمن مدة عجز قد تصل إلى 30 يوم، أو تتجاوز ذلك، ونجد في بعض الأحيان أن هذه المدة لا تتناسب مع نوع الاصابة، ولا حجم الضرر، ولعل أن الشخص عندما يقدم على صفع شخص آخر، أو دفعه أو ركله، يقوم المعتدى عليه بتسلم شهادة طبية، مدة العجز فيها تصل إلى 30 يوم، والمواطن العادي الذي ليست له دراية بالقانون، لن يقبل هذا الأمر، وسوف يشك في مسألة التناسب بين حجم الضرر وبين مدة العجز، وهذا يطرح مسألة في غاية الأهمية، هل مدة العجز تتعلق بالضرر النفسي المعنوي، أم بضرر جسدي، بالرغم من أن هذا الأخير قد لا يكون له وجود في الواقع، وهنا نطرح مجموعة من الأسئلة :
ماهي ظروف تسليم هذه الشهادة ؟
و إلى أي غاية يرجى استعمالها ؟
هذا الطرح هو نفسه يعيد ظاهرة انتشار الشواهد الطبية المزورة، والتي توبع فيها بعض الأطباء سواء في القطاع العام أو القطاع الخاص، وتوبع فيها أيضا الضحايا ممن ادعى بعضهم تعرضه للكسر…، وفي رأينا الشخصي، فالشخص الذي يتوجه إلى المصالح الأمنية قصد تقديم شكاية ضد شخص أخرى ويتبين من خلال جلسات الدعوى أن الشهادة الطبية مزورة، وأن الادعاء كان بقصد الانتقام…، فيجب أن يتابع المشتكي صاحب الشكاية الكيدية التي تتبين نيته فيما بعد، بجريمة إهانة الضابطة القضائية والتي نص عليها الفصل 264 من مجموعة القانون الجنائي : يعتبر إهانة، ويعاقب بهذه الصفة، قيام أحد الأشخاص بتبليغ السلطات العامة عن وقوع جريمة يعلم بعدم حدوثها أو بتقديم أدلة زائفة متعلقة بجريمة خيالية أو التصريح لدى السلطة القضائية بارتكابه جريمة لم يرتكبها ولم يساهم في ارتكابها…
ولنا تحليل للفصل أعلاه وفق ما يلي : لا يجب أن يفهم من الفصل أعلاه أن الجريمة التي يبلغ عنها الشخص لم يتعرض لها المبلغ، وكون أن التبليغ في هذا الفصل يخص جريمة خارجيةلم تتعرض لها نفس أو عرض المبلغ، واشترط المشرع في هذا الفصل العلم بعدم حدوث الجريمة، وكون أن المبلغ الذي يصحب معه الشهادة الطبية الكيدية لدى المصالح الأمنية، أو أمام النيابة العامة يكون عن علم تام يقيني خالص بأن الجريمة التي يبلغ عنها هي جريمة خيالية لم تحدث، هذا من جهة، ومن جهة أخرى كون أنه ليس ضحية اعتداء مطلقا، إلى جانب اعتبار الشهادة الطبية دليل زائف متعلق في الأصل بجريمة خيالية كما وسبق الذكر، كما يمكن في هذه الحالة للشخص المشتكى به والذي تبين فيما بعد أنه بريء مما نسب إليه، من متابعة المشتكي عن طريق اقامة الدعوى العمومية، والمطالبة في الشق المتعلق بالدعوى المدنية التابعة بالتعويض عن الضرر المعنوي الذي تعرض له، بعض النظر عنأسهم الاتهام التي وجهت له من طرف عائلته أو من دائرة الأقارب أو المعارف، والتي تسري في حقه بدون أن تعرف أمد للتوقف أو للتقادم.
وعلاوة على ذلك إن تسليم الشواهد الطبية لا يكون معه دائما المقابل المادي، وإنما في بعض الأحيان يكون إصدار هذه الشواهد بسبب المحاباة، أو اعتبارات أخرى، ولعل المادة 8 من مدونة أخلاقيات الطب والتي نصت على ما يلي : يجب على الطبيب تقديم العلاج لجميع مرضاه بنفس القدر من العناية والمسؤولية والضمير المهني، بعيدا عن كل أنواع التمييز كيفما كانت طبيعته، ولاسيما بسبب السن او النوع او اللون أو اللغة أو الاعاقة أو المعتقد الديني او التوجه السياسي او الثقافي او الانتماء الاجتماعي أو بسبب اي وضعية خاصة كيفما ما كان نوعها.
يجب عليه ان يتصف طوال الوقت بأخلاق عالية ويتعامل بأسلوب لبق وبالاحترام اتجاه الشخص الذي يلجأ لخدماته.
المادة 51 من نفس القانون نصت على أنه : تخول مزاولة مهنة الطب صلاحية تحرير الشهادات والتقارير التي تنص عليها القوانين والأنظمة الجاري بها العمل والتي يطلبها المريض أو ممثله القانوني أو ذوو حقوقه عند وفاته.
يجب أن تحرر هذه الوثائق بحذر وروية وبطريقة واضحة ومقروءة وأن تكون مؤرخة وأن تمكن من تحديد هوية المريض وأن تتضمن توقيع الطبيب وهويته وختمه،
المادة52 : تحرر الشهادات والتقارير طبقا للمعاينة الطبية التي يجريها الطبيب
ويمنع على الطبيب منح أي تقرير متحيز أو شهادة مجاملة.
في تحليلنا للمادة51 أعلاه والتي نستشف من خلالها أن القانون 131.13خول للطبيب العام أو الخاص وحده مهمة إصدار الشواهد الطبية، أي أن هذه المهمة خاصة بالطبيب فقط، ولا يحق لأي كان وتحت أي ظرف أن يصدر هذه الشهادة، إلى أن المادة 363 من ق ج ذكرت وبطريقة غير مباشرة اصطناع بعض الشواهد تحت إسم إما ملاحظي الصحة أو قابلة.
وذلك لعدة أسباب من بينها :
أولا : كون أن هذه الشواهد لا يجب أن تصدر إلا من طرف طبيب أدى القسم، أي أن عملية المعاينة تم تخصيص الطبيب بها، وهي التي يمكن اعتبارها الفيصل الحاسم في تكييف المتابعات التي تصدر في حق الأشخاص، هل هذه الشهادة دليل إدانة، أو دليل براءة ؟ ( ولا ننسى سلطة الملاءمة التي تختص بها النيابة العامة).
ولنا في هذه المسألة تفصيل في الأسطر المقبلة…
وبالرجوع إلى المادة 8 والتي يستشف منها أن عملية إصدار الشواهد يجب أن تكون مؤطرة بالضمير المهني لدى الطبيب، وألا يكون سبب إصدار الشهادة الطبية، بسبب محاباة، أو تفضيل، أو تمييز، أو قرابة، أو بسبب المعتقد الديني او التوجه السياسي، أو الثقافي او الانتماء الاجتماعي، أو بسبب أي وضعية خاصة كيفما ما كان نوعها، وأن إصدار هذه الشهادة يتم عن طريق طلب يتقدم به المريض أو ممثله القانوني أو ذوو حقوقه عند وفاته.
المادة 52 والتي أكدت على أن تحرير الشهادات والتقارير الطبية تتم عن طريق إجراء المعاينة، هذه الأخيرة التي يرجى منها إثبات الضرر من عدمه، كون أن الشهادة الطبية لا تثبت من المتسبب في الضرر، بل تثبت الضرر الحاصل واللاحق بالجسد أو عضو منه، بالرغم من أنها تكتسي قيمة علمية، إلا أن القيمة القانونية وهي التي تشكل جوهر إشكالية هذا المقال والتي سوف نفصل فيها في الأسطر المقبلة.
وفي حديثنا عن مسألة المعاينة، يجب علينا في بادئ الأمر أن نتطرق إلى ماهية المعاينة، ويمكن تعريفها على أنها فحص طبي بالعين المجردة، والتي تتم أيضا عن طريق الاستعانة بوسائل أو أجهزة طبية للكشف عن حالة ما، وقد تكون في بعض الأحيان يدوية، هي معاينة فعلية للمريض، حيث تتضمن الشهادة تاريخ يوم وساعة الفحص وهوية المريض…، ويجب أن تسلم للمريض شخصيا، ما دام هو الذي تقدم بالطلب.
الفقرة الثانية من المدة 52 والتي منعت على الطبيب منح أي تقرير متحيز أو شهادة مجاملة، وهذا ما تم التطرق له في الأسطر أعلاه.
الوشاية الكاذبة وعلاقتها بالشواهد : من خلال العمل القضائي، قد تبين بشكل ملحوظ مدى حجم الخطر الذي تشكله الشواهد الطبية، والتي تؤسس لعنوان الانتقام والشكايات الكيدية والوشايات الكاذبة، ففي العديد من الأحيان يتقدم شخص ما باعتباره مشتكي لدى المصالح الأمنية او أمام النيابة العامة بشهادة طبيبة تتضمن مدة عجز معينة، ولنا في هذه المدة أيضا تفصيل في الأسطر التالية، قلنا أن الشهادة تتضمن مدة عجز وكون أن الشهادة لم تعد وثيقة خاصة بالجانب الطبي، ولكن يمكن القول على أنها تشكل تموضع إن صح التعبير، بين الجانب الصحي والجانب القانوني والجانب الاجتماعي.
ويمكن القول بصريح العبارة أن كل شخص كان له دافع انتقام، أو ابتزاز، أو تهديد، أو عداوة، أو خصام لفظي عادي، أو نزاع قضائي بينه وبين الطرف الآخر، فإنه يلجأ من أجل إيذاء الطرف الآخر إلى طلب الشهادة الطبية، وتوظيفها زورا والتي تتضمن ضرر، جرح أو عجز، أو عاهة مؤقتة أو مستديمة…، أو عجز كلي أو مؤقت والتسبب في الزج بالأبرياء في السجن، أي هو إفك وبهتان.
فهل تتصورن حجم خطر هذه الشواهد الطبية، أن تعتقل وتحاكم بسبب شهادة طبية أصدرها طبيب ما، ليس له ضمير، تقرير أو شهادة طبية تتبث ما ليس كائن في الواقع، بل يمكن الحديث أبعد من هذه النقطة، كون أن الشواهد الطبية لها تأثير كبير على سير الدعوى أمام المحكمة، وتغيير تكييف الوقائع سواء تلك المتعلقة بحوادث السير، أو القضايا الجنحية…، أو الجنائية في بعض الأحيان، كما أن العديد من ضحايا الشواهد الطبية كان لهم أول لقاء بالمحاكم، وهم مجرمون في نظر المجتمع، حيث ينتظرون مصيرهم الذي سينتهي في السجن.
وفي الأصل لا تخرج هذه الشواهد الطبية على كونها أريد بها تقديم شكايات كيدية في حق أناس أبرياء، تتضمن وقائع كاذبة تعزز بشهادة طبية لإضفاء الثبوتية أكثر عليها، كما أن توظيف الشواهد الطبية زورا يجد أثره أيضا في حوادث الشغل، وحوادث السير، وولوج الوظيفة، أو لتبرير الغياب عن العمل، أو عند التقاضي بين شخصين، أو عند عقد القران، أو الولادة…، وفي رأينا الشخصي هي تغرة قانونية خطيرة جدا يستغلها هؤلاء بكل الوسائل المتاحة، وتطرح بالتزامن نفس الأسئلة…، إلى متى سيستمر هذا الوضع ؟
إلى متى ستشكل الشواهد الطبية مفتاح الإدانة في حق الأبرياء ؟
وهنا نأتي في هذا المقال، للتركيز على الدور الكبير والفاصل والحاسم الذي يلعبه الدفاع والقاضي والنيابة العامة والضابطة القضائية في موضوع الشواهد الطبية.
الدفاع : تكمن أهمية الدفاع في القضايا التي يكون موضوع الدعوى فيها الضرب والجرح، أو تبادلهما… إلخ، في المنازعة في صحة هذه الشهادة الطبية، والتماس إجراء فحص طبي مضاد، لبيان حقيقة الحالة الصحية، لأن غياب هذا الملتمس فتح أو يفتح الباب على مصرعيه من أجل تقاطر الشكايات الكيدية المفبركة الأحداث والوقائع، من أجل الزج بالأخرين في السجن، إن الفحص المضاد هو إجراء هام للوصول إلى الحقيقة، وفي المقابل يستلزم أن يكون لهذا الملتمس ما يبرره كتقديم أدلة وحجج مقبولة لدى القضاء تفيد عكس ما يدعيه المشتكي.
القاضي : يلجأ القاضي في مسألة الشواهد الطبية إلى الملاءمة بين الخبرة الطبية و الوقائع لإصدار الحكم، فمضمون الشهادة الطبية يخرج عن معرفة السلطة القضائية، الشيء الذي يجعل القاضي مضطرا للجوء إليها في كثير من الأحيان عند عدم الطعن فيها من طرف المشتكى به، وهنا تكمن إشكالية المقال.
وفي ذلك قرار صادر عن محكمة النقض رقم 50\4
الصادر بتاريخ : 21 فبراير 2023
في الملف العقاري رقم 7268\7\4\2021
“للمحكمة سلطة تقدير وتقييم الحجج والأدلة المعروضة أمامها لاستخلاص ما تبرر به قضاءها بتعليل سائغ وسليم، كما أن لها سلطة الأمر بإجراء من إجراءات التحقيق من عدمه ولها أن تصرف النظر عنه متى ارتأت أنه غير منتج في الدعوى وطبقا للمادة 10 من ق م ج، فإن المحكمة المدنية لا توقف البت في الدعوى إلا إذا أقيمت فعلا الدعوى العمومية وكانت جارية أمام القضاء”.
في قرار آخر صادر عن محكمة النقض
قرار رقم 642\2022
الصادر بتاريخ 11 ماي 2022
في ملف إعادة النظر رقم 2744\6\4\ 2020
“مهمة تقدير قيمة الحجج والأدلة في الإثبات منوطة بمحكمة الموضوع التي لها أن تأخذ بأي دليل معروض عليها، وهي غير ملزمة بالجواب صراحة عن سبب استبعادها للخبرة التي لم تطمئن إليها، فيكون ما أثاره الطاعن كسبب إعادة النظر في قرار محكمة النقض عرضا جديدا لوسيلة النقض التي أجيب عنها في القرار المذكور”.
النيابة العامة : في مرحلة البحث التمهيدي، أي بعد ايداع الشكاية فإنها تأمر الضابطة القضائية من أجل تعميق البحث والتثبت من الفعل الجرمي، والتحري بخصوصه وهذه مرحلة في غاية الأهمية قبل مرحلة المحاكمة.
التحقيق : ليس هناك ما يمنع من تقديم ملتمس إجراء فحص طبي مضاد أمام قاضي التحقيق، لتحديد الحالة الصحية وترتيب الاثار القانونية الكاملة حول الفعل الجرمي، ومتى تبث أن الشهادة الطبية صدرت بشكل زور من طرف الطبيب، وأن الشكاية المقدمة من طرف المشتكي مخالفة للواقع فيجب أن يتابع المشتكي والطبيب بالفصول التالية :
“المشتكي” : والذي يجب أن يتابع بجريمة الوشاية الكاذبة وهي ما يعرف بإهانة الضابطة القضائية، وينص الفصل 445 من مجموعة القانون الجنائي على أنه من أبلغ بأية وسيلة كانت، وشاية كاذبة ضد شخص أو أكثر إلى النيابة العامة أو إلى الضابطة القضائية أو الإدارة أو إلى هيئات مختصة باتخاذ إجراءات بشأنها أو تقديمها إلى السلطة المختصة، وكذلك من أبلغ الوشاية إلى رؤساء المبلغ به أو أصحاب العمل الذين يعمل لديهم، يعاقب بالحبس من ستة أشهر إلى خمس سنوات، وغرامة مالية من مائة وعشرين إلى ألف درهم، ويجوز للمحكمة أن تأمر علاوة على ذلك بنشر حكمها كله أو بعضه في صحيفة أو أكثر على نفقة المحكوم عليه.
وعلاوة على ذلك، يمكن للمشتكى به والذي تبين بعد المحاكمة أنه بريء، أن يقيم دعوى عمومية في حق المشتكي، ودعوى مدنية تابعة للتعويض عن الضرر جراء الشكاية الكيدية، التي تعتبر وجه من أوجه التقاضي بسوء نية، وكما يعلم الجميع أن كلا من الدعوى العمومية والدعوى المدنية التابعة، لا يمكن أن تعوض الشخص الذي صدر في حقه الحكم بالبراءة في نازلة الشكاية الكيدية بسبب الشهادة الطبية، لكون الضرر النفسي بليغ، وأن المطالبة بالتعويض ومهما كانت قيمته لا يمكن أن تعوض أو تجبر الضرر النفسي، لذلك نرى على أنه يرجى أن تأخد المحكمة بعين الاعتبار قيمة التعويض المطالب به، لكون الشكاية الكيدية توفرت فيها الأركان الثلاثة المكملة للجريمة، وكان الهدف منها النيل والإضرار بالطرف الآخر، والتي يتحقق فيها القصد الجنائي العام المباشر، مادام أن الأصل في التقاضي هو حسن النية، لكن الواقع العملي يعكس هذا الأصل باستثناء، من خلال إصرار بعض المواطنين على استغلال هذه التغرة وعلاقاتهم لجرجرة أقارب لهم أو معارف… لمجرد خلاف بسيط إلى المحاكم، عن طريق الحصول على إقرارات كاذبة وشهادات طبية مزورة بهدف الزج بهم في السجن.
الركن المعنوي في جريمة الوشاية الكاذبة أو إهانة الضابطة القضائية : ويتحقق هذا الركن بعلم المشتكي علما يقينا تاما بأن الجريمة التي يبلغ عنها أو محل الشكاية غير موجودة، ولا تتعدى كونها جريمة خيالية من نسج خياله فقط هذا من جهة.
من جهة أخرى، تتجه إرادة الجاني نحو الإضرار بالطرف الآخر والانتقام منه وتشويه سمعته، هي رغبة لتحقيق النتيجة الاجرامية، منطلقها توفر قصد جنائي عام مباشر وبذلك فهي جريمة عمدية.
“جريمة التزوير” : يسأل الطبيب مسؤولية جنائية عن جريمة تزوير الشواهد الطبية ،وتخضع في ذلك للأحكام العامة للتزوير المقررة في مجموعة القانون الجنائي، إن هذه الوثيقة كما قلنا سابقا تكتسي خطورة بالغة جدا، ما دامت أنها تعتبر الفيصل بين الإدانة أو البراءة، و مادامت مسألة الفحص الطبي المضاد مطلب أو ملتمس يجب أن يحضر بالشكل المطلوب وأكثر.
تكتسي كما قلنا الشهادة الطبية خطورة بالغة إذا ما سلمت لشخص لم يتم فحصه، ونقصد هنا إما الفحص بالعين المجردة أو الفحص اليدوي أو الفحص عن طريق استعمال وسائل أو جاهزة طبية، أو أن تتضمن هذه الشهادة معلومات كاذبة نظرا لما يمكنها أن تخلفه من آثار وخيمة على الغير، خاصة إذا ما تم تقديمها أمام المحكمة التي تضعها في عين الاعتبار عند إصدار أحكامها.
نص المشرع على جريمة التزوير في المادة 364 من مجموعة القانون الجنائي والتي جاء فيها : كل طبيب أو جراح او طبيب أسنان أو ملاحظ صحي أو قابلة، إذا صدر منه، أثناء مزاولته مهنته وبقصد محاباة شخص ما، إقرار كاذب أو فيه تستر على وجود مرض أو عجز أو حالة حمل، أو قدم بيانات كاذبة عن مصدر المرض أو العجز أو سبب الوفاة، يعاقب بالحبس من سنة إلى ثلاث سنوات، ما لم يكون فعله جريمة أشد، مما نص عليه في الفصل 248 وما بعده.
ويجوز علاوة عن ذلك، أن يحكم بالحرمان من واحد أو أكثر من الحقوق المشار إليها في الفصل 40 من خمس سنوات إلى عشر.
ومن بين الملاحظات التي يمكن تسجيلها وهي أن تقترن جريمة التزوير، بجريمة الرشوة أو إستغلال النفوذ، في العديد من الأحيان يعمد بعض المواطنين إلى تقديم رشوة أو هدية أو وعد لأحد أطباء سواء في القطاع العام أو الخاص، من أجل تحرير شهادة طبية لغرض الشكاية الكيدية ليس إلا، أو التي تستعمل في قضايا حوادث السير، أو حوادث الشغل…
الفصل 366 من ق ج يعاقب بالحبس من ستة أشهر إلى سنتين وغرامة مالية من مائتين ألف درهم ألف درهم أو بإحدى هاته العقوبتين، ما لم يكون الفعل جريمة أشد، من :
صنع عن علم إقرارا أو شهادة تتضمن وقائع غير صحيحة
زور أو عدل، بأي وسيلة كانت إقرارا أو شهادة صحيحة الأصل
استعمل عن علم إقرارا أو شهادة غير صحيحة أو مزورة
الركن المعنوي في جريمة التزوير : هذه الجريمة من الجرائم العمدية، قوامها هو القصد الجنائي العام المباشر بعنصريه العلم والارادة، أي علم الطبيب يقينا أن ما تتضمنه الشهادة من وقائع وضرر مخالف للحقيقة، وأن إرادته حرة اتجهت نحو ارتكاب الفعل الجرمي، الذي يكون من شأنه تغيير الحقيقة وتضليل العدالة، لكون أن الشهادة سوف تستعمل لأغراض إدارية أو قضائية.
الركن المادي في جريمة التزوير: الفصل 364 من ق ج يتجلى هذا الركن في إصدار الطبيب أو الجراح أو طبيب الأسنان أو ملاحظي الصحة أو قابلة شهادة طبية تتضمن إقرار كاذب بتعرض الشخص لضرب أو جرح، أو عجز أو عاهة…، أو التستر على وجود عجز أو مرض أو حالة الحمل، ويكون الغرض من إستعمال هذه الشواهد بعد ذلك بطبيعة الحال غير مشروع.
والحالة الثانية لتزوير الشواهد والتي تتضمن بيانات كاذبة عن مصدر المرض أو العجز أو سبب الوفاة، ويجد هذا النوع من الشواهد أثره في قضايا السب والقذف، وحوادث الشغل وحوادث السير والامراض المهنية…، ويعود سبب استعمال هذه الشواهد في قضايا حوادث السير، وحوادث الشغل، وهوتقديم بيانات كاذبة أمام القضاء للحكم بالتعويض المادي، حيث أن هذه الشهادة يكون لها دور كبير جدا في تقدير حجم الضرر وتقرير التعويض المناسب له.
و المعلوم أن المحكمة في تكييف الوقائع وبعد أن يتضح لها بجلاء أن الشكاية لا تخرج عن كونها كيدية، فإنها تراعي في ذلك تطبيق الفصل 118 من مجموعة القانون الجنائي والذي نص على ما يلي : الفعل الواحد الذي يقبل أوصافا متعددة يجب أن يوصف بأشدها.
والجدير بالملاحظة أن المشرع في الفصل 118 لم يقصد توقيع العقوبة الأشد، ولكن
اكتفى بالعقاب على الوصف الأشد وخير دليل هو عبارة التعدد المعنوي هو تعدد العقوبات.
المشرع المغربي ومن خلال هذا الفصل يعاقب فقط على الوصف الأشد، عكس باقي التشريعات الأخرى وأقصد على وجه التخصيص الولايات المتحدة الأمريكية التي تجمع عقوبات الجرائم التي ارتكبها الشخص، وبهذا نسمع أن بعض الأحكام تصل إلى 100 و 120 سنة في بعض القضايا خلافا للمشرع المغربي كما سبق بيانه.
وفيما يخص المسؤولية الجنائية، فإن هناك حالتين يسأل الطبيب عنها : الحالة الأولى والتي تقوم فيها المحكمة بانتداب طبيب من أجل إبداء رأيه أو تقديم خبرة أو تقرير طبي في مسألة ما، بشرط أن يكون الرأي المتضمن لشهادة الزور متعلقا بموضوع الدعوى التي طلب منه إجراء خبرة بشأنها، ومن الممكن أن يؤثر في مجرياتها ويساهم في تضليل العدالة، ولا يهم بعد ذلك إن كان تغيير الحقيقة جزئيا أو كليا، فالجريمة تتحقق في الحالتين معا، أما الحالة الثانية : وهي التي يسلم فيها الطبيب الشهادة الطبية أو التقرير لطالبها أي المشتكي، ويتبين فيما بعد أن الشهادة أو التقرير لا يعكس الواقع، وأن ما تضمنته الشهادة يعد زيف وكذب، ولكن في الحالة التي يسكت فيها الطبيب عن شيء لا أهمية له في الشهادة ولا أثر له في موضوع الدعوى وسيرها، فإنه لا يسأل جنائيا.
والمقصود بالطبيب، هو الطبيب المزاول لمهنة الطب بصفة قانونية، ذلك أنه لو أصدر شخص شهادة طبية تتضمن بيانات كاذبة وهو لا يحمل صفة طبيب، أو صدر في حقه قرار التشطيب، فإنه لا يخضع لأحكام المادة المذكورة، كما أن نفس الأمر ينطبق على من اصطنعشهادة بمرض أو عجز تحت إسم أحد الأطباء، أو الجراحين أو أطباء الأسنان أو ملاحظي الصحة أو قابلة، كما جاء في المادة 363 من ق ج،كما أن المشرع لم يميز بين الطبيب في القطاع العام أو الخاص.
موضوع الشهادة : ويجب أن يتعلق بإثبات أو نفي واقعة حمل أو عاهة أو مرض أو وفاة أو عجز…، على خلاف الحقيقة، حتى يمكن القول بأن الجريمة هي جريمة تزوير شهادة طبية، وهذا ما ينطبق على مسألة شهادة الزور وفي ذلك تفصيلنا التالي :
شهادة الزور الواقعة من طبيب أو جراح : نصت المادة 375 من القانون الجنائي الخبير الذي تعينه السلطة القضائية، إذا قدم شفويا أو كتابيا في أي مرحلة منمراحل الدعوى رأيا كاذبا أو قرر وقائع يعلم أنها مخالفة للحقيقة يعاقب بعقوبة بشهادة الزور حسب التفصيلات المشار إليها في الفصول من 369 إلى 372.
فالطبيب أو الجراح الذي تقوم المحكمة بانتدابه للقيام بمهمة ما، وإبداء رأيه الفني في قضية ما عن طريق إجراء فحص طبي على المتهم مثلا من أجل التأكد من مدى سلامة قواه العقلية، وبالتالي مدى مسؤوليته أو عدم مسؤوليته الجنائية، فيعاقب على هذا الأساس بالعقوبة المقررة لشهادة الزور.
إن الممارسة القضائية أبانت في العديد من الأحيان عن واقع خطير جدا يتعلق بالشواهد الطبية، وعلى سبيل المثال في حالات معينة يتقدم شخص بشهادة طبية مدة العجز تقدر بحوالي 30 يوما وتجده حاضرا في جلسات المحاكمة، أو كالذي يحضر إلى عمله في اليوم نفسه من تقديم الشهادة، ولعل القاضي يعتمد فقط على الشهادة الطبية كوثيقة رسمية صادرة عن طبيب،الذي من المفترض أن يتحلى بالثقة والضمير المهني، بينما أن مدة العجز الطويلة قد تغير كما قلنا سابقا تكييف الأفعال، أو سير الدعوى برمتها، ولنا في سبب منح هذه المدد تفصيل في الأسطر التالية :
إن كانت الشهادة الطبية الممنوحة لا تثبت من الفاعل أو الجاني، بل فقط تكشف واقعة الضرر وحجمهومدة العجز…، اتجاه آخر يرى بأن المدد الممنوحة في الشواهد الطبية والتي تثبت ضرر ما، بالرغم من أن هذا الضرر لا يكون معه عجز صاحب الشهادة من التنقل، و الالتحاق بالعمل، وممارسة حياته اليومية العادية، فإن هذا الاتجاه يبرر أن هذه المدد متعلقة بحجم الضرر المعنوي لطالب الشهادة، ولنا في ذلك تفصيل على الشكل التالي :
إن كانت المدد الممنوحة في الشواهد الطبية التي لا يكون معها الضررعائق أو مانع من ممارسة طالب هذه الشهادة لحياته اليومية العادية، إذن لماذا تمنح من طرف أطباء القطاع العام والخاص ؟، لأن من المفترض أن تمنح هذه الشواهد التي يكون تعليل هذه المدد بسبب الضرر النفسي من طرف طبيب نفسي في إطار احترام التخصص أولا، وثانيا الطبيب النفسي بلا شك سيكون أكثر دراية ومعرفة بالحالة النفسية لطالب الشهادة، وهل يعاني من اضطراب نفسي أو أزمة نفسية حادة جراء الواقعة، ومن تم سيكون هناك تبرير منطقي لهذه المدد الممنوحة في حالة غياب الضرر المادي، بذلك سنحقق نجاعة الاحكام القضائية.
ولا ننسى أن القاضي والمحامي يلعبان دور مهم جدا، للتأكد من حقيقة الضرر المادي أو النفسي،عن طريق الطعن في الشهادة الطبية بواسطة ملتمس يقضي بإجراءخبرة مضادة، وكونه ليس مجرد ادعاء، عن طريق الطعن في الشهادة، كون أن مدة العجز لا تتناسب مع حجم الضرر، وهنا تأتي أهمية الخبرة المضادة في الكشف عن الحقيقة، لأن المدد المتضمنة في الشواهد الطبية تشكل عامل حاسم في تشديد العقوبة أو العكس أو إعادة التكييف، كما وسبق الذكر
مدة العجز في الشهادة الطبية وعلاقتها بفصول المتابعة : لا شك أنهذه المدن تشكل دور حاسم كما وسبق الذكر، فمدة العجز أقل من 20 يوما، فالمتابعة تكون بناء على الفصل 400 من القانون الجنائي، وتصل العقوبة إلى الحبس من شهر واحد إلى سنة وغرامة من 200 إلى 500 درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين.
الفصل 401 مدة العجز التي تتجاوز 20 يوما تصل العقوبة بالحبس من سنة إلى ثلاث سنوات وغرامة من 200 إلى 1000 درهم، كلا الفصلين تم التطرق فيهما إلى عنصر سبق الاصرار والترصد والحرمان من واحد إلى أكثر من الحقوق المشار إليها في الفصل 40 من ق ج.
كانت هذه هي الفصول كما وسبق الذكر التي تشكل عامل حاسم في تكييف المتابعة أولا، وثانيا تحديد العقوبة المناسبة حسب المدة المتضمنة في الشهادة الطبية، وهي التي تحدد مدة العجز.
وتماشيا مع ما تم ذكره : فالطبيب يلعب دور حاسم ومسؤوليته جسيمة بليغة، من خلال الشهادات الطبية التي يمنحها في هذا الإطار، ومسألة القول أن الشهادة الطبية تحدد مصير المتابعين بسبب إصدار هذه الشواهد، في حالة كانت هناك شكوك في ظروف منح هذه الشهادة ووجود إرادة سوء التقاضي صادرة من إحدى الأطراف، ففي هذه الحالة فإن دور القاضي والدفاع كما سبق وأن قيل يلعب دور مصيري في الكشف عن الحقيقة، مادام أن القانون خول حق إعمال الخبرة الطبية المضادة، إلى جانب السلطة التقديرية التي يتمتع بها القاضي، في تقدير الحجج والأدلة المعروضة عليه، ولعل ذلك هو ترجمة مأسسة الحق في محاكمة عادلة تتوفر فيها جميع الضمانات القانونية تطبيقا للدستور وللمواثيق الدولية، من جهة، ومن جهة أخرى تشكل القطع مع أساليب الايذاء والانتقام التي يلجأ إليها البعض من أجل تصفية الحسابات والزج بالأبرياء في السجون.
الضرر النفسي والضرر المادي في الشواهد الطبية : إن أول ما نقف عليه وهو الاختلاف الواضح في مضامين الشواهد الطبية، والتي نجد من خلالها أن بعض الشواهد يغيب فيها الضرر المادي، في المقابل يحضر فيها الضرر المعنوي، والمفارقة تكمن في أن الطبيب العام أو الخاص هو الذي يصدر هذه الشهادة، والأولى أن تصدر هذه الشهادة التي تتبث الضرر النفسي من طرف طبيب نفسي، وبالرجوع إلى المادة 52 من مدونة اخلاقيات مهنة الطب والتي جاء فيها : تحرر الشهادات والتقارير طبقا للمعاينة الطبية التي يجريها الطبيب.
ولعل أن عمل واختصاص الطبيب العام الذي يشتغل في المستشفيات العمومية أو المستوصفات… أو الطبيب الخاص أو الطبيب المختص والطبيب النفسي يختلفان من حيث : التخصص، أساليب وطرق العلاج، فإذا كان الطبيب الخاص أو العام يحتكم للعلاج وللمعاينة، وإلى وسائل وأجهزة، فإن الطب النفسي يختلف تماما، عن الطب، فهو يعتمد بالدرجة الأولى على التواصل والحديث مع المريض.
كما أن الطب النفسي متعدد الأنواع : فهو يضم العلاج السلوكي المعرفي الذي يقوم على فهم كيفية تأثير أفكار المريض، ومعتقداته ووجهات نظره على مشاعره وسلوكياته.
ويضم العلاج السلوكي الجدلي، والعلاج السلوكي المعرفي، والعلاج النفسي الداعم… إلى غيره من العلاجات المتعددة.
لذلك نؤكد أن بعض القضايا والشواهد التي قد يقدمها أحد أطراف النزاع، والتي تبرر مدد العجز فيها عن تعرض الطرف لضرر نفسي، فيجب أن تصدر وأن يختص بها الطبيب النفسي، مادام أنه يملك أساليب التشخيص من دراسة الحالة، والملاحظة والاختبارات النفسية، ويجب ألا يعرض على الأخصائي النفسي لأن الفرق بين الطبيب النفسي والاخصائي النفسي كبير، وهو فرق يلاحظ من حيث التعليم، والتدريب، ونطاق الممارسة، وكيفية العلاج…، إلى جانب اختلافات أخرى، فهناك بعض القواسم المشتركة بينهما.
الشهادة الطبية والطبيب الشرعي : في رأينا الشخصي فإن إصدار الشواهد الطبية يجب أن يكون من اختصاص الطبيب الشرعي، مادام أن هذا الأخير من مساعدي القضاء بمنطوق المادة 2 من القانون 77.17 المتعلق بتنظيم ممارسة مهام الطب الشرعي والتي جاء فيها : يعتبر الأطباء الممارسون للطب الشرعي من مساعدي القضاء، وبالرغم من أن الطبيب الشرعي يتمتع باستقلالية في ممارسة مهامه، إلا أنه يخضع لمراقبة الجهة القضائية التي انتدبته بمنطوق المادة 5 من نفس القانون.
اليمين : المادة 7 من نفس القانون يؤدي الأشخاص المستعان بهم المشار إليهم أعلاه اليمين أمام الجهة القضائية التي انتدبت الطبيب الشرعي المعني وفق الصيغة المنصوص عليها في المادة 354 من قانون المسطرة الجنائية، ما لم يكونوا مسجلين في جدول الخبراء القضائيين.
و استنادا إلى ما سبق، مادام أن الطبيب الشرعي من مساعدي القضاء، ويعتبر دوره فاعل أساسي وهو عين القضاء في نجاعة الأحكام القضائية، والكشف عن الحقيقة
لما لا تسند له مهمة إصدار الشواهد الطبية، قصد اضفاء نوع من المصداقية على هذه الشهادة، ولا يجب أن يفهم من هذا الإسناد أنه تقليل أو تبخيس من الأطباء سواء في القطاع العام أو القطاع الخاص.
وهناك رأي آخر لنا، وهو في حالة الإبقاء على كون أن الطبيب سواء في القطاع العام أو الخاص هو الذي يصدر الشواهد الطبية، فيجب أن يكون طبيب محلف مسجل في جدول الأطباء المحلفين، ويجب إلزام كل من أراد تسلم شهادة طبية أن يلجأ إلى طبيب محلف تابع لدائرة نفوذ المحكمة صاحبة الاختصاص، وبهذه الحلول أو المنافذ والطرق الآمنة يمكن القطع مع ممارسة تسليم الشواهد الطبية من طرف بعض الأطباء، بمقابل أو على سبيل المحاباة…
المادة 4 من القانون 77.14 المتعلق بتنظيم ممارسة مهنة الطب الشرعي
تحدد مهام الطبيب الممارس للطب الشرعي فيما يلي :
الفحص السريري للأشخاص المصابين جسميا أو عقليا بغرض وصف الإصابات، وتحديد طبيعتها واسبابها وتقييم الاضرار البدنية الناتجة عنها، وتحديد تاريخ حدوثها، والوسيلة المستعملة في إحداثها، وتحرير تقارير أو شهادات طبية حسب الحالة، بشأنها.
إبداء الرأي الفني في القضايا المعروضة على القضاء بتكليف والمتصلة بمجال اختصاصه، ولا سيما فيما يتعلق بفحص وتحديد الاثار الملاحظة على اجسام الضحايا الناجمة عن الجرائم
تقدير سن الأشخاص بناء على انتداب الجهات القضائية، أو بناء على طلب كل من ذي مصلحة، أو في الاحوال التي ينص عليها القانون.
فحص أو أخد عينات من الأشخاص الموضوعين رهن الحراسة النظرية أو المحتفظ بهم أو المودعين بمؤسسة لتنفيذ العقوبة لتحديد طبيعة الإصابات اللاحقة بهم وسببها وتاريخها.
معاينة وفحص وتشريح الجثث والأشلاء لبيان طبيعة الوفاة، وسببها وتاريخها ووصف الجروح اللاحقة بها ومسبباته، والمساعدة عند الاقتضاء في تحديد هويته.
حضور عملية استخراج جثث الأشخاص المشتبه في سبب وفاتهم من القبور ومعاينتها
الانتقال لإجراء المعاينات واخد العينات المفيدة للبحث
رفع العينات العضوية على الاجسام بما فيها المواد المنوية والدموية والشعر والعينات النسيجية.
وإعطاء التفسيرات الطبية اللازمة بناء على على المعطيات المتوفرة ونتائج الفحوص والتحليلات المنجزة من طرف المختبرات المعتمدة، والمنتدبة لمختلف العينات العضوية وكذا مختلف المواد كالمخدرات والسكون.
القيام بكل مهمة أخرى يكلف بها من الجهات القضائية المختصة المتصلة بطبيعة مهامه.
يتمتع الطبيب الشرعي حين أدائه لمهامه بكامل الاستقلالية، وهذا مقتضى مهم جدا لضمان ممارسة عملية سليمة (المادة 05 من المشروع).
يتمتع الطبيب الشرعي أثناء ممارسته لمهامه بالحماية القانونية المنصوص عليها في الفصلين 203 و267 من القانون الجنائي المغربي وكل عرقلة لعمله معاقبة بالحبس وبالغرامة بمقتضى المادة 33 من مشروع هذا القانون.
وتجدر الإشارة، قبل ختام هذا المقال، أن الطب الشرعي في المغرب يلعب دورا مهما حاسما في الكشف عن الحقيقة، ويقوي وسائل الإثبات، ويعزز من إجراءات البحث الجنائي، التي من شأنها تحقيق ضمانات المحاكمة العادلة، ونجاعة الأحكام القضائية.
في المقابل يعاني الطب الشرعي في المغرب من قلة الأطباء الشرعيين، مع ضرورة إعادة النظر في التعويضات المخصصة للأطباء الشرعيين، من أجل تحفيزهم على الاشتغال في هذا المجال، ومسألة ضمان وجودهم بشكل كاف في كل المستشفيات المغربية على صعيد كل الدوائر القضائية الاستئنافية، الوضع الحالي المتسم بنقص حاد في عدد الأطباء الشرعيين وتواجد أغلبهم في المراكز الاستشفائية الكبرى اليوم، لا يساعد بصريح العبارة نهائيا في تطبيق الرأي المتعلق بإسناد اختصاص تسليم الشواهد الطبية للأطباء الشرعيين.
الشواهد الطبية مؤثر كبير على العدالة وخصوصا، فيما يخص تكييف الوقائع، و العقوبة، والمتابعة في حالة سراح من عدمه، إلى جانب محددات أخرى…، وكما قلنا سابقا فإن الشهادة الطبية لا تتبث فعل الاعتداء أو تكشف عن مرتكبه وإنما تثبت فقط حجم الضرر ونوعه، ومدةعجز المطالب بالشهادة الطبية.
النيابة العامة والشواهد الطبية : هناك إشكالية تطرح في الحالة التي يتم منح مصاب شهادة طبية تحدد مدة العجز فيها 20 يوما، أو تتجاوز تلك المدة سواء تعلق ذلك بقضايا حوادث السير أو الضرب أو الجرح…، ومع ذلك يتم تقديم المشتبه فيه والضحية معا أمام النيابة العامة، ويمكن لهذه الأخيرة أن تفطن لمسألة مدة العجز وغياب علاقتها بحجم الضرر الذي تعرض له الضحية، فهنا بلا شك تطرح أكثر من علامة استفهام، فهنا يجب أن يفتح تحقيق في مواجهة الضحية والطبيب الذي قام بتسليم الشهادة الطبية.
هل الشهادة الطبية يمكن اعتبارها وسيلة إتباث، في خضم هذا الاشكال القانوني، أمام مدى قانونية الشهادة الطبية وامام هذا الوضع الخطير الذي يشهده واقع اصدار الشواهد الطبية، إلى جانب الممارسة القضائية التي أبانت عن إشكالية الشواهد الطبية.
سلطة الملاءمة الممنوحة للنيابة العامة، يمكنها أن تحفظ ملفا به شهادة مصاب بها أكثر من يوم لغياب وسائل الإثبات معززة، أو تتابع المشتبه فيها في حالة سراح كما يمكنها أن تتابع مشتبها فيه إذا كانت الشهادة الطبية المضمنة في ملفه أقل من 21 يوما، في حالة اعتقال، في اطار سلطة الملاءمة التي تختص بها النيابة العامة.
العمل القضائي وتحديدا النيابة العامة، عملت على عدم تحريك المتابعات في مواجهة الأطباء بسبب الشهادات المحررة من طرفهم، بالنسبة لمدة العجز إلا إذا كانت تتضمن معطيات كاذبة، مثل التنصيص على أن الضحية تعرض مثلا لكسر، رغم أن الخبرة المنجزة عليه أثبتت عكس ذلك، لكن السؤال الذي يطرح نفسه ألا تعتبر مدة العجز المخالفة للواقع أو الحقيقة من البيانات الكاذبة، ما دامت أن مدة العجز تعتبر عامل حاسم كما وسبق التطرق له وذلك من خلال الفصول 400 و 401 من مجموعة القانون الجنائي، والتي يمكن القول أن العقوبة أو تكييف العقوبة تحدده مدة العجز التي بدورها تحدد عن طريق حجم الضرر الذي تعرض له صاحب الشهادة الطبية، وأن الطبيب يعلم يقينا أن في الحالة التي يغيب معها الضرر المادي، فإن مدة العجز التي تصل إلى 20 يوما أو التي تتجاوز ذلك يمكن اعتبارها غير منطقية في الأساس، مما يجعلنا نطرح مجموعة منالأسئلة في غاية الأهمية :
ما دور الشهادة الطبية في مثل هذه الحالة ؟
وفي أي ظروف تم إصدار هذه الشهادة الطبية ؟
ولأي غاية يرجى استعمالها ؟
بعض الآراء من الوسط القانوني والممارس، يرى البعض منهم أن الطبيب الذي يمنح الشهادة الطبية ليست له أي وسيلة قانونية أو كاشفة للتأكد من نية طالب الشهادة، وهل هو يكذب في مطالبته بالشهادة، لكن هذا القول أو هذا الرأي غير صائب ولنا فيه التحليل التالي : إن الطبيب غير ملزم من التأكد من صحة إدعاء طالب الشهادة، كونه لا يملك من الوسائل التي تكشف له وجود الضرر أو الكسر أو الجرح… إلخ، مما يجعل عمل الطبيب وحنكته تكشف الحقيقة، إن إتباث واقعة تعرض الشخص لحادثة سير، أو اعتداء فهي تجد سندها أو إثباتها في محاضر الضابطة القضائية وبعد المعاينة، وانما الطبيب يسأل عن المعاينة والتشخيص الذي يجب أن يكون دقيقا على طالب الشهادة، ومن خلال هذه الوسائل يتأتى للطبيب معرفة الحالة الصحية الحقيقية لطالب الشهادة.
ومن الأهمية بما كان أن الأصل في إصدار الشهادة الطبية هو إتباث الضرر، وتحديد مدة العجز المناسبة، بعد التأكد من حصول الضرر.
اختلاف مدة العجز بين الأطباء :
الملاحظ هو اختلاف مدد العجز الممنوحة من طرف الأطباء، حيث يمكن في واقعة واحدة وضرر واحد أن تختلف مدة العجز الممنوحة من طرف طبيب وطبيب آخر، ولا يستقيم أن نقول أن هذا الاختلاف يوجب تحريك المتابعات فهذا الطرح مخالف ومجانب القانون والصواب، ولعل أن أهم ما نشدد عليه وهو منح مدد العجز في غياب وجود الضرر، وهذه هي إشكالية المقال، أو عدم تناسب مدة العجز مع حجم الضرر.
تحريك المتابعات في حق الأطباء بسبب اختلاف مدد العجز من شأنه أن يخيف الأطباء ويجعلهم يتهربون من واجب منحها للضحايا والمصابين الذين هم في حالة ضرر حال وحقيقي.
إن الشواهد الطبية التي توزع في غياب الضوابط القانونية و الرقابة القضائية، هي مفتاح الإدانة، يمكن اعتبارها أنها فوضى في تسليم الشواهد الطبية، ولعل أن الأصل في تسليم هذه الشواهد والتي تستعمل في الدعاوى القضائية يجب أن يكون من طرف الأطباء الشرعيين باعتبارهم مساعدين للقضاء، ومن أجل جعلها ذات مصداقية، في نفس الوقت نحن مع الطرح القاضي بإبقاء اختصاص تسليم الشواهد على أطباء القطاع العام والخاص، وأن تتم المصادقة على هذه الشواهد من طرف طبيب شرعي، وأن يكون هذا التسليم مرهون كذلك بمراقبة النيابة العامة، ولنا في هذا الصدد بعض الحلول والمنافذ الآمنة، من أجل وقف نزيف تعرض العديد من الأشخاص الأبرياء للزج بهم في السجن بدون وجه حق.
من الحلول التي نقترحها وهي : تسجيل الأطباء بعد موافقتهم في جدول أو سجل خاص يوضع بكل محكمة إبتدائية ومحكمة إستئناف، بعد أداء اليمين أمام المحكمة المختصة والموجود الطبيب بنفوذ دائرتها القضائية، كما يجبأن تكون مرهونة بمراقبة النيابة العامة، ضمانا لمصداقيتها.
ختاما لما سبق ذكره، الممارسة القضائية أبانت بشكل ملحوظ عن وجود فوضى في تسليم الشواهد الطبية في المغرب، مما يجعلنا ننبه إلى خطورة الوضع وما يهدد ضمانات المحاكمة العادلة، بعد أن أضحت الشواهد الطبية تستعمل من طرف البعض من أجل الانتقام السهل والكيد…، مهنة الطب مهنة نبيلة وإنسانية، وهي أكبر بكثير من أن تلطخ بممارسات غير مسؤولة وغير ومهنية وغير وأخلاقية من طرف ممن هم محسوبون على مهنة الطب، كما أن إجراء الأبحاث والتحريات بشأن الشواهد الطبية المسلمة والتي في بعض الأحيان يشكك في صحتها وفي مدى دقتها، يكون معه إجراء فحص طبي أو خبرة طبية مضادة يعهد بها إلى أطباء شرعيين عند الاقتضاء، لازم وضروري للوقوف على صحة هذه الشواهد الطبية، ما دامت أن هذه الشواهد تلعب دور كبير جدا أمام القضاء في تكييف الوقائع وترتيب الاثار القانونية…، معالجة هذا الوضع تتطلب تدخلا جديا حازما صارما ،مهنيا وأخلاقيا وليس فقط قضائيا.
*باحث في العلوم الجنائية والأمنية
الآراء الواردة في هذا المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي “آشكاين” وإنما عن رأي صاحبها.